نعم للتضامن لا للتلاعب
تحولت الحادثة المأسوية التي يعيشها الطفل ريان داخل بئر بإحدى قرى شفشاون إلى قضية رأي عام وطني ودولي، وانبرى جزء كبير من المغاربة بكل عفوية لتقديم الدعم وإعلان التضامن لإنقاذ الطفل ريان، وفضل البعض الآخر الركوب السياسي على حادث مأساوي لتصريف مواقفه من مؤسسات الدولة وإعلان فشلها حتى قبل أن تنتهي مهمة الإنقاذ، وبين هذين الصنفين دخل صنف ثالث منهم ديبلوماسيون أجانب بالمغرب وصفحات فيسبوكية جزائرية واسعة النطاق تطالب بإنقاذ الطفل وكأن السلطات المعنية لا تقوم بأدوارها كما ينبغي وزيادة وهي التي قضت أكثر من 50 ساعة من العمل بدون انقطاع وبكل الحذر المطلوب.
ولئن كانت حادثة الطفل ريان لا تحتمل من الرأي العام سوى التضامن الإنساني والدعاء الرباني، فإنه ينبغي الحذر من توظيف البعض للحادث من أجل تحقيق مآربه في استهداف عمل المؤسسات وضرب المجهودات المبذولة، من خلال قلب الحقائق والتلاعب بها، وهذا ديدن بعض البشر الذين يحترفون الانتصار للشعبوية في الأزمات لخلق أجواء عدم الاستقرار.
فلا يمكن الانحياز للغة الصمت تجاه سيطرة البعض ممن لهم أجندات سياسية وديبلوماسية على وسائل التواصل، فيضخمون بعض أخطاء عملية الإنقاذ ويتجاهلون الكثير من النجاحات مع بعض فبركة معطيات كاذبة، والغرض من ذلك هو أن تتحول المؤسسات التي تبلي البلاء الحسن من أجل إنقاذ الطفل إلى مؤسسات فاشلة في أعين شرائح كبيرة من الرأي العام، أو على الأقل تصبح مشوشة لدى شرائح أخرى، والنتيجة الحتمية هي حشد الرأي العام والتلاعب به لاتخاذ موقف سلبي للدس والوقيعة بينه وبين مؤسسات بلاده.
لذلك نقول إنه لا يمكن لأحد الحكم من وراء شاشة هاتفه النقال على المجريات المعقدة لعملية الإنقاذ بدون دراية واسعة ومعطيات مؤكدة، وهنا من واجبنا كمنابر إعلامية التحسيس بمخاطر التلاعب بالرأي العام وتأليبه، فإذا لم يكن هذا الأخير حذرًا متيقظا يستطيع الفرز بين الخبر والإشاعة، فستجعله مواقع التواصل الاجتماعي يكره الاستقرار ويجنح نحو الفوضى، يرفض الحقيقة ويقبل بالتضليل، ينبذ العقلانية ويغرق في رمال الشعبوية المتحركة، وهنا يكمن الخطر الذي يسوقه البعض على أنه مجرد تضامن والحقيقة غير ذلك.