شوف تشوف

الافتتاحية

نقابات محنّطة

تفصح معركة الأساتذة المتعاقدين عن وجه آخر من أوجه تدني الفعل النقابي الذي كان عبر تاريخ المغرب يشكل نبضا للشارع ومعبّرا عن مطالبه الاجتماعية. واليوم تحولت النقابات إلى «شاهد مشافش حاجة»، بل إن كثيرا من النقابات التي كانت تحتل مكانة اعتبارية ورمزية لدى المغاربة باعتبار تاريخها ورموزها ونضاليتها وشجاعتها في التصدي للسياسات الظالمة، خسرت هذه المكانة عند الرأي العام الوطني، ولم يعد المغاربة ينظرون إليها بالتقدير نفسه بعد سقوط بعضها في أيدي انتهازيين باعوا الطبقة العاملة والموظفين بأبخس مقابل.
لقد أصبحنا أمام مركزيات نقابية ترفض القانون وتعشق العيش وسط السيبة، بعضها لم تعقد مؤتمرها لسنوات خلت وليست هناك قوة قانونية تفرض عليها ذلك، ونقابات تضم في مكاتبها التنفيذية نقابيين متقاعدين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وآخرون انشقوا أو اعتزلوا العمل النقابي بسبب الغياب التام للديمقراطية الداخلية. بكل اختصار أصبحنا أمام عمال وموظفين بدون نقابات وإطارات نقابية بدون قواعد نضالية.
ولا يحتاج المرء إلى كثير من الجهد لتأكيد الموت البطيء الذي تعاني منه النقابات، وقد نعجز عن حصر مظاهر الشلل والفشل في التصدي للقرارات المجحفة للحكومة، ومنها تمرير العديد من القوانين والقرارات الماسة بحقوق ومكتسبات دافعي الضرائب، أبرزها ملف إصلاحات التقاعد المجحف الذي تم تمريره وسط صمت رهيب للنقابات، وقرارات اعتماد التعاقد داخل الإدارات العمومية، الذي تبحث الحكومة اليوم عن مخرج له، وتحرير أسعار المحروقات دون إجراءات مصاحبة تحمي المواطن المستهلك.
ويكفي النظر إلى الفاعلين الجدد الذين أصبحوا يؤطرون السلوك الاحتجاجي ويهيمنون على التمثيل الفئوي، لندرك حجم الريجيم القاسي الذي تعرضت له النقابات، فانفجار التنسيقيات المهنية التي تتحكم في الكثير منها قوى سياسية عدمية، سحب البساط من تحت أرجل المركزيات النقابية، وجعلها تلعب في أحسن الأحوال دور الإطفائي الفاشل.
ما نعيشه اليوم من انفجار للقنابل الاجتماعية الواحدة تلو الأخرى، يجعلنا في حاجة إلى انبعاث النقابات من رماد الموت، والعودة لكي تلعب أدوارها في ضبط المجال الاجتماعي، ولن يكون لها ذلك إلا بتغيير جوهري في قيادتها المهترئة والقبول بدخول عالم التقنين الذي يجعلها تحت مجهر المحاسبة المالية والديمقراطية. غير ذلك سنكون أمام كائنات انتهازية ضررها أكثر من نفعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى