شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هدف في مرمى السياسة

من المفارقات العجيبة في مشهدنا السياسي أن تغيب الرياضة عن برامج الأحزاب في الانتخابات ولا يظهر لها أثر في مطبوعات الاستحقاقات، لكنها تحضر حين يتألق المنتخب الوطني في المحافل الدولية والقارية. فالبرلمانيون الذين ضربوا بقبضة أيديهم على الطاولة وانتقدوا سخاء الجامعة مع المنتخب، تراهم اليوم يرتدون قميص الفريق الوطني الذي يفضح ترهل بطونهم، ويزينون حيطان صفحاتهم الفايسبوكية بصور في الدوحة، وهم يرقصون فرحا وانتشاء بمنتخب قادر على حقن جرعة السعادة في نفوس المغاربة. فجأة، ودون سابق إشعار، سجلت الكرة هدفا في مرمى السياسة من مرتد سريع.

في الرباط تعطلت الأسئلة الشفوية والكتابية في مجلس النواب، وبدت القاعة شبه فارغة من ممثلي الأمة كأنهم في فصل دراسي ضعيف الإقبال، تعطل السؤال والجواب وألغيت ضوابط الرد والرد المضاد بسبب وجود كثير من الوزراء في قطر لمساندة الفريق الوطني المغربي، وألغيت جلسات نقاش لتزامنها مع مباريات المنتخب. فحين تدور الكرة حول نفسها في المونديال يلغى السياسي المنتخب من طرف الشعب ويتوارى عن الأحداث، ليحتل المنتخب الكروي الصدارة ويصبح حديث الناس.

فتحت كثير من الأحزاب السياسية مقراتها واستعانت بشاشات كبرى لنقل مباريات المنتخب الوطني، وتحول كثير من السياسيين إلى محللين يفهمون سر الكرة المكنون. كان حزب التقدم والاشتراكية سباقا لخلق أجواء الكرة في بيته، بل إن زعيمه نبيل بن عبد الله سبق المنتخب إلى الدوحة بعد أن فاز بركلات الترجيح في مؤتمر لم يخل من لغط واحتجاج على الحكام.

لكن، بالرغم من حب الكرة الساكن في ثنايا حزب التقدم والاشتراكية، إلا أن أعضاء فريقه النيابي انسحبوا من جلسة الأسئلة الشفوية، بسبب عدم تفاعل الوزراء مع أسئلتهم وسفر بعض الوزراء إلى  قطر لمتابعة المنتخب المغربي في المونديال. حاول رئيس الجلسة ثنيهم عن قرار الانسحاب وذكرهم بوجود زعيمهم في دوحة المونديال لكنهم أصروا على المغادرة.

وفي مقر حزب العدالة والتنمية وضعت شاشة لمن يسكنه عشق الكرة، لكن ولوج المقر مشروط بالتوفر على بطاقة انتماء لحزب المصباح، حتى لا تفعل الأهداف المسجلة في قطر فعلتها في الأجساد فتتخلى عن حشمة مكتسبة.

وحين كان المغاربة يتطلعون لمباراة بلجيكا وينشغلون بمدى جاهزية حكيمي ومزراوي، حقق محمد أوزين نصرا كبيرا وفاز بلقب أمين عام لحزب الحركة الشعبية، في زمن كانت أذهان الحركيين مسافرة إلى قطر لتتبع مشوار المنتخب ومنافسيه. ولأن في الحركة بركة فقد عجل أوزين بتلاوة التقارير واستعجل المصادقة عليها حتى لا يداهم الحاضرين موعد كروي هام.

في الدوحة يمكن أن تصادف أكثر من زعيم حزبي ملفوف في قميص الفريق الوطني المغربي، وفي ساحات المدينة عشرات من المسؤولين السياسيين ومديري مؤسسات ونواب البرلمان بالمجلسين ووزراء حاليين وسابقين ورؤساء جماعات ومستشارين جماعيين ومسؤولين كبار في سلك الدولة، تخلصوا من ضغط الوجاهة السياسية ليختلسوا لحظة فرح طفولي وهم يرددون أهازيج المدرجات. ومنهم من انتقل إلى الدوحة في إجازة كروية رفقة أفراد أسرته ورئيس ديوانه مادامت الحبة والبارود من دار القايد، كما يقول المثل المغربي.

لكن الطريف في هذه الرحلات المنظمة، أن يملأ رئيس جماعة صفحته الفايسبوكية بصوره في كورنيش الدوحة وساحاتها، في اليوم الذي أصدرت المحكمة الإدارية حكما بعزله من منصبه بسبب سوء التدبير المالي للجماعة.

غاب هذا السياسي عن جلسة المحاكمة وأصر على الحضور في مدرجات ملعب المدينة التعليمية، بينما منع بعض رؤساء الجماعات من مغادرة التراب الوطني بقرار من النيابة العامة، وعادوا أدراجهم يتجرعون الخيبة ويتأبطون عتاد التشجيع.

 

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى