شوف تشوف

الرأيالرئيسيةن- النسوة

هجمة مرتدة

يعتبر عشاق الساحرة المستديرة أن أعظم هجمة مرتدة في تاريخ كرة القدم يعود تاريخها إلى سنة 2011 في المباراة التي جمعت بين ريال مدريد وأياكس أمستردام برسم منافسات دوري أبطال أوروبا. حيث جاء هدف كريستيانو رونالدو الأسطوري نتيجة لهجمة مرتدة استغرقت في مجملها أقل من اثنتي عشرة ثانية، وذلك بتنسيق مع نجوم الريال آنذاك مثل بنزيما وأوزيل وغيرهما الكثير ممن ساهموا في إنجاز كروي تاريخي حقيقي.

وبعيدا عن «الكونطر آطاك» في ملاعب أوروبا، تفاجأت المغربيات، مطلع الأسبوع الجاري، بهجمة مرتدة مباغتة جرت أطوارها في أروقة وزارة العدل، التي خرج علينا وزيرها عبد اللطيف وهبي بتصريح مثير للاستغراب. حيث صرح السيد الوزير، خلال أحد اللقاءات الصحفية، قائلا: «إلى كان المدخول ديال المرأة أكبر من ديال الراجل خص حتى هي تخلص النفقة، حيث خص يكون هناك نوع من العدالة».

هجمة وهبي المرتدة هزت مدرجات بعض المشجعين من الرجال الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على كل قانون أو تشريع يصب في صالح المرأة. استقبل الألتراس الذكوري تعليق وهبي بالكثير من الحفاوة والترحيب. حيث انهالت التعاليق المؤيدة لهذا الاقتراح، معتبرة إياه خطوة في سبيل تحقيق العدل والمساواة بين الجنسين.

تصريحات عبد اللطيف وهبي، وإن كانت تبدو منطقية، إلا أنها تظل مجانبة للصواب إذا نحن وضعناها في السياق المجتمعي والاقتصادي للمغرب. وزير العدل هو أكثر مسؤول حكومي دراية بالمآسي الإنسانية الناتجة عن تملص الزوج من واجب الإنفاق سواء خلال العلاقة الزوجية أو بعد الطلاق. يعي السيد الوزير جيدا مدى المعاناة والحروب النفسية التي تخوضها المطلقة من أجل استخلاص ريالات النفقة من زوج هو غالبا شخص مُعَنّف وغير مسؤول. عشرات الآلاف من المغربيات اللواتي يترددن على مراكز الاستماع المخصصة لدعم النساء في وضعية صعبة، كفيلة بأن تجعلنا نستغرب مثل هذه التصريحات.

من الملاحظ أن السيد الوزير أغفل عنصرا مهما ورئيسيا في عملية الزواج. وهو الاختلاف عند النساء والرجال في تحديد مفهوم هذا السلوك البيولوجي والاجتماعي والاقتصادي. غالبا ما يتغاضى الرجل عن الدوافع الغريزية للمرأة في رغبتها في الزواج من شخص أعلى منها مرتبة اجتماعية واقتصادية، بهدف توفير الحماية لها ولصغارها. ويصنف هذا الميول الغريزي كنوع من أنواع الجشع والطمع غير المبرر. وفي المقابل يبرز الرجل أهمية الغرائز الذكورية في أمور مثل تعدد الزوجات أو الرغبة في التزاوج مع الفتيات الصغيرات، بما يخدم مصالحه الفردية المحدودة. غير أن ميل النساء إلى اعتماد التزاوج الفوقي معيارا لتحديد مستوى الشريك يظل أمرا مشروعا.

يشير التزاوج الفوقي إلى ممارسة البحث عن شريك يتمتع بمكانة اجتماعية أو اقتصادية أعلى من الذات. غالبا ما تتم مناقشة هذا المفهوم في سياق ديناميكيات النوع الاجتماعي وأنماط العلاقات. نشأ المصطلح من الكلمات اليونانية hyper» »، التي تعني «فوق» وgamos» » التي تعني «زواج».

تاريخيا، كان التزاوج الفوقي سمة بارزة في العديد من المجتمعات. في البيئات التقليدية، غالبا ما تتزوج النساء من رجال يتمتعون بمكانة اجتماعية أو اقتصادية أعلى لتأمين ظروف معيشية أفضل أو مكانة اجتماعية أو استقرار اقتصادي. غالبا ما تأثرت هذه الممارسة بالمعايير المجتمعية والضروريات الاقتصادية بدلا من الاختيار الشخصي.

في المجتمع المعاصر، لا يزال التزاوج الفوقي ذا صلة ولكنه يتجلى بشكل مختلف. لقد أدى الاستقلال الاقتصادي وأدوار الجنسين المتطورة إلى تحويل الديناميكيات التقليدية. بالنسبة للعديد من الناس، فإن «الهايبرغامي» لا تتعلق بالبقاء بل تتعلق بالتفضيل الشخصي أو الطموح. قد يسعى الرجال والنساء على حد سواء إلى إيجاد شركاء يمكنهم تقديم الاستقرار المالي أو المزايا الاجتماعية، مما يعكس القيم الشخصية أو الأهداف بدلا من مجرد الضرورة.

يزعم منتقدو التزاوج الفوقي أن هذا السلوك يعزز القيم المادية ويديم التفاوت الاجتماعي، ويشيرون إلى أن هذا السعي قد يؤدي أحيانا إلى توقعات غير واقعية ويساهم في تسليع العلاقات. من ناحية أخرى، قد يزعم المؤيدون أن التزاوج الفوقي هو نهج عملي لتأمين شريك يمكنه توفير موارد معينة أو الاستقرار، وهو امتداد طبيعي للسعي إلى ظروف مواتية.

يتقاطع النقاش حول التزاوج الفوقي أيضا مع علم النفس التطوري، والذي يشير إلى أن سلوكيات اختيار الشريك تتأثر بالضرورات البيولوجية لتأمين الموارد وضمان رفاهية النسل. ومع ذلك، غالبا ما تعقد الديناميكيات الاجتماعية الحديثة هذه النظرة، وتدمج الاختيار الشخصي، والروابط العاطفية والطموحات الفردية في المعادلة.

بشكل عام، التزاوج الفوقي هو مفهوم متعدد الأوجه يتأثر بالعوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية. تستمر أهميته في التطور مع تغير المعايير المجتمعية والتوقعات الفردية. لذا فإن الحديث عن تشريعات ترغم المرأة المغربية، التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، على دفع النفقة أو التخلي عن حقها البيولوجي الطبيعي في انتقاء شريك يساعدها في تحقيق الأمن المادي والمعنوي للأسرة، يظل حديثا مجانبا للصواب. بدل ترويج خطابات غوغائية تدغدغ أحلام اليقظة عند العامة، الأجدر بنا أن نطالب المشرع بسن قوانين تحفظ كرامة المواطنات والمواطنين سواء داخل الأسرة أو خارجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى