هارب من الجزائر يؤسس بالبيضاء حزبا وجريدة ومكتب محاماة
حسن البصري
ولد ليون سلطان في عائلة يهودية من قسنطينة الجزائرية عام 1905، في أسرة تتكون من ثمانية أبناء، كان يحمل الجنسية الفرنسية بحكم قانون «كريمييه» الذي منح الجنسية الفرنسية لكل يهود الجزائر، حين فتح عينيه على الحياة كان والده يعمل في المرافق العسكرية في قسنطينة.
التحق بكلية الحقوق في الجزائر العاصمة ودرس القانون، ثم عمل محاميا من 1925 إلى 1929 في قسنطينة. وفي عام 1929 انتقل إلى المغرب وتحديدا إلى مدينة الدار البيضاء حيث التقى بشباب اشتراكيين واختلط مع المسلمين واليهود، وكان يتحدث اللغتين العربية والفرنسية بطلاقة، فقرر الاستقرار في «كازابلانكا».
حين استشعرت الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب تحركات هذا الشاب القادم من الجزائر، حاصرته بناء على تعليمات الحكومة الفرنسية الفيشية المعادية لليهود، عندما فتح مكتبا للمحاماة وانخرط في هيئة المحامين بالدار البيضاء في نونبر 1929، حيث ساعدته أصوله الجزائرية في فتح قنوات التواصل مع المغاربة، المسلمين منهم واليهود، لكن الإقامة العامة قامت بإغلاقه وطرد ليون من نقابة المحامين.
بتنسيق مع الحزب الشيوعي الفرنسي، شرع في تأسيس فرع للحزب في المغرب ومقره في الدار البيضاء، حيث انتخبه المؤسسون أمينا عاما، بدأ التنظيم الحزبي بأعضاء أغلبهم من المثقفين حاملي الجنسية الفرنسية منهم من جاء من الجزائر، ومنهم فئة قليلة من النخب المغربية المشبعة بالعلم وحداثة التفكير وأسلوب العيش.
عزز نواة الحزب بجريدة أصبحت لسان هذه الهيئة الشيوعية، وأصدر صحيفة أسبوعية بعنوان: «الوضوح»، وعرف التنظيم مضايقات من الإقامة العامة، وصلت إلى حد منع أنشطته عام 1939، بسبب مساندته للاتفاق الألماني- السوفياتي. ظل ليون ورفاقه يشتغلون سرا، رافضين توقيف أنشطتهم، قبل أن تعود الحركة الشيوعية في المغرب عام 1943 بشكل رسمي.
في هذا العام سيتعرف علي يعتة على ليون سلطان، بوساطة من ميشيل مازيلا، حيث سيتم التحاق علي يعتة بالحزب الشيوعي المغربي في اليوم الموالي. وبالنظر لمساره النشيط داخل الحزب، تمكن من بلوغ سكرتاريته سنة 1945 وبمعية مازيلا كان ضمن الوفد الذي استقبله محمد الخامس في 26 غشت 1946، بعد أن أصبح علي أمينا للحزب خلفا لسلطان الذي توفي في فبراير 1945، مسلما المشعل ليعته.
قبل رحيل ليون ظل الرجل ينسج علاقات متينة مع فرع الحزب الشيوعي بالجزائر، وخاصة مع هنري علاق، الصحافي اليهودي الديانة والجزائري الجنسية، الذي عانى مع الاستعمار الفرنسي بعد توقيف إصدار جريدة «الجمهورية الجزائرية» لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري ومتابعة محرريها بتهمة التحريض على العنف والإرهاب في الجارة الشرقية، التحق عدد منهم بالمغرب هروبا من المداهمات الفرنسية التي ذهبت إلى إغلاق مقر الحزب الشيوعي، على غرار ما حصل لفرع الحزب بالمغرب.
لكن رحيل ليون لم ينه قلق المقيم العام الفرنسي، حيث صدرت «وثيقة الحزب الشيوعي المغربي» بعد تولي علي يعتة، الزعيم الثاني للحزب، قيادة التنظيم الذي عقد مؤتمره الوطني في أبريل 1946، وأصدر بيان المطالبة بالاستقلال في 4 غشت من العام نفسه.
برزت صحيفة «الوضوح» للوجود في 19 دجنبر 1936، وقدمت نفسها أول الأمر كلسان محلي للفرع الفرنسي للأممية الشيوعية، ثم بعد ذلك فضلت إبراز صفتها المغربية باختيار عبارة «اللسان الجهوي للحزب الشيوعي بالمغرب». لكن ما أن ازدادت تجذرا بدعم الحركة الوطنية وخلق منظمة مسلحة هي الهلال الأسود التي ساهمت في الكفاح من أجل الاستقلال، حتى سارعت السلطات الفرنسية إلى التصدي لشيوعيي المغرب بكل الوسائل، وتشديد المراقبة على الصحيفة التي كانت تحمل في طياتها مقالات تحرض على الثورة في ركن كان يحمل عنوان: «السياسة المغربية» مع توقيع مستعار لصاحبه الذي لم يكن سوى ليون روني سلطان.
في حفل تأبين أبراهام السرفاتي، تناول شمعون ليفي الشيوعي مسار ليون سلطان، وقال: «إن اليهود المغاربة الذين كانوا يرغبون في الانضمام إلى حزب الاستقلال في بداية الأربعينات كان يطلب منهم، مثل غيرهم، القسم على القرآن. هذا الشرط كان دافعا، من بين دوافع أخرى لليهود المغاربة، كي يلتحقوا بالحزب الشيوعي»، قبل أن يستغرب لمسح ليون سلطان من ذاكرة مؤسسي الحزب.