هدوء يسبق العاصفة في ليبيا
عبد الباري عطوان
تسود الجبهات الليبية حالة من الهدوء ربما يكون الهدوء الذي الذي يسبق العاصفة، لأن طرفي الصراع، أي حكومة الرئيس فايز السراج التي توجد في غرب البلاد، خاصة في طرابلس ومصراته، وحكومة الجنرال خليفة حفتر التي تسيطر قواتها على المنطقة الشرقية، حيث توجد معظم آبار النفط واحتياطاته وتحاصر العاصمة، تستغلان اتفاق وقف إطلاق النار الذي صدر في ختام مؤتمر برلين من أجل تعزيز قواتهما والاستعداد للجولة القتالية الجديدة.
كان لافتا أن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي هدد بإرسال قوات تركية لنصرة حليفه السراج، واستصداره قرارا عن البرلمان التركي يشرع هذه الخطوة، لم يرسل إلا بضع عشرات من المستشارين، واكتفى بإرسال المقاتلين السوريين، بعد إغرائهم برواتب عالية تصل إلى 5000 دولار شهريا، لتجنب وقوع خسائر في صفوف القوات التركية، مما قد يؤدي إلى تأليب الرأي العام التركي الرافض في أغلبيته لأي تورط عسكري لبلاده في ليبيا.
إرسال هذا العدد من المقاتلين السوريين إلى ليبيا في وقت تتساقط فيه القرى والبلدات والمدن السورية في ريف إدلب مثل خان شيخون ومعرة النعمان، وأخيرا سراقب، أثار العديد من علامات الاستفهام، مثلما أثار حالة من الغضب في أوساط بعض أنصار المعارضة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، مرفوقة بانتقادات للرئيس أردوغان نفسه. السؤال الذي يطرح نفسه هو أين سيذهب هؤلاء المقاتلون السوريون، في حال جرى التوصل إلى اتفاق بين الطرفين المتقاتلين؟ فالمرتزقة التشاديون والسودانيون الذين يقاتلون في صفوف قوات حفتر يمكن أن يعودوا إلى بلادهم، لكن الحال مناقض لذلك تماما بالنسبة إلى المقاتلين السوريين، فتركيا لن تقبل بعودتهم إلى أراضيها، والدولة السورية لن ترحب بهم في مناطقها. هناك خياران أمام هذه القوات التابعة للمعارضة السورية، فإما القتال حتى الموت في جبهات القتال التي قد تشتعل في الأيام القليلة القادمة، أو أن ينضموا، أو نسبة كبيرة منهم إلى فروع تنظيمي «القاعدة وداعش» في «المغرب الإسلامي»، الأمر الذي سيؤدي إلى انتشارهم في معظم دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي.
اللافت أن التنظيمين المذكورين يعيشان حاليا مرحلةَ إعادة رص الصفوف، ويهددان بالعودة إلى شن هجمات ضد أعدائهما، وزعزعة استقرار دول الاتحاد المغاربي، فقد أعلن المتحدث باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» أو «داعش»، أبو حمزة القرشي، قبل أسبوع، أن زعيم التنظيم الجديد إبراهيم الهاشمي القرشي قرر بدء مرحلة جديدة ألا وهي «قتال اليهود واسترداد ما سلبوه من المسلمين»، بينما تعهد تنظيم «القاعدة» بالثأر لمقتل قاسم الريمي زعيمه في الجزيرة العربية في اليمن في هجوم لطائرة أمريكية مسيرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندماج التنظيمين أو التنسيق بشكل أعمق بينهما، مثلما يرجح الكثير من الخبراء. ليبيا، إذا استمرت حالة عدم الاستقرار الحالية فيها، فإنها ستتحول إلى الحاضنة الأدفأ لمرحلة نهوض «القاعدة» و«الدولة الإسلامية»، ففيها أكثر من 15 مليون قطعة سلاح على الأقل، وآلاف الأطنان من الذخائر، وحوالي 1.8 مليون كيلومتر من الأراضي الشاسعة وحوالي ألفي كيلومتر من السواحل شبه الخالية على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، حيث يمكن الوصول إلى الساحل الأوربي الشمالي المقابل بسهولة.
هل كان الرئيس أردوغان يفكر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمثل هذا السيناريو عندما هدد أوربا بورقة المهاجرين غير الشرعيين، وعبر النافذة الليبية وليس التركية؟
لا نملك الإجابة، ولكن ما نعرفه أن حوالي 700 من المقاتلين السوريين تمكنوا من التسلل عبر البحر إلى أوربا في الأشهر القليلة الماضية، حسب تقارير إخبارية، والرقم في تزايد الأمر الذي أدى إلى زيادة التوتر في العلاقات التركية الفرنسية تحديدا.
الوضع الليبي الراهن كان وما زال مصدر قلق مزمن لدول الاتحاد المغاربي، وخاصة الجزائر وموريتانيا وتونس، ولكنه قلق قد يتزايد في الأيام والأشهر المقبلة، وهذا ما يفسر تحول الجزائر إلى محج لمعظم الأطراف المتورطة في هذا الصراع.