محمد أبو الغيط
رغم مرور عامين على العاصفة التي أثارها فيلم «كوكب البشر» في أوساط العمل البيئي العالمي، عاد الجدل إلى التجدد على خلفية أزمة الطاقة بسبب حرب أوكرانيا. أخرج الفيلم الأمريكي جيف جيبس، ومنتجه التنفيذي هو المخرج الشهير مايكل مور. وكلاهما من طليعة الحركة البيئية منذ شاركا في يوم الأرض الأول عام 1970.
يشرح الفيلم أن البدائل من طاقة شمسية ورياح وغيرها تحتاج كمياتٍ ضخمة من الوقود الأحفوري والانبعاثات كي تبدأ العمل، وكلها تلوّث البيئة في أثناء استخلاص موادها الخام. تحتاج الألواح الشمسية استخراج الكوارتز، وبطاريات السيارات الكهربائية قائمة على الليثيوم، وذلك فضلا عن استغلال عمالة الأطفال ومختلف الانتهاكات في مواقع الإنتاج.
يشير الفيلم أيضا إلى وجود أزمة تكنولوجية مستعصية، هي استحالة توليد تيار كهربائي مضمون الثبات. ولذلك كل البدائل يصحبها دائما احتياطي من خطوط الكهرباء التقليدية. يبدأ ذلك من نموذج بسيط كحفلة غنائية أعلنت أن طاقتها من الألواح الشمسية، لكن المخرج يجد «الكابلات» العادية في خلفية المسرح. وعلى نطاق أوسع، نشهد عجز ألمانيا عن تحويل صناعتها الكثيفة إلى المصادر المتجدّدة. لذلك استمر الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي، ما أدّى إلى تفجر الأزمة بعد حرب أوكرانيا.
يعتبر صنّاع الفيلم أن الرأسمالية العالمية استوعبت الحراك البيئي. لذلك يحتفي به بعض كبار السياسيين ورجال الأعمال لجنيهم أرباحا ضخمة منه. أما الحقيقة الخفية فهي أن وجود جنسنا البشري وتصاعد استهلاكه هما المشكلة الجوهرية…
يستعرض الفيلم أرقاما عن معدّلات إنتاج بعض الموارد الطبيعية التي وصلت إلى سقفها ودخلت طور التراجع، وبالطبع، في مقدمتها الوقود الأحفوري.
سرعان ما ظهرت ردود بالغة المنطقية.. ليس كافيا ذكر أن إنتاج الألواح الشمسية وتوربينات الرياح يلوث البيئة من دون طرح سؤال رقمي بحت: هل يستهلك تصنيعها طاقةً أكثر مما تنتجه؟
أسئلة شبيهة عديدة أجابت عنها أبحاثٌ علميةٌ حديثةٌ تثبت الفاعلية الحقيقية للبدائل، كالتي استعرضها مقال مهم كتبه الباحث ديفيد فيتور في «فوربس». مثلا توربين الرياح ينتج خلال عمره طاقة تجاوز عشرين ضعف الطاقة التي يحتاجها تصنيعه.
وبعيدا عن الجانب العلمي، ثمّة نقاش حقوقي لا يقلّ أهمية، فإذا تحولنا إلى التركيز على أن تزايد البشر هو المشكلة، فإننا بمدّ الخط سنصل إلى أن الدول الغربية الأغنى هي الأقل نموا سكانيا، بينما الأعلى نموا، وبالتالي، إضراراً بالبيئة، هي الدول الأفقر. لذلك لا عجب أن احتفى معلقون من أوساط اليمين العنصري، ومن داعمي صناعة النفط، بالفيلم.
ومن المؤسف حقا أن كل تلك النقاشات بعيدة عن بؤرة الاهتمام العربي، وذلك لأسباب تاريخية، كون بلادنا المتخلّفة صناعياً ليست في طليعة الملوّثين عالميا، وكذلك أسباب حالية، حيث أولويات الأنظمة العربية في مجملها تثبيت المقاعد والعروش، وأولويات الشعوب توفير قوت يومها، والدفاع عن كرامتها ولو بالمفهوم الجسدي المباشر.
نأمل ألا يستمر ذلك إلى حين أن يفاجأ ذلك الصحافي العربي المسجون، وذلك المواطن المطحون بين غلاء الأسعار وتعسف قسم شرطة محلي، وذلك الضابط أو السياسي المنهمك في تثبيت «الاستقرار»، يُفاجؤون جميعاً بإظلام الدنيا، وقبل أن يستوعبوا كيف حلّ الليل فجأة، ستجرف موجة طوفان «تسونامي» الجميع.