شوف تشوف

الرأي

هجرة الطبول

 

 

حسن البصري

عاد إلى أرض الوطن مشجعو المنتخب المغربي لكرة القدم، بعد نهاية رحلة كأس العرب. كان فلاح والدليمي والبهجة يحملون طبولهم الصامتة، ويلفون أجسادهم في أعلام الوطن.

مسح المقيمون في وسائط التواصل الاجتماعي إقصاء المنتخب الوطني المحلي في مشجع أعزل، يحمل لقب «ظلمي» واتهموه بـ«التقواس»، والتمسوا منه القطع مع مباريات المنتخب المغربي، ذكورا ونساء. استسلم الرجل للقرار والتمس دفنه في معسكر المنتخب المغربي، ولف جسده بعلم وطن سكنه.

ضاق هذا المشجع البسيط المكافح ذرعا بما يكتبه المغرضون، وكأنه هو الذي أهدر ضربة الجزاء، وهو الذي يقضي ساعات في المدرجات يصيح ويصرخ عشقا لمنتخب بلاده.

يحاول فلاح عبثا التخلص من تهمة «التقواس» التي رافقته، يدلي بمستندات تؤكد حضوره في مباريات خرج منها المنتخب الوطني مظفرا، لكنهم لا يسمعون دفوعاته. قبل أن يتحول إلى لاجئ رياضي، يبيت في دار لرعاية المهاجرين بفرنسا.

قبل عشر سنوات خلت، وتحديدا قبيل مباراة جمعت في مراكش المنتخب المحلي المغربي ونظيره المالي، خرجت إلى الوجود لجنة تحضيرية لجمعية ستحمل اسم «الجمعية الرياضية لمشجعي المنتخب المغربي»، تكونت نواتها الصلبة من مشجعين أشداء اعتادوا متابعة جميع مباريات المنتخب الوطني، داخل المغرب وخارجه.

في جلسات حوار اختمرت الفكرة وتمخض الحلم فولد لجنة تحضيرية، بارك الحاضرون المولود بميزان مراكشي. حمل المؤسسون هم المخاض والولادة، وتكونت نواة صلبة من مناصري الكوكب المراكشي، عز الدين العطراوي وعبد الله كرتي وهشام صامد وعبد الواحد جحا ويوسف كوجاك، إضافة إلى عناصر من خارج مدينة البهجة، كقيدوم المناصرين نور الدين فلاح و«مانولو الرجاء» مصطفى رشيق، وشقيقه أيوب رشيق، والعاشق السلاوي رشيد الفيلالي، والمشجع القاسمي محمد الدليمي، ومشجعين من الجيش الملكي والوداد، قبل أن تتوسع الشبكة.

حين تنصت إلى مغامرات هؤلاء المشجعين، تشعر وكأنك تهاجر معهم في أدغال إفريقيا، تستمتع تارة بقصصهم، وتنتابك نوبة غضب، حين تصادر صرخاتهم ويمنعون من دخول مطارات بلا قلب ولا جوارح.

في كثير من رحلات المنتخب الوطني يؤثثون الملاعب، فهم أول الحاضرين وآخر المغادرين، هم ستة وسابعهم طبلهم، معمعتهم لا تنتهي بصافرة الحكم، فللمساندة شوط إضافي في مقر إقامة المنتخب وفي الشارع العام.

في رحلاتهم إلى الخليج العربي ينضم إليهم مشجعون اختاروا الاغتراب، يدعمونهم بما تيسر من جهد ومال، لتأمين مناصرة لا ينقطع فيها البث.

ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن قصة المشجع المغربي هشام العزوزي تستحق أن تروى، فهذا الشاب المغربي وضع خبرته الطويلة في مدرجات الملاعب المغربية رهن إشارة فريق العين الإماراتي، وتضمن الارتباط مجموعة من الشروط التعاقدية، التي تجعل هشام وطبله وحنجرته وقوافيه في خدمة العين.

ما ينطبق على هشام ينطبق على مناصرين مغاربة انتقلوا على سبيل الإعارة إلى أندية خليجية، وأصبحوا رؤساء أوركسترا المشجعين، استنفروا حناجرهم وطبولهم لدعم فريق آخر، وباشروا من أول مباراة عملية إحماء، وأقاموا «بروفات» لتكييف قوافي التشجيع المغربي على الميزان الخليجي.

الطريف في حكاية هذا المشجع، أنه انتقل إلى نادي الجزيرة بأبو ظبي، كأي لاعب يغير ناديا بآخر بحثا عن صفحة جديدة في مساره، لكنه عاد إلى العين وساهم من المدرجات في نيل النادي البنفسجي الكأس والبطولات.

لأول مرة ينتقل مشجعون مغاربة على سبيل الإعارة إلى بلد آخر، لتشجيع فريق في إطار اتفاقية التشجيع المشترك، لكن العديد من المشجعين وضعوا رهن إشارة فرق محلية أخرى ولبوا دعوة مسؤوليها، كلما مرت أنديتهم من مسالك وعرة.

غدا ستطالعنا شركات الوساطة في التشغيل ومكاتب الهجرة بإعلانات البحث عن كفاءات في فن التشجيع، تحدد الشروط المطلوبة من طرف كبريات الأندية الخليجية، كالسلامة البدنية والصحية، وخبرة لا تقل عن خمس سنوات في مدرجات ملاعب الكرة، والقدرة على نظم القوافي وإجادة قرع الطبول وصيانتها. وفي ذلك فليتنافس المشجعون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى