نعم لإصلاح مناهج التربية الدينية.. لكن على أي أساس؟
لا شك أن إصلاح المنظومة التعليمية ببلادنا كان ولا يزال مطلبا أساسيا، هذا المطلب يتغيى الخروج بهذه المنظومة من حالة الركود إلى حالة التفوق والتقدم ومسايرة التحولات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية التي يشهدها بلدنا والعالم بأسره. ولعل دعوة عاهل البلاد مؤخرا إلى ضرورة إعادة النظر في مناهج التربية الدينية، هي دعوة منطقية وضرورية حتى نرقى بمنظومتنا التعليمية إلى المستوى الذي نهدف إليه ويشرفنا جميعا.
وإذا كان مطلب الإصلاح كما أسلفت مطلبا مشروعا وضروريا، فإن هذا الورش المهم يحتاج إلى الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الملاحظات نورد بعضها على أمل أن يقدم الخبراء والمهتمين ملاحظات أخرى تعين أهل الشأن بالإصلاح إذا ما أخذوا طبعا بها. من بين هذه الملاحظات ما يلي:
1- لا يمكن فصل إصلاح المناهج الدينية عن إصلاح كل مكونات المنظومة برمتها، لأن المكون الديني هو جزء لا يتجزأ من مكونات أخرى تشكل برامج من المفروض أن بعضها يؤازر البعض من أجل تحقيق الملمح الذي نروم أن يكون عليه المتعلم عند نهاية مشواره الدراسي.
2- بالنسبة للجانب البيداغوجي والديداكتيكي، يجب أن نعترف أن منظومتنا التعليمية لا زالت وإلى الآن ترتكز على بارديكم معرفي محض. بمعنى أن أغلب الأساتذة يعملون على تصريف المعرفة الجافة، بطرق أغلبها تقليدية لا لعيب في الأساتذة، ولكن بسبب غياب التكوين المستمر الذي من شأنه أن يؤهل العاملين في الأقسام للخروج من بوتقة التلقين الممل.
3- المنظومة التعليمية ببلادنا هي منظومة لا تستقر على حال في توجهاتها، والأخطر من ذلك أنها لا تحافظ و لا تعزز التراكمات الايجابية، فما أن يأتي وزير حتى يفتي في شأنها وفق ما يحلو له. ونسوق هنا على سبيل المثال لا الحصر، ما حل ببداغوجيا الإدماج حين أقرها الوزير اخشيشن، وما كاد الوزير الذي كان استقلاليا السيد الوفا يستقر على كرسي الوزارة حتى استدعى صاحب المشروع وطلب منه أن يرحل عن البلاد بالإفك البيداغوجي الذي جاء به.
4- قلنا إن المنظومة لا زالت وإلى حدود الآن مرتكزة على المعرفة، والتقويم سواء التكويني أو الإشهادي يسائل المعرفة لا غير، مما يجعل البعدين المتعلقين ببناء المعرفة ومنظومة القيم، لا يحظيان بالاهتمام الواجب من لدن الأساتذة لضعف في التكوين طبعا.
5- لا يمكن فصل إصلاح منهاجنا في المجال الديني عن سلم القيم المعتمد في المجتمع. يجب أن نتحلى بالشجاعة كي نقول بأن هناك شرخا صارخا بين ما يتداول بين جدار الأقسام، وما يمدح ويشجع من قيم بعضها سلبي في المجتمع. فمثلا الاهتمام بكل ما هو مادي محض على حساب أخلاق حميدة وعادات نبيلة من المفروض أن تؤسس لها المدرسة وأن تلقى صدى لها في البيت والشارع هو أمر سائد بقوة في المجتمع.
6- على أي أساس نريد إصلاح مناهج التربية الدينية، ما هو النموذج الذي نريد أن نؤسس له ونجعل قيمه تغرس في قلوب وعقول النشء. مثل هذا النموذج يجب أن نصرح به بكل وضوح وشجاعة، حتى يكون العقد الذي يربط المنظومة التربوية والمجتمع واضحا لا لبس فيه.
7- لا شك أن المغرب كغيره من بلدان العالم، يتبنى قيما كونية منصوص عليها في ما سنه الغرب من قيم يدافع عنها هذا الغرب ويريد أن يجعلها تنبت في تربتنا الاسلامية. المغرب له هذه الخصوصية التي لا يجب إغفالها، إلا إذا كان علينا تعطيلها من أجل أن نتبنى هذا النموذج المستورد مائة بالمائة، والذي هو وليد ثقافة فصل الدين عن السياسة، عندها تكون الأمور واضحة.
8- خطاب حقوق الإنسان، يجب أن لا يتحول إلى وسيلة للهيمنة على الدول الاسلامية من باب الدفاع عن كرامة الأفراد والجماعات. إن تبني القيم الكونية النبيلة لا يجب أن يطمس الهوية المغربية الاسلامية للمواطن الذي يعيش على أرض هذا الوطن، وحين ندعو إلى التشبث بهويتنا الاسلامية، فهذا لا يعني أننا نتمركز حول الذات أو ندعو إلى التطرف، لا أبدا. إننا نملك مقومات تاريخية مهمة في مجال حقوق الإنسان من تسامح واحترام النفس البشرية التي يوازي قتل واحدة منها قتل الناس جميعا، واحترام الديانات الأخرى والحق في الاختلاف في كل شيء على أساس احترام خصوصية المجتمعات التي لا تدين بديننا.
نقط كثيرة في حاجة لأن يأخذها بعين الاعتبار أولائك الذين ستوكل إليهم مهمة إصلاح مناهج التربية الدينية، ومن بين هذه النقط إضافة إلى ما سلف، رأب الصدع ما بين قيم المدرسة وقيم المجتمع حتى لا يظل هذا الأخير يعاني من مفارقة سكيزروفيرنية لن تعالج بأي ترياق إصلاحي لا يرمي إلى خلق نوع من الصلح والانسجام ما بين المؤسسة التعليمية والمجتمع بكل مكوناته.