نماذج للتأمل
بعدما كانت منظمة الصحة العالمية تؤكد أن ارتداء الأقنعة يجب أن ينحصر على الطواقم الطبية ومهنيي الصحة خرجت الآن تؤكد على ضرورة ارتداء الأقنعة بالنسبة للجميع.
وحسب المنظمة فهناك احتمال لانتقال العدوى عن طريق الجو للفيروس الذي أصاب الآن أكثر من مليون شخص في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى الأشخاص الذين يُعتقد أنهم يعانون من أعراض المرض ويقومون بالعطس والسعال، مما يؤدي إلى تلوث الأسطح وانتقال العدوى إلى غيرهم من الناس.
هذا يعني أن فيروس كورونا يمكن أن ينتقل بمجرد الحديث مع شخص مصاب به، فهو يخرج مع الكلام.
وبما أن هناك عددا كبيرا من الناس الذين يصابون بفيروس كورونا دون أن تظهر عليهم أي علامات أو يعانوا من أي أعراض، ورغم ذلك يتسببون في نقل العدوى للآخرين، فإن حمل القناع أو تغطية الفم والأنف بمنديل عند الخروج إلى الشارع يبقى أمرًا ضروريًا.
والهدف إذن هو التقليل من تلوث الفضاء العام بالفيروسات التي يمكن أن تخرج من أناس في صحة جيدة ولكنهم ناقلون للفيروس إما بسبب وجودهم في فترة حضانة، أي ما قبل ظهور أعراض المرض، أو هم من فئة الأشخاص الذين يحملون الفيروس دون أن تظهر عليهم أو يصابوا بأي عارض على الإطلاق.
إن هذا الإجراء لا يهدف مطلقا إلى حماية حامل الكمامة سواء كانت طبية أو يدوية، أو حامل الوشاح، بل يهدف إلى التقليل من تلويث الفضاء العام بالفيروسات. وهو إجراء من شأنه الحفاظ قدر الإمكان على فضاءات عامة قليلة الإصابة بالفيروس، وبالتالي المساهمة في الحد من نشر العدوى بين الآخرين.
أعتقد أن أحسن شيء يمكن أن نصنعه في المغرب هو أن نفتح وحدات صناعية في كل الجهات لتصنيع احتياطي استراتيجي من الأقنعة وأن يصبح حملها إجباريا للجميع وفي أقرب وقت.
في سنغافورة التي يبلغ تعداد سكانها ستة ملايين نسمة لم يقتل فيروس كورونا سوى أربعة مواطنين، ولم تتعد الإصابات المسجلة 900 إصابة. باريس لوحدها التي يبلغ تعداد سكانها 2,2 مليون نسمة قتل فيها الفيروس إلى حدود فاتح أبريل 400 مواطن.
السبب واضح. في سنغافورة ممنوع الخروج بدون قناع. جميع المواطنين ملزمون بحمل القناع تحت طائلة السجن. في فرنسا ظل المسؤولون يرددون أن القناع ليس ضروريا سوى للأطقم الطبية التي تشتغل مباشرة مع المرضى، والحقيقة أنهم كانوا يكذبون لأنهم لم يكونوا يتوفرون على الأقنعة الكافية لجميع المواطنين، وحتى المصنع الذي كان المزود الرئيسي للحكومة بالاحتياطي الإستراتيجي من الأقنعة أغلق أبوابه قبل سنتين بسبب الأزمة.
سنغافورة لم تتغلب على كورونا بالأقنعة فقط، بل إنها أطلقت تطبيقا اختياريا على الهاتف يشعرك بإشارة صوتية بمجرد اقتراب شخص منك يحمل الفيروس، وكل أرباب العمل مطالبون بأخذ حرارة مستخدميهم مرة في اليوم وإرسالها إلى السلطات. كما أن هناك مراقبة دائمة للأشخاص الذين تفرض عليهم الحكومة الحجر الصحي في بيوتهم بحيث يتم الاتصال بهم على مدار اليوم، وإذا خرج أحدهم من الحجر يتم اعتقاله.
بالإضافة إلى إجبارية ارتداء القناع لا يسمح لأي شخص بالاقتراب من شخص آخر إذ على الجميع احترام المسافة القانونية.
ما يميز السنغافوريين أنهم منضبطون لتعليمات سلطات بلادهم ويطبقونها حرفيا دون مناقشة، والنتيجة أن عدد ضحايا الفيروس بينهم لم يتعد أربعة.
الصين بدورها نجحت في التغلب على فيروس كورونا لأنها طبقت الحجر الصحي بصرامة وحتى عندما رفعته فرضت ارتداء الأقنعة على جميع المواطنين.
والحزب الشيوعي الحاكم في الصين لا يمزح مع المواطنين. فالتعليمات والأوامر يجب أن تطبق ومن لا يمتثل يجد اسمه في اللائحة السوداء.
عندما تصل 18 سنةً في الصين تعطيك الدولة 1000 نقطة. ترمي قمامة في الشارع تضيع منك 50 نقطة. تقطع الطريق فيما الضوء الأحمر مشتعل تضيع منك 100 نقطة. لكن إذا قدمت مساعدة لشخص آخر، كالتبرع بالدم مثلا، فإن رصيدك يرتفع بـ900 نقطة. وإذا أشعرت الشرطة بوجود منحرف فإن الرصيد يرتفع إلى 1100 نقطة.
حسب هذا التنقيط يتم تحديد مكانة الفرد في المجتمع الصيني، عندما يبدد الفرد هذا القرض يفقد معه وجوده الاجتماعي.
هذا البرنامج يتم العمل به في 43 مدينة في الصين وهو يحدد المواطنين الصالحين من الفاسدين الذين يضعهم في اللائحة السوداء وتصبح حقوقهم جد محددة، إذ لا يحق لهم اقتناء بعض المواد وتقيد تحركاتهم ومقتنياتهم ومدخراتهم.
صور وأسماء المواطنين السيئين تعرض في قاعات السينما قبل العرض والدولة تحدد لهم رنة خاصة في هواتفهم، وكل من يتصل بهم يسمع رسالة صوتية تخبره بأن مخاطبه يوجد في اللائحة السوداء وأن عليه تذكيره بالوفاء بالتزاماته القانونية.
هذا الإجراء يمكن أن يكون بمثابة العقوبات البديلة عن السجن وعقوباته السالبة للحرية، وقد أثبت فعاليته ويمكن بالتالي استيحاء نموذج مشابه له عندنا حتى نخفف عن السجون كثافتها وعن الدولة ميزانيات التكفل بكل هؤلاء السجناء.
وبعيدا عن التجارب الآسيوية الصارمة والناجحة هناك التجربة السويدية التي تبقى فريدة من نوعها في التعاطي مع جائحة كورونا.
فالسويد لم تفرض الحجر على المواطنين رغم إعلانها حتى الآن عن وجود 3500 حالة إصابة بالفيروس و105 حالات وفيات. وإلى اليوم يخرج الناس للجلوس في المقاهي والأكل في المطاعم.
السويد تعتمد على تقديم الإرشادات أكثر من فرض القواعد الصارمة. ورغم أن الحكومة لم تمنع التنقل فقد
انخفض عدد ركاب وسائل النقل العامة إلى النصف
كما أن نصف سكان ستوكهولم يعملون عن بُعد، وينتظر أن ترتفع نسبة العاملين عن بُعد إلى 90 في المائة
بفضل القوى العاملة المدربة على استخدام التكنولوجيا.
فلسفة السويديين هي أن الفيروس سيقتل نسبة من السكان والباقي سيطور مناعة ذاتية ضد الفيروس.
طبعًا هذا اختيار سيادي لدولة حرة، وكل دولة تقرر الإجراءات التي تتلاءم مع مستوى شعبها الثقافي والتربوي والأخلاقي.