شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هتلر وبوتين والتاريخ

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

هجم بوتين على أوكرانيا في 24 فبراير عام 2022، وأراد التهامها كما تفعل أفعى الأناكوندا مع قرد أو غزال، ولكن اللقمة لم تكن سهلة. وفي الواقع فإن بوتين يذكر بهتلر حين اجتاح الاتحاد السوفياتي، وهذا يجعلنا نستحضر درس التاريخ.

كان هتلر واعيا ذكيا ديناميكيا ومتعصبا لأبعد الحدود، وأدرك بشفافية ذهنية أنه قاب قوسين أو أدنى من الحرب الضروس، فبدأ يستعد لها تحت شعاره المعروف الهجوم خير وسيلة للدفاع، وطالما كانت القاعدة الصناعية موجودة، فقد حلت نصف المشكلة، ويبقى النصف الثاني، فيضرب عصفورين بحجر واحد: التسلح والقضاء على البطالة! فقط الشيء الوحيد الذي فات هتلر ونجا منه العالم، كان التركيز على إنتاج السلاح النووي، ولو امتلك هتلر السلاح النووي لامتلك العالم، خاصة وأن أقدار ما يزيد على 500 مليون من البشر أصبحت تحت رحمته؛ حيث امتدت الحدود الألمانية من القوقاز حتى جبال البيرينيه في إسبانيا، وحول شعوب تلك المناطق إلى عبيد سخرة، وذَهَبها إلى مال للإنتاج، وعقولها إلى طاقة شغل.

وأرجع بالذاكرة إلى الجراح الطرابيشي الذي كنت أساعده في إحدى العمليات وهو يدمدم كعادته؛ بكلمات غير مفهومة ويلوكها بين أسنانه عن مصير الحرب العالمية الثانية: إن الذي هزم هتلر في الحرب كان في الواقع (الجنرال شتاء)، يعني بذلك هزيمته على الجبهة الروسية التي غيرت مجرى الحرب، فبسبب أخطاء موسوليني وإخفاقه في حرب اليونان، جعل هتلر يقفز لمساعدة حليفه، وبالتالي تأخره في دخول عملية (بارباروسا) الرهيبة المقررة في الصيف، والتي حشد لها قرابة خمسة ملايين جندي لاجتياح الاتحاد السوفياتي، فدخلها متأخرا، مما قاد إلى دخول هتلر الحرب مع النظام البلشفي والشتاء يقترب! هل فعلا ما دفع هتلر إلى الانهيار هو الشتاء الروسي؟ هل كانت تعدد الجبهات، أم أن الحرب ذات طبيعية تكنولوجية، ومن يملكها يملك مصيرها كما ذهب إلى ذلك فيرنر هايزنبرغ، الفيزيائي الألماني المرموق «صاحب مبدأ الارتياب في الفيزياء النووية»؟ وهكذا فعظة التاريخ تذكرنا بالأفكار التالية:

أولا: إن الذي هزم النازية لم يكن (أحد) العناصر المذكورة ولا حتى (مجموعها)، وإن كانت كلها عناصر في اللعبة التاريخية، الشيء الذي كسر كفة الميزان من وجهة نظري هو (الفكر النازي)، فهو مثل السرطان الذي يحمل بذور فنائه في نفسه.

ثانيا: كانت الشعوب التي استقبلت طلائع الفتح الألماني مستبشرة مهللة، تماما كما روى لي المفكر الجزائري «مالك بن نبي» شخصيا، فهو كان يأمل في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي من خلال التعاون مع الاستعمار الألماني، إلا أنهم اكتشفوا أمرين أحلاهما مر.

ثالثا: إن العالم ولد ولادة مشوهة بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال حق الفيتو، حيث تحول العالم إلى شريحتين، أقلية تملك القرار وأكثرية لا تملك شيئا، حتى أن التعديل الذي يريدون إدخاله اليوم، يكرس مرة أخرى وبعد مرور 77 سنة على تأسيس مجلس الأمن نفس مفاهيم الحفاظ على هذه المزايا، باقتراح ضم المهزومين، وأعداء الأمس أصدقاء، أعني ألمانيا واليابان.

رابعا: هذا التصدع في الوضع العالمي اعتبره المفكر الفرنسي «جاك أتالييه»، في كتابه «آفاق المستقبل»، أخطر من السلاح النووي والتلوث البيئي والمخدرات. حيث يتمتع 20 في المائة من سكان العالم بخيرات 80 في المائة من منتجات العالم، إلى درجة أن المؤرخ الأمريكي «باول كينيدي»، في كتابه «التحضير للقرن الحادي والعشرين»، يرى «أن أي إنسان ذي ضمير حي، لا يمكن أن يشعر بالارتياح لهذه المعلومات».

خامسا: إن صراع الديناصورات الاستعماري ختم الحرب ببزوغ الفطر النووي فوق هيروشيما، وبذلك دخلت البشرية ولأول مرة في تاريخها انعطافا نوعيا لم تشهده من قبل في امتلاك قوة التدمير، فلم يعد بالإمكان تسمية الحرب (حربا)، ولم يعد هناك مستفيدون من الحرب، وبات هذه المرة الجنس البشري، بمن فيهم الفرقاء خارج النزاع مهددون بالفناء الشامل، باستثناء الصراصير والأعشاب والعقارب!

هذا الواقع الجديد أدركه نفس قائد عملية (النورماندي Overlord)، أعني أيزنهاور الذي أصبح في ما بعد رئيسا للولايات المتحدة، فسجل في مذكراته هذه الفقرة المهمة: «يجب على الطرفين المهتمين بالحرب أن يجلسا في يوم ما على طاولة المفاوضات، وهما مقتنعان أن عصر التسلح قد انتهى، وبأنه يتوجب على البشر الخضوع لهذه الحقيقة، أو اختيار الموت». أو على حد تعبير «روبرت أوبنهايمر»، العقل العلمي وقائد عملية تصنيع القنبلة الذرية الأولى: «كعقربين محبوسين تحت ناقوس زجاجي متحفزين يتربصان ببعضهما، كل منهما يمكن أن يلدغ الآخر، ولكن لن ينجو من الموت الذي سَبَبَّه للآخر».

وهذا يعني بكلمة أخرى أن طريق القوة أصبح مسدودا، ولا يعني هذا أن الصراع البشري سيتوقف، ولكن أداته سوف تتغير من (إلغاء) الآخر، إلى التفاعل معه، بل (حمايته)، بل (إيجاده) إن لم يكن موجودا، لأن نمو الذات سيتم من خلال اكتشاف الآخر. والسؤال المفتوح الآن هل سيغامر بوتين بفتح النار من المسدس النووي؟ وهل سيكون هذا مثل أزمة كوبا عام 1962م، قبل ستين عاما؟

نافذة:

كان هتلر واعيا ذكيا ديناميكيا ومتعصبا لأبعد الحدود وأدرك بشفافية ذهنية أنه قاب قوسين أو أدنى من الحرب الضروس فبدأ يستعد لها تحت شعاره المعروف الهجوم خير وسيلة للدفاع

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى