شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

نهايات أسيفة للفنانين

«أسمهان وفريد الأطرش»

بقلم: خالص جلبي

مقالات ذات صلة

وصفت أسمهان بأنها كانت سخية كريمة، خاصة في رمضان، وفي حفلة حضرت وعليها الطرحة المصرية التقليدية، فأعطت في الحفلة كل جندي مائة ليرة، وكان مبلغا كبيرا يومها.

كانت مبدعة مميزة خلدَّها صوتها، على الرغم من موتها المبكر، ومن أعجب قصص النبوءات عنها وأخويها فريد وفؤاد الأكبر؛ أن مشعوذا دخل عليهم يوما، وكان فؤاد يستعد مع أسمهان للذهاب إلى سوريا، وفي نيته أخذ خطيبته اليهودية ليبني بها هناك، وكان ذلك في خطة تزويج أمل من حسن الأطرش، الذي سيسميها، أي زوجها حسن، بدوره «آمال»، أن قال، أي المنجم، للإخوة الثلاثة:

«أما أنت يا فؤاد فلن تتزوجها- عن الفتاة اليهودية التي أحبهاـ ، وأما أنت ـ عن أسمهان ـ فسوف تحملين ثلاثا، لن يسلم منهم إلا بنت واحدة! وسوف تموتين غرقا في الماء! وأما فريد فسوف يموت بمرض غريب»!

وفجأة تحقق الأول؛ فلم تمنح الفتاة اليهودية «فيزا» لزيارة سوريا، وهناك وقفت العائلة (وهي من طائفة الدروز) بفعل العادات ضد هذا الزواج؛ فلم يتزوج الفتاة التي أحبها قط!

وأما أسمهان فولدت بنتا واحدة سمتها كاميليا، ثم ماتت غرقا في ترعة النيل. وأما فريد فمات بمرض غريب كما قال، حيث توفي في مستشفى الحايك في بيروت إثر أزمة قلبية وذلك عام 1974، عن عمر ناهز 57 سنة. وكان يصرخ: «مش عايز أموت». سبحان الله لقب بـ(ملك العود) و( موسيقار الأزمان)، ولقب موسيقار الأزمان أطلقه عليه الأديب سعود القويعي، من خلال موقع حمل الاسم نفسه، وبقي زمنا يهدي لمحبيه نوادر أنغامه ومعلومات عنه. وبذلك اكتملت هذه النبوءة العجيبة!

عاشت أسمهان فترة في سوريا مع زوجها حسن الأطرش، ولكن لم تستقم لهما حياة، على الرغم من تعلقه الشديد بها، وحين ودعته في آخر مرة سألها: متى ستعودين؟ أجابت بشيء من القسوة بانت في عينيها: إن كنت تطلب مني أن أعود، فاحلم بذلك دوما! وهو ما كان، فقد تزوج العديدات بعدها وصلن ربما إلى سبع، ولكن أسمهان لم تعد إليه قط.

بعد أن رأت أسمهان غدر الإنجليز، وعدم وفائهم لعهودهم، وهو أمر ليس جديدا، وفاتها ذلك غفلة منها، من قصور في الوعي السياسي، أن ملة الكفر واحدة كما يقولون، وهي ملة السياسيين جميعا، فحاولت الاتصال بـ«فون بابن Von Pappen» في إسطنبول، وكان سفيرا لألمانيا هناك، كما كان منظما لشبكة استخبارات الشرق الأوسط التابعة للمحور، إلا أنه ألقي القبض عليها على الحدود التركية، وأعيدت إلى لبنان.

وأما نهاية أسمهان الدرامية فبقدر نهايتها غرقا في ترعة النيل، حين قفز السائق من العربة وترك العربة تمضي باتجاه الهاوية، بقدر غموض دوافع القتل، فقد قفز السائق من السيارة وترك أسمهان وصديقتها لمصيرهما فماتتا غرقا.

واختلفت التفسيرات في هذه النهاية في عدة سيناريوهات، بين الغرق الطبيعي، أو اتهام أم كلثوم، المنافسة لها، بدون دليل بين، أو صراع السياسات في المنطقة بين إنجليز وألمان وطليان، أو قصة الشرف عند الدروز لما شاع عنها من مصاحبتها لأكثر من واحد، ومحاولتها الزواج من أحمد طلعت وغيره بدون نجاح.

وقد تكون مطلوبة من أكثر من جهة؛ فاشتركت مجموعة من العناصر في نهايتها، كما في قتل الحريري اللبناني، ومصرع كينيدي، الرئيس الأمريكي الأسبق، واختفاء موسى الصدر، الزعيم الشيعي اللبناني، الذي كان في زيارة إلى ليبيا فلم يخرج منها. وما زالت قصة اختفائه يلفها الغموض، كما في قصة كينيدي التي هي في الأغلب من تصارع أجنحة المخابرات الأمريكية. أما الحريري، فالنظام السوري مع حزب الله خلف تفجير الرجل، في عيد الحب «فالانتين» 14 فبراير.

وفي العادة كما تعلمنا في الطب أن أي مرض ينفجر، تشترك فيه عادة حزمة من العناصر مع ترجيح بعضها، ولكن العامل الداخلي هو الأساس في انفجار الأحداث، ويلعب الدور الخارجي عنصر الإبراز، لحقيقة من حزمة من العناصر الداخلية المختمرة. كما في سقوط ورق الشجر في الخريف بفعل تغير الطقس، أو انهيار الدول بفعل قيادة سياسية فاسدة، كما في نظام طاغية دمشق البراميلي السوري، أو حتى انهيار الحضارات كما يقرر المؤرخ البريطاني «توينبي» أنه ليس بفعل عدوان خارجي ولا قصور في التقنية، بل بفعل الانتحار الداخلي.

ومن أغرب الحوادث في موت أسمهان الذي ذكرناه أنها كانت تتدرب على غناء شعر أبي العلاء، وبينما كانت تسوق السيارة يوما وهي تترنم بشعر أبي العلاء؛ غير مجد في ملتي واعتقادي، فوصلت إلى قوله صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد؟ فأصيبت بنوبة إغماء فقدت معها السيطرة على المقود، فسارع من حولها لإنقاذ انحراف السيارة، فلما أفاقت قالت: كأني في جنازة في السويداء يتقدمها المقرئون مختلطة ترانيمهم بأزيز الطاحونة هناك، وبعدها بأربع سنوات عام 1944م ماتت أسمهان على نفس الطريق عند نفس القطعة بجنب الترعة؛ فكأن ملائكة الموت تزف لها الخبر قبل أوانه بنوع من اللاوعي غير المفسر حتى يومنا هذا، ولكنه يتكرر لكل واحد على نحو غامض.

رحمك الله يا أسمهان وسامحك الرب على هفواتك، ماذا لو بقيت للفن بدون سياسة، ألم يكن أفضل للتاريخ؟

 

نافذة:

بقدر نهايتها غرقا في ترعة النيل حين قفز السائق من العربة وترك العربة تمضي باتجاه الهاوية بقدر غموض دوافع القتل فقد قفز السائق من السيارة وترك أسمهان وصديقتها لمصيرهما

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى