يونس جنوحي
هناك نقاش هذه الأيام عن «نهاية فرنسا الإفريقية». وآخر مرة هُددت فيها مصالح فرنسا في شمال إفريقيا كان منذ أكثر من 120 سنة. وهو ما يعني أن خبراء فرنسا ومحلليها ومؤرخيها يأخذون ما يقع الآن على محمل الجد، بعكس السياسيين الذين يفضلون دائما الهزيمة بالضربة القاضية ضاربين كل التنبيهات والمؤشرات عرض الحائط.
مصالح فرنسا في إفريقيا كانت مهددة، عندما وصل الهولنديون والبلجيكيون إلى بعض الدول الإفريقية قبلهم واتخذوها مستعمرات.
وشعر الفرنسيون بالتهديد عندما تحالف المغرب مع إسبانيا قبل قرون خلت، لاستكشاف القارة الأمريكية.
كانت مصالح فرنسا التجارية مهددة في المغرب، ولم تفلح خطوة الوزير الفرنسي، عندما وُقع اتفاق الجزيرة الخضراء سنة 1906، في منع القناصلة الأجانب من إبرام الاتفاقيات التجارية مع المغرب، خصوصا في ميناء الصويرة.
لولا الحرب وقصف الدار البيضاء سنة 1907، لما تمكن الفرنسيون من النزول عسكريا في المغرب. ففي الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين المغرب وفرنسا متوترة جدا في ذلك الوقت، كان القنصل الألماني يشرب الشاي ويتلقى شروحات عن زخرفة قصور فاس ومكناس. وقبله كان القنصل الإنجليزي يتبادل الهدايا مع المغرب، عربون محبة بين القصر الملكي في فاس والملك إدوارد السابع.
إذا قارنا التاريخ الدبلوماسي لفرنسا في معظم الدول الإفريقية وليس في المغرب وحسب، مع التاريخ الدبلوماسي لدول أخرى مثل الدانمارك والسويد والنمسا، فسوف نجد أن الصداقة الدبلوماسية لهذه الدول مع المغرب، تتفوق كثيرا على علاقتنا بباريس.
التوجس، هو العنوان الأبرز لعلاقتنا مع فرنسا. ومع توالي سنوات المد والجزر، نسي المؤرخون، ومعهم الناس، أن فرنسا لم تنجح أبدا في ممارسة السياسة في القارة الإفريقية، وإنما تستفيد فقط من الضغط التاريخي.
حتى اقتصاديو فرنسا أصبحوا مصدر إحراج كبير لها. أغلبهم يشرحون للفرنسيين أن اقتصاد بلادهم يعتمد بشكل كبير على عائدات غير قانونية من القارة الإفريقية، هي إتاوات حقيقية واستغلال بشع لثروات دول منذ أزيد من قرن.
ومؤخرا خرجت برلمانية إيطالية من المعارضة، وألقت كلمة خاطبت فيها الرئيس الفرنسي الذي علق على الأزمة الاقتصادية في أوروبا، وذكرته بماضي بلاده مع القارة الإفريقية واتهمته بأن فرنسا هي سبب ما يقع من أزمات مع المهاجرين غير النظاميين. وقالت هذه البرلمانية بالحرف إن نهب فرنسا لخيرات الدول الإفريقية إلى اليوم، هو سبب هجرة الآلاف سنويا في قوارب الموت.
إيطاليا التي تعيش حاليا أزمة اقتصادية خانقة وتعرف إنزالا كبيرا للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء والعابرين إليها من السواحل الليبية، يشار إليها في بعض إدارات الاتحاد الأوروبي على أنها تستنزف قدرا مهما من المساعدات التي يصرفها الاتحاد للحكومات الأوروبية.
هل نحن فعلا أمام نهاية فرنسا الإفريقية؟ هناك فعلا توجه لدى بعض الدول الإفريقية لكي تستفيد من صناديق الدعم التي تضعها دول مثل روسيا واليابان والصين والهند. في حين أننا لم نسمع عن أي صندوق فرنسي لتحسين أوضاع سكان الدول الإفريقية المنكوبة. علما أن فرنسا تبقى المستغل التاريخي الأول لخيرات أغلب الدول الإفريقية.
القمة اليابانية الإفريقية مثلا تضع خطوط مشاريع تنموية استفادت منها عشرات القرى، وهناك مبادرات أخرى لتمكين أطفال مناطق الحروب الأهلية، التي تسببت فيها فرنسا في الغالب، من التمدرس. وهناك أيضا مشاريع تنموية لمد مناطق بأكملها بالطاقة البديلة، وشبكة الأنترنت عن طريق الأقمار الصناعية، وكلها مشاريع تكلف سنويا ملايين الدولارات.
فرنسا لا تقدم أي مشاريع من هذا النوع، وقضت قرونا في التنقيب في الأرض، ولم تنظر أبدا إلى الأعلى لكي ترى كيف أن الأمور حولها قد تغيرت.