نهاية حزينة لكاتب كبير
يونس جنوحي
من بين أشهر الكتاب البريطانيين الذين سكنوا المغرب، نجد البريطاني جيمس شاندلر. وهذا الأخير هو الذي كتب تقديم الكتاب الشهير «المغرب الذي كان» للصحافي والتر هاريس، الذي حولت إقامته الخاصة الآن إلى متحف تعرض فيه لوحات تشكيليين مغاربة وأجانب.
جيمس شاندلر كان يملك منزلا في قلب المدينة القديمة بطنجة، حجّ إليه المفكرون والكتاب والنقاد من أوروبا وأمريكا. و«شاندلر» هذا معروف في الشرق أيضا حيث زار دولا كثيرة لكنه قرر الاستقرار النهائي في مدينة طنجة رغم أن عائلته ألحت عليه للانتقال إلى بريطانيا في سنوات حياته الأخيرة، لكنه رفض.
المنزل الذي كان يقطن به جيمس شاندلر، يوجد اليوم في ملكية السيدة الأمريكية «بلانكا الحمري». وهي زوجة التشكيلي المغربي الشهير محمد الحمري، الذي باع لوحاته لمشاهير السينما والسياسة، وهو الذي كان وراء مبادرات فنية أوصلت موسيقى «جهجوكة» إلى العالمية، حيث اشتغل على الموضوع منذ سبعينيات القرن الماضي.
كيف انتهت دار الكاتب البريطاني الكبير «شاندلر» في ملكية السيدة الحمري؟ عندما سألتها عن الموضوع قالت إنها اشترتها منه لأنه في آخر أيام حياته لم يعد يريد البقاء في ذلك المنزل. وبالضبط في سنة 2000. وكان كل همه منصبا على مقتنياته التي يعج بها البيت مغربي الطراز. مقتنيات من أماكن متفرقة من العالم. بالإضافة إلى وثائق مكتبه. تقول بلانكا الحمري إنه اشترط عليها عندما أرادت توقيع عقد شراء المنزل ألا تتلف أرشيفه الخاص واشترت منه شخصيا بعض أغراض الديكور التي جاء بها من رحلاته حول العالم، فيما عملت على تنفيذ وصيته المتمثلة في نقل أرشيفه إلى العائلة.
وفعلا عندما توفي هذا الكاتب، راسلت «بلانكا» عائلته في بريطانيا وتواصلت معهم لتخبرهم بما أوصاها به السيد «جيمس شاندلر» عن نقل كل أرشيفه وكتاباته إلى العائلة في بريطانيا، وفعلا طلبوا منها أن ترسل كل أغراضه عبر شركة شحن، وفعلا هذا ما قامت به زوجة الحمري.
لكن المفاجأة أن أفراد العائلة لم يتوصلوا بالشحنة رغم أن بلانكا أرسلت لهم رقم الحوالة ورمزها وتوصلوا بكل المعلومات عن الشحنة وتاريخ وصولها إلى بريطانيا. ولكن الشحنة لم تصل أبدا!
وعندما طلبوا من بلانكا أن تحاول مراسلة شركة الشحن لأنهم لم يستطيعوا التواصل معها من هناك، فإذا بها تجد أن الشركة قد أفلست وأغلقت مقرها الذي كان في مدينة القنيطرة. وعبثا حاولت الوصول إلى أحد المسؤولين عن الشركة بعد إغلاقها.
تقول بلانكا الحمري إن الحياة عجيبة فعلا وتحمل للإنسان مفاجآت لم يتوقعها نهائيا. كيف يتم التعامل مع أرشيف كاتب عالمي شهير كرس حياته للكتابة وقرر الاستقرار في المغرب، بهذه الطريقة المخجلة. بل كيف أن بلانكا نفسها جاءت من الولايات المتحدة، في سنة 1973، وقررت أن تشرب قهوة في «كافي باريس» بقلب مدينة طنجة (المقهى لا يزال موجودا إلى اليوم) فإذا بها تتعرف على محمد الحمري في ذلك المقهى ليأخذها معه إلى نواحي القصر الكبير، ويتزوجا، وتقرر هي الأخرى الاستقرار النهائي في المغرب منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.
ولا تزال بلانكا تذكر بكثير من الحنين، كيف أن العالم المغربي الكبير عبد الله كنون كان يحرص على أن يحضر لها حلوى «الشباكية» في رمضان بنفسه، لتقرر أن تُهديه، وهو العالم المغربي الكبير، لوحة فنية من إنجاز زوجها محمد الحمري.
إذا افترضنا أن شركة النقل البحري التي تعرضت للإفلاس تركت أرشيف الكاتب الكبير السيد شاندلر في مخزن ما، فقد حان الوقت للبحث عنه وتسليمه لعائلته، إذ لا بد أن أوراقه تلك تحمل مذكراته الشخصية وأعمالا أدبية لم تُنشر.. أما إذا كان هذا الأرشيف، بكل قيمته الفنية والأدبية، قد تعرض للإتلاف، فلن يبقى سوى القول بأن السيد شاندلر دفع ضريبة إقامته الأبدية في المغرب. ضريبة قاسية جدا.