شوف تشوف

الرئيسية

هدية بريطانيا لليهود

كتاب القدس الحلقة 8

توالت فصول المؤامرة من خلال إصدار وعد «بلفور» (وزير خارجية بريطانيا) والصادر بتاريخ 1917م خلال الحرب العالمية الأولى، إذ أعلنت من خلاله بريطانيا دعمها لتأسيس «وطن قومي» للشعب اليهودي في فلسطين، والذي لم يكن يمثل آنذاك سوى 5 في المائة تقريبا من إجمالي السكان، ثم أعقب ذلك احتلال فلسطين في السنة نفسها ووقوعها تحت الانتداب البريطاني (1917م – 1948م). واحتلت القدس من طرف الحلفاء في 9 دجنبر 1917م، ومن ثمة عملت بريطانيا على تحقيق وعدها لليهود من خلال إرساء إدارة عسكرية ترمي إلى تقديم الدعم الكافي للصهاينة، لبلوغ أهدافهم ومراميهم المتمثلة في إقامة وطن قومي في فلسطين، فعقدت اللجنة الصهيونية مؤتمرها الأول برئاسة «حاييم وايزمن» في مدينة يافا، وتم إقرار حق اليهود في تقرير شؤونهم واتخاذ «نجمة داود» شعارا للعلم اليهودي وتبني تسمية إسرائيل بدل فلسطين. ولم يبق الفلسطينيون مكتوفي الأيدي إزاء هذه المناورات، بل أنشؤوا جمعيات مناهضة للنفوذ اليهودي والحيلولة دون شراء اليهود للأراضي الفلسطينية، ناهيك عن تنظيم المسيرات والتظاهرات المنددة بالسياسة الاستعمارية المتواطئة مع الصهيونية.

مندوب يهودي لحكم فلسطين
في سنة 1920م أقامت بريطانيا في فلسطين إدارة مدينة بدل العسكرية، فتمت تسمية «هربرت صموئيل» كأول «مندوب سام» يحكم فلسطين، وهو في الأصل يهودي إنجليزي يسعى إلى ترجمة أهداف الصهيونية على أرض الواقع، إذ حظر حمل السلاح على السكان العرب في القدس، وفي المقابل سلح المستعمرات اليهودية وأنشأ لهم مراكز للتدريب العسكري، كما جعل اللغة العبرية والعربية والإنجليزية من اللغات الرسمية، وعلاوة على ذلك شجع اليهود على الهجرة إلى المدينة وسهل لهم مسألة شراء الأراضي، وتوجت مجهوداته بأن أقرت بريطانيا في دستورها لعام 1922م أن فلسطين وطن قومي لليهود. ومن مستتبعات ذلك تقسيم القدس إلى أربع مناطق.
البلدة القديمة، 2-المنطقة المحيطة بالمدينة القديمة، 3-القدس العربية، 4-القدس الغربية اليهودية.
تمادت سلطات الانتداب البريطاني في تشجيع وتسهيل هجرة اليهود إلى أرض فلسطين، وشكل ظهور النازية بألمانيا في الثلاثينات (1933) وتنكيل هتلر بهم دافعا آخر لهجرتهم من كل دول أوربا، ووازى ذلك نشاط الحركة الصهيونية التي استطاعت لوبياتها التغلغل في عصب الاقتصاد الأوربي والأمريكي وكذا السيطرة على الآلة الإعلامية العالمية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تجنيد العصابات اليهودية الصهيونية لإرهاب العرب الفلسطينيين وأشهرها عصابات الهاجاناه والبالماخ وأرجون وشيترن، والتي نفذت مجازر في حق الفلسطينيين.
لقد كان الشعب الفلسطيني حازما في معارضة سياسة الانتداب البريطاني المتواطئ مع الحركة الصهيونية، فانتظم في ثورات مسلحة، أبرزها ثورة 1920م، 1933م وثورة 1936م- 1939م، وعلى إثر هذا المد الثوري الفلسطيني، حاولت سلطات الانتداب البريطاني طرح فكرة تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، وجعل القدس منطقية دولية لقدسيتها. لكن هذه الفكرة/ المقترحة لاقت رفضا ومقاومة من لدن الفلسطينيين ومن طرف الدول العربية على مستوى منظمة الأمم المتحدة. وفي سنة 1947م نجحت بريطانيا في حشد الدعم لليهود، من خلال استغلال واقع التشرد والاضطهاد الذي كانوا يعانون منه في دول أوربا، وبالتالي ضرورة فرض إيجاد وطن لهم بفلسطين، وعلى هذا الأساس تم تمرير توصية بالتقسيم المذكور وذلك على مستوى اللجنة السياسية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي التوصية التي قابلها العرب والفلسطينيون بالرفض مرة أخرى.
وفي خضم هذه التطورات، تابعت بريطانيا جهودها المتنامية لتهويد القدس ومارست المنظمات الإرهابية اليهودية التقتيل والتشريد والتهجير في حق الفلسطينيين عبر المجازر التي نفذتها، ومنها مجزرة قرية دير ياسين التي راح ضحيتها 250 فلسطينيا. وبتاريخ 14 ماي 1948م تم الإعلان عن الانسحاب النهائي لبريطانيا من فلسطين، ليعلن في الآن ذاته اليهود عن قيام دولة إسرائيل، فدخل العرب الحرب إلى جانب الفلسطينيين، وهي الحرب التي انتهت بسقوط القدس الغربية و5/4 من فلسطين تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، في حين بقيت القدس العربية تحت سيطرة الأردن.

تهويد القدس
مع الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، أصبحت مسألة تدويل القدس واقعا لا مناص منه، واضطرت الدول العربية إلى القبول به في أعقاب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 دجنبر 1948م، والذي نص كذلك على حماية الأماكن المقدسة بالمدينة وعدم تقسيمها، وفي 11 دجنبر 1949م أعلنت إسرائيل نقل عاصمتها إلى القدس، وفرضت سلطتها على الجزء الخاضع لها، وأدى «حاييم وايزمن» اليمين القانونية كأول رئيس لدولة إسرائيل، وأعقب ذلك نقل العديد من الوزارات الإسرائيلية إلى القدس، كما تم تبني العديد من الإجراءات السياسية والإدارية الهادفة إلى تكريس ودعم وضع القدس كعاصمة لإسرائيل، وفي هذا الاتجاه عمل اليهود على تعمير الجزء الغربي من المدينة وزيادة عدد السكان فيه لاستيعاب سيل الهجرات التي تلت الحرب، وهكذا وصل عدد المستوطنين اليهود 197 ألف نسمة سنة 1967م، وفي ظل هذا النمو الديموغرافي في القدس الغربية «اليهودية» اتسع العمران فيها وتم الإجهاز على العديد من القرى والأراضي العربية، لكن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية لم تلق الترحيب من غالبية دول العالم التي لم تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإضافة إلى هذا المعطى فشلت إسرائيل في جعل المدينة مركزا إداريا لأسباب تتعلق بوضعية المدينة الروحية وبموقعها الجغرافي، ولذلك أبقت على أهم الوزارات في تل أبيب وأنشأت مكاتب رمزية لها في القدس.
وفي عام النكبة وبعد هزيمة العرب في حرب يونيو 1967م، وضعت إسرائيل يدها على القدس الشرقية وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية، وفرضت الحكم العسكري على الضفة الغربية، وبالموازاة مع ذلك أقدم الإسرائيليون على هدم حي المغاربة المحاذي لحائط البراق، بهدف تهجير السكان الفلسطينيين من القدس بغية السيطرة عليها كليا. ولتحقيق هذا الهدف تم هدم القرى المحيطة بالمدينة وطرد سكانها الأصليين، وفي مرحلة تالية أقدمت سلطات الاحتلال على دمج شطري القدس في تحد سافر للقانون الدولي، ومنذ سنة 1967 وإلى حدود اليوم ما زالت إسرائيل تسعى جاهدة إلى تهويد مدينة القدس بالكامل من خلال تفعيل وتكييف إجراءات الضم القانوني لها. وفي سنة 1980 تم إقرار «قانون أساسي» ينص على أن القدس عاصمة لإسرائيل، ولمواجهة الإشكالات القانونية التي تطرحها علاقة المقدسيين بالقانون الإسرائيلي، لم يعترف لسكان القدس العرب بصفة المواطنة على الرغم من كونهم من سكان إسرائيل، ولم يمنحوا الجنسية فضلا عن منعهم من المشاركة في الانتخابات العامة، وبدل ذلك سمحت لهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالمشاركة في الانتخابات البلدية لمدينة القدس فقط، وهي الانتخابات التي قاطعها الفلسطينيون دوما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى