شوف تشوف

شوف تشوف

نقط للبيع (2/1)

الفضيحة الأخلاقية التي انفجرت في كلية العلوم بتطوان بعد انتشار دردشات جنسية ساخنة بين أستاذ جامعي وطالبات يطلب فيها الأستاذ خدمات جنسية مقابل نقط مجزية، أماطت اللثام عن جرائم أضحت «رياضة وطنية» تعيشها رحاب الجامعات والكليات المغربية، وهي جريمة تحرش بعض الأساتذة الجامعيين بالطالبات وابتزازهن جنسيا من أجل مقايضتهن النقطة بالخدمات الجنسية المجانية.
هذا الحدث يكشف الوجه الحقيقي لأزمة الجامعة المغربية، ففي حالة الأستاذ المتحرش نجد أن الفرق عنده بين الصفر والعشرين هو مسألة أرقام فقط، يتسلى بها عبر أجساد طالباته، لأنه يعرف جيدا أن لا أحد من الهيئة التربوية والإدارية في كليته قادر على مراقبة نقطته لأنه ببساطة «أستاذ باحث».
فالجامعة المغربية هي الجامعة الوحيدة في العالم التي لا يملك أحد حق مراقبة أساتذتها، وإن تم ذلك في بعض الشعب فسرعان ما تتدخل النقابة لتدافع عن حق الأستاذ بأن يفعل ما يشاء. فالأستاذ يمتلك سلطة مطلقة لقبول بحوث الطالبات وسلطة إنجاحهن أو جعلهن يكررن السنة، ويحدث مرارا أن يتم ترسيب طالبات من طرف أساتذة ليبقين إلى جانبه في الكلية، لأنهن إن نجحن سيغادرن، والويل لمن اشتكت من سلوك الأستاذ، لأنه لا سلطة يمكنها أن تتدخل لإنصافهن، والدليل على ذلك هو أن أساتذة كثرا يفضلون إجراء امتحانات عبارة عن مقابلات شفوية وعروض تلقى أمامهم، وبالتالي لا يوجد أي دليل يمكن الاعتماد عليه في الاحتجاج على ضعف النقطة.
إنها سلطة تفتح لبعض الأساتذة المكبوتين والمنحرفين جنسيا عيونهم الجائعة على سعتها، فيشرعون في ابتزاز الطالبات ومساومتهن على شرفهن، وعندما تبدي إحداهن تمنعا يلجأ هؤلاء المكابيت إلى وضع شروط وعقبات أمام الطالبات تضطر بعضهن إلى الرضوخ لمطالب هؤلاء الأساتذة المشرفين، حرصا على استكمال البحث أو اجتياز السنة الدراسية بأقل الخسائر الممكنة، وسواء اشتكت الضحية إلى إدارة الجامعة أو لم تشتك، فإن الإدارة تقف في الغالب الأعم إلى صف الأستاذ، في إطار «التضامن المهني» الذي يجعل من ضحية الأستاذ مجرد طالبة تبحث عن الشهرة من خلال تشهيرها بالأستاذ الشريف والعفيف.
والتحرش المرضي لبعض الأساتذة لا يقف عند حدود الطالبات، بل هناك أساتذة يتحرشون بزميلاتهم الأستاذات، ولدينا حالة الأستاذة فاطمة رومات التي فضحت تزوير زميلها للنقط بكلية العلوم القانونية بالرباط، والتي رفع ضدها الأستاذ المتهم شكاية بالتشهير، بعدما سبق له أن تحرش بالأستاذة نفسها وقدم لها اعتذارا مدونا في محضر، والقضية اليوم بين يدي وزير العدل.
فالابتزاز في رحاب الجامعات والكليات ليس فقط تحرشا واستغلالا جنسيا للطالبات، وإنما يصل أيضا إلى حدود الاستغلال المالي، فهناك أساتذة جامعيون حولوا الجامعة إلى بورصة لبيع وشراء البحوث، وحددوا سقفا للإشراف على الأطروحات الجامعية يصل سعر بعضها إلى 15 مليونا للبحث، سيما في التخصصات «الجديدة» في كليات الحقوق والكليات متعددة الاختصاصات، وهناك أساتذة معروفون بكونهم يقبلون «الهدايا» لمناقشة الدكتوراه بل ومناقشة البحث النهائي للماستر، وبعض هؤلاء «مشهورون» كـ«محللين». ومن أطرف «الهدايا» التي حصل عليها أحد هؤلاء هو أرفع عجلات من ماركة «ميشلان» لسيارته رباعية الدفع، وآخر لا يقبل إلا الهدايا التي تكون من ماركات عالمية كالعطور والبذلات والساعات، والإقامات في الفنادق المصنفة.
والأمر نفسه بالنسبة لبعض الطلبة الباحثين في كليات العلوم، حيث يضطرون لإجراء التحاليل والتجارب العلمية في مختبرات خاصة، ودائما ما يكون الأستاذ هو من يختارها، ولنا أن نتصور طبعا حجم السمسرة هنا، وهذه حقيقة نملك عليها إثباتات لأساتذة في البيولوجيا مثلا هم سماسرة لمختبرات علمية، بل إن الإتاوات التي يدفعها الطلبة الباحثون لبعض هؤلاء الأساتذة لا تقف عند حدود برمجة المناقشة، بل وتبدأ من لحظة نشر المقالات في المجلات العلمية المحكمة، والتي لا يمكن بدونها مناقشة الأطروحات. فبعد أن يدفع الطالب الباحث ثمن التجارب في المختبرات العلمية بالملايين، سيكون عليه أيضا أن يدفع للأستاذ «المؤطر» ليضع اسمه كمشرف على المقال.
طبعا هناك طريق آخر، وهو الطريق السهل، وهو أن يشتري «الطالب الباحث» كل هذه الخدمات «Pack» وعندها لن يراقبه أحد، وسيتكفل الأستاذ المؤطر بكل شيء، بما في ذلك اختيار لجنة المناقشة التي غالبا ما تتكون من أساتذة «متفهمين». ويكفي أن يضمن الطالب الباحث «الماء والمرعى»، وهي التسمية السرية التي تعني الخمر والغذاء، ليحصل على درجة «مشرف جدا».
وهذا ما يفسر امتلاء رفوف خزانات هذه الكليات بالبحوث المنقولة حرفيا من الأنترنيت والمسروقة من الكتب العلمية، والمصيبة أن هؤلاء الدكاترة المزورين يصل بعضهم إلى الكليات ويصبحون أساتذة جامعيين يشرفون بدورهم على بحوث الطلبة والطالبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى