نقاشات فارغة
بينما التزم معظمهم الصمت والتواري، عاد بعض الوزراء لملء الفراغ التواصلي، بإثارة نقاشات عمومية لا تدخل في صميم أولويات المواطن المنشغل بمواجهة الانعراجات الخطيرة والصدمات القوية على مستوى الأسعار، وندرة بعض المواد، وضعف المدخول.
وبدل أن يحدث الوزراء المواطن ويخاطبوا الرأي العام عما حققوه، خلال سنة من تنصيبهم، أو سيحققوه خلال السنة المقبلة، انبرى بعضهم في إطلاق موضوعات جانبية حول نفقة للمرأة التي أنجبت خارج مؤسسة الزواج، والحق في الحصول على لحظة حميمية دون تضييق من القانون، وكل ذلك على حساب أبسط حقوق المواطن، وأولها حقه في الحياة الكريمة، والحق في التعليم، والحق في الصحة، والحق في التشغيل، والحق في السكن، وهي الحقوق التي أقرها الدستور.
إن الدعوة إلى مواضيع لا تدخل في أولويات المواطن المغلوب على أمره، في ظل هذا السياق الصعب، هي دعوة خاطئة في الزمن الخاطئ، بل هي عملية استفزاز خارج السياق، هدفها خلق البلبلة الاجتماعية، وملء الفضاء التواصلي بالمواضيع التي تدخل في باب الترف السياسي.
وحبذا لو قرر وزراء الحكومة خروجا جماعيا للدفاع عن الإجراءات القطاعية التي قدموها أمام لجان البرلمان في إطار الميزانيات الفرعية، فبعيدا عن الاختيارات والإجراءات الكبرى لمشروع القانون المالي، لا أحد من المواطنين يعلم ما هي الإجراءات القطاعية التي سيقوم بها الوزراء.
وللأسف قلناها ونقولها ولن نمل من تكرارها: نحن أمام وزراء يخافون من التواصل، عاجزين عن الدفاع عن قطاعاتهم التي يشرفون عليها، بينما لا يزال بعضهم يقوم بالجولات الجهوية، أو في أحسن الأحوال يحدثنا عن أرقام صادمة وقعت في الماضي.
أخيرا، لن تسمع أذن المواطن المغلوب على أمره القضايا الحداثية والحقوق الفردية وبطنه فارغ، ويكافح في هذا الزمن الأغبر من أجل الحياة بكرامة، وما لم يؤمن الوزراء الجيل الأول من حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية في الصحة والشغل والتعليم والسكن، فعلى الأقل فليتجنبوا الخوض في قضايا تثير المشاكل أكثر ما تنتج الحلول.