شوف تشوف

الرأي

نفاق «أوكوس» والحرب الباردة الجديدة

السيد ولد أباه

هل بدأت الحرب الباردة الجديدة من داخل المعسكر الغربي باستدعاء فرنسا سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا، احتجاجا على صفقة الغواصات النووية الأمريكية، التي استبدلت بالصفقة الأسترالية حول الغواصات الفرنسية التقليدية التي كان من المقرر أن تشتريها كانبرا من باريس؟
ومع أن التحالف الأمني الجديد بين بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة (اتفاقية أوكوس) لا يستهدف بطبيعة الحال فرنسا، وإنما يندرج في نطاق الصراع التجاري التقني والاستراتيجي مع الصين، فإن انعكاسه واضح على خريطة العلاقات الدولية الجديدة.
لقد رفع الرئيس بايدن منذ وصوله إلى الحكم شعار العودة إلى الديبلوماسية التقليدية، وتبنى بوضوح مسلك توطيد الشراكة الأوروبية الأمريكية على عكس نهج سلفه، إلا أنه انتهى إلى المقاربة نفسها التي اعتمدها الرئيس السابق دونالد ترامب من حيث التخلي عن المحور الأطلسي، مقابل تركيز الجهد على المجال الآسيوي الهادئ، الذي هو محور الصراع الاستراتيجي القادم.
لقد كانت أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان من أهم شركاء «الناتو» في مواجهة التهديد السوفياتي، ومن هنا مركزية البلدان الثلاثة في الاهتمامات الجيوسياسية الأمريكية، لكن هذا الاهتمام المتجدد تغير سياقه الاستراتيجي من منظور الصراع الحالي المعلن مع الصين. والواقع أن الصين أعلنت منذ سنوات عقيدة استراتيجية جديدة، تقوم على التفوق العسكري الكامل في بحر الصين الجنوبي، الذي هو شريان التجارة العالمية في هذه المنطقة الحيوية التي تضم ثلثي سكان العالم و60 في المائة من حركة النمو الاقتصادي الدولي.
لم تعد سياسة «الدفاع النشط» التقليدية المرتكزة على حماية الحدود البرية هي حجر الزاوية في الرؤية الاستراتيجية الصينية، بل خضعت لتعديل جوهري في اتجاهين: طريق الحرير الجديد القائم على الاستثمار الواسع في عشرات الموانئ والمرافق الحيوية الخارجية، لتأمين تدفق الصادرات الصينية والموارد النفطية الضرورية لتوسع الاقتصاد المحلي، وتكريس الحضور العسكري الدائم في بحر الصين الجنوبي من خلال الغواصات النووية ذات القدرة الردعية والاستباقية الناجعة.
إن هذه التحولات الجيوسياسية تجري في مرحلة تشهد فيها الصين تطورا ملحوظا في طبيعة نظامها السياسي وخياراتها الإيديولوجية والمجتمعية، في اتجاه التركيز على مفاهيم «الثروة المشتركة» و«الديمقراطية المركزية»، أي مركزية الحزب الشيوعي الحاكم في الحياة الاقتصادية والسياسية، مقابل مقاربة «الاقتصاد الاشتراكي للسوق» التي وضعها الرئيس الأسبق «دينغ شياو بينغ»، باني النهضة الصناعية الصينية المعاصرة.
هل ستنهي المواجهة الجديدة منطق التحالف الليبرالي الغربي بين الولايات المتحدة وأوروبا، والذي شكل السمة الكبرى للقرن العشرين، منذ الحرب العالمية الأولى؟ وما موقع روسيا ضمن هذه التحولات الاستراتيجية الجديدة؟
من البديهي أن منطق البناء الفيدرالي الأوروبي الذي تسارع بوتيرة قوية بعد نهاية الحرب الباردة، كان يندرج في سياق الانفصال عن المظلة الأمريكية، مع الاتجاه جنوبا إلى الضفة المتوسطية، باعتبار أن محور القوة الاستراتيجية الأوروبية يتركز حول البحر الأبيض المتوسط. ومن هنا بدأت تتهاوى الروابط الخاصة بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي منذ بداية القرن الجديد، واختارت بريطانيا الانفصال عن السرب الأوروبي وفاء للحلف الأنغلوسكسوني.
أما روسيا فتأرجحت بين هويتها الأوروبية التي هي أحد مقومات عقلها الاستراتيجي التقليدي، وبين دورها المرن في محيطها الآسيوي، وانتهت إلى الاقتراب من الصين بعد تزايد خلافاتها السياسية مع الدول الأوروبية، إثر نزاعيها مع جورجيا وأوكرانيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى