شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

نضال مبكر  مغاربة وهبوا حياتهم للقضية الفلسطينية

 

يعود تاريخ النضال المغربي في فلسطين إلى زمن الجهاد، خلال الحروب الصليبية، فقد أبدى كثير من المغاربة رغبتهم في الجهاد وأبلوا بلاء حسنا، وظلوا على العهد في زمن صلاح الدين الأيوبي مرابطين في البقعة، التي اشتهرت باسمهم في ما بعد، إلى أن تحررت مدينة القدس من قبضة الغزاة الصليبيين. وعِرفانا من صلاح الدين الأيوبي، تقرر وقَف تلك البقعة على المغاربة، وسمي ذلك الحي من حينها باسم حارة المغاربة. غير أن السلطات الإسرائيلية ستصادر في يونيو 1967 حي المغاربة، وسيتم إخلاء سكانه وهدم جامع البراق وجامع المغاربة وإقامة حائط المبكى.

من أجل القضية الفلسطينية، استشهد عدد كبير من المغاربة الذين نذروا حياتهم لخدمة قضية العرب والمسلمين، ولم يترددوا في تلبية نداء الجهاد الصادر من المغرب أو من فلسطين.

شارك المغاربة في صفوف فصائل المقاومة الفلسطينية في وقت مبكر، ولم يقتصر انخراط المتطوعين المغاربة على الذكور فقط، بل شارك العنصر النسوي من خلال الشقيقتين نادية وغيثة برادلي، إضافة إلى متطوعات من مختلف مدن المغرب، بل منهن من سجلن الانضمام للمعركة من المهجر.

إلى جانب المشاركة الفعلية للمغاربة في المعركة الكبرى، لا بد أن نسجل حضور الجيش المغربي في عمق القضية، حين أرسل الحسن الثاني تجريدة عسكرية دفاعا عن فلسطين، حيث تموقعت القوات المغربية في الجولان، وهناك استشهد عدد كبير من الجنود المغاربة منهم من لا زال جثمانه في مقابر سورية.

 

نادية وغيثة برادلي.. شقيقتان في الكفاح والاعتقال

ولدت نادية في وسط عائلي مترف، فقد كان الوالد البشير برادلي يملك شركة للنقل مقرها في طريق مديونة. بدأت الأسرة تجني ثمار جهدها حيث ظهرت عليها ملامح الثراء من خلال العيش الرغيد في فيلا بشارع أنفا وهناك أنجبت نادية وغيثة ثم عبد الرزاق الذي ولد كفيفا.

لكن البشير توفي في إسبانيا سنة 1966 بإسبانيا، فقررت زوجته إيرين دفنه في مدينة طنجة وعادت إلى الدار البيضاء رفقة أبنائها لتبدأ معركة طويلة بين ردهات المحاكم ضد شريكي زوجها رزق والعروسي. هذا الأخير سيخلف إيرين في تدبير الشركة فيما اختارت نادية وغيثة النضال من أجل نصرة القضية الفلسطينية، حيث انخرطتا في إحدى خلايا منظمة التحرير بباريس حيث كانتا تتابعان دراستهما في جامعة السوربون، بعد الحصول على شهادة الباكلوريا. لكن القدر كان يخفي أشياء أخرى، إذ سرعان ما حصلتا على شهادة النضال، وانتهى بهما المطاف في سجون إسرائيل.

في سنة 1970، تم إرسالهما إلى إسرائيل لتنفيذ عملية فدائية فتم اعتقالهما في مطار تل أبيب وحكم عليهما بخمس سنوات سجنا، وهناك انخرطت الشقيقتان في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عام 1973، وبعد خروجهما من السجن التحقتا بالمقاومة الفلسطينية في لبنان حيث قضتا سبع سنوات، قبل عودتهما إلى المغرب بعد طول تردد، حيث كانت نادية التي أطلق سراحها قبل شقيقتها غيثة بسنتين ترفض العودة دون أختها إلى المغرب.

خلال تواجدها في مدينة بيروت، تزوجت نادية من فلسطيني تقاسم معها السلاح والحب يدعى مصطفى الجفال، وهو أردني الأصل، وتعاهدا على النضال وقررا الانتقال سويا إلى الدار البيضاء بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

توفيت نادية سنة 1995، وظلت خلال تواجدها في بيروت تحت عيون الموساد الذي ظل يتعقبها حتى وهي خلف القضبان. نادية هي مغربية الأصل والنشأة، فلسطينية الهوى، أدارت ظهرها لكل مظاهر الترف والغنى لتختار أن تصبح «فدائية عربية تضع حياتها ثمنا للقضية الفلسطينية»، كما قال زوجها.

تعود قصتها إلى الحادي عشر من أبريل عام 1971، حين خططت، برفقة شقيقتها غيثة البرادلي وثلاثة فرنسيين آخرين، للقيام بـ«عملية فدائية» سعوا من ورائها إلى تفجير تسعة فنادق دفعة واحدة وسط مدينة «تل أبيب»، لكن، وبمجرد وصولها مرفوقة بأختها إلى مطار «اللد»، الذي يبعد عن تل أبيب بعشرين كيلومترا، حتى اكتشف أمرهما وعثر بين أمتعتهما على مساحيق شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التدمير، لتلقي أجهزة الأمن الإسرائيلية القبض عليهما، وتقضيا سنوات من عمرهما في السجون».

تبقى الإشارة إلى أن ناس الغيوان في شخص الراحل بوجميع قد خلد مشهد اعتقال الفدائية نادية البرادلي، في إحدى روائعه، حين قال: «عمرني ما ريت الغزال يمشي بالمهماز… وفراخ الخيل عادو سراحو» ويقصد بالغزال نادية وبالمهماز تلك الأغلال التي قيدتها».

 

الداسر.. أسرته تنتظر جثمانه منذ 1981

ولد عبد العزيز الداسر في مدينة سلا بتاريخ 25 نونبر 1958 من أسرة صويرية معروفة بمواقفها النضالية أثناء فترة الكفاح المغربي ضد الحماية الفرنسية. انضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية، واستشهد إثر تفجير عدد من مكاتب الثورة في بيروت، يوم فاتح أكتوبر 1981.

تابع عبد العزيز دراسته الابتدائية والثانوية في الجزائر، وحين عاد إلى المغرب التحق بثانوية النهضة بسلا وأتم دراسته الجامعية في كلية الحقوق بالرباط، قبل أن يرحل إلى العراق لينخرط في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد لغاية السنة الثالثة من الإجازة.

تعرف عبد العزيز وهو في بغداد على طلبة فلسطينيين، حيث أقنعوه بأهمية النضال في صفوف الثورة الفلسطينية، وحين تشبع بروح النضال ترك دراسته والتحق بقواعد الثورة الفلسطينية مطلع عام 1981 استجابة لنداء ياسر عرفات بالتعبئة العامة للطلبة الفلسطينيين، حيث اعتبر نفسه فلسطينيا كذلك.

خضع عبد العزيز لدورات عسكرية في أحد معسكرات سوريا ولبنان تحت رعاية فصائل محسوبة على البعثيين، الذين تشبع الشاب المغربي بأفكارهم أثناء عبوره في بغداد. وعقب تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، انضم إليها عام 1967. حاول هذا الفصيل استقطابه كعضو قيادي، لكنه تمسك بالانتماء لحركة فتح وتم تكليفه باستقطاب العديد من الشباب الذين يسكنهم هوس النضال، وكان من المشرفين على تدريب العناصر الجدد.

استشهد عبد العزيز في الانفجار الذي تعرضت له بعض مكاتب الثورة الفلسطينية يوم فاتح أكتوبر 1981 على يد المخابرات الإسرائيلية في بيروت. في اليوم الموالي نعت الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الرباط، الشهيد المغربي عبد العزيز الداسر.

لكن رفات الداسر السلاوي ظل طي الكتمان منذ أن استشهد في بداية الثمانينات، بعدما التحق بحركة فتح ونفذ بصحبة مقاتليها عملية استشهد على إثرها.

 

الطود.. الكولونيل الذي قاد عمليات في فلسطين

ولد الهاشمي الطود سنة 1930 بمدينة القصر الكبير وفيها تابع دراسته الابتدائية، لكنه سينتقل مبكرا إلى مصر لاستكمال الدراسة الثانوية انتقل إلى مصر. وفي سنة 1947 سيحصل على شهادة الثانوية العامة في القاهرة.

كان الهاشمي معجبا بالزعيم عبد الكريم الخطابي، ما جعله يبادر للتطوع من أجل القتال في فلسطين على الجبهة المصرية، استجابة لنداء الأمير عبد الكريم الخطابي بعد صدور قرار تقسيم فلسطين من مجلس الأمن.

يعتبر الطود من بين أول المشاركين في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى المعبر عنها تاريخيا بالنكسة سنة 1948. سيصبح الهاشمي مقربا من الخطابي بل سيصبح من بين أفراد البعثة الطلابية المغاربية للتكوين بالمدرسة العسكرية العراقية التي تخرج منها سنة 1951. عين كمسؤول أول لتأسيس نواة تكوين طلائع جيش تحرير المغرب العربي، وكلف بمهمة تدريب الشباب المتطوع للانخراط في الجيش المغاربي، وكلف أيضا بشراء السلاح لمشروع الكفاح المسلح في المغرب العربي، وتأطير بعض عمليات الدعم اللوجستيكي للثورة في المغرب العربي انطلاقا من القاهرة.

حمل الهاشمي الطود صفة عميد وقائد للعمليات، وبل وكان بطلا حقيقيا خلال مشاركته في حرب 1948 لتحرير فلسطين، بل إنه في حوار صحافي تبين أن العقيد كان يذكر زملاءه في الكفاح بأسمائهم وتفاصيل مسارهم، خاصة المغاربة منهم الذين لبوا نداء الخطابي وهرعوا إلى جبهات القتال.

سيكشف الطود عن مغاربة ناضلوا من أجل القضية، على غرار محمد بن صبيح الذي كان يقطن بتطوان، ومحمد البرنوصي الذي كان يقطن بحي القصبة بمكناس، وهو من الضباط الذين تدربوا على يد الهاشمي في العراق، والمقرئ عبد الكريم الفيلالي الذي كان يدير دارا للقرآن الكريم بمكناس، ومحمد المزكلدي البيضاوي وعمر الوزاني، وغيرهم من المقاتلين الأشاوس.

تحول تجمع الشباب المغاربة الذين كانوا يدرسون في مصر، في إطار تنظيم «مكتب المغرب العربي»، بالقاهرة، إلى نقطة استقطاب للنضال، وفتحت لائحة للمتطوعين للقتال تحت إشراف الجامعة العربية التي أسندت تدريبهم لضباط مصريين، وكان الضابط أحمد عبد العزيز هو من تولى قيادة المجاهدين المغاربيين في ميدان المعركة، إلى جانب ضباط مصريين غالبيتهم ممن قادوا ثورة يونيو سنة 1952 مع جمال عبد الناصر.

لم تدم المعارك التي شارك فيها الطود مدة طويلة، لكن أشهرها كانت في بلدة فلسطينية تسمى «بربرة»، لكنه غادر فلسطين بطلب من محمد بن عبد الكريم الخطابي للتوجه بصحبة آخرين إلى العراق من أجل استكمال الدراسة في الأكاديمية العسكرية ببغداد، وحين عاد للمغرب انضم للجيش المغربي.

 

الحسن الثاني يقرر إخبار والدة الشهيد الطنجاوي في الحج

ولد الحسين بنيحيى الطنجاوي عام 1945 في مدينة تطوان، المدينة التي تلقى فيها دراسته الابتدائية والثانوية ثم انتقل إلى الرباط ليتابع دراسته الجامعية. ولأن الفتى كان مهووسا بالعلم فقد أمضى حياته في الترحال بين أقطار أوروبا بحثا عن المعرفة.

في سنة 1968، سافر الحسين إلى إسبانيا واستقر في مدينة فالنسيا ودرس في كلية الهندسة التي تخرج منها مهندسا للطيران، وبعدها انتقل إلى بلجيكا ودرس في المعهد التكنولوجي وتزوج من بلجيكية ابنة أحد الضباط السامين في الحلف الأطلسي. ولأنه يعشق التحليق فقد رحل إلى إيطاليا وانخرط في الحزب الشيوعي الإيطالي الذي كان في طليعة اليسار الأوروبي آنذاك.

كانت القضية الفلسطينية تسكن وجدانه، وفي سنة 1973 انتقل إلى العراق ودرس بكلية الحقوق والتقى بمواطنه عبد الرحمن اليزيد امزغار، ثم غادر إلى لبنان وانخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حيث كان يدير حلقات التوجيه الإيديولوجي في مخيم جنوب لبنان، ثم حمل البندقية إلى جانب رفاقه وشارك في العديد من العمليات العسكرية.

وتجمع الروايات على أن الطنجاوي خرج يوم 24 نونبر 1974، رفقة أربعة من رفاقه قاصدين الأراضي الفلسطينية، فسقطوا في كمين إسرائيلي هناك، وخاضوا معركة بطولية استشهد فيها مع أربعة من رفاقه ونجا واحد منهم رغم جراحه الخطيرة، بعدما أوقعوا في صفوف العدو خسائر كبيرة. وألقت قوات العدو بجثث الشهداء على الحدود اللبنانية في محاولة لبث الرعب في قلوب سكان القرى.

ويعد استشهاد الحسين بنيحيى الطنجاوي تأكيدا على روابط التحام المغرب والمغاربة بالثورة الفلسطينية وتضحيته من أجل إعادة الحق إلى أصحابه.

الشهيد الحسين بنيحيى الطنجاوي هو شقيق الشاعر الأديب محمد بنيحيى الطنجاوي، هذا الأخير كتب قصة جمعت الملك الحسن الثاني بأم الشهيد الحسين: «علمت بخبر استشهاد الحسين في صحيفة النهار البيروتية، بعد ثلاثة أيام من صدورها المؤرخ في 29 نونبر 1974. كان لي موعد مع أحمد بن سودة، فأخبرته حين كان يتناول وجبة الفطور بخبر استشهاد شقيقي وربت على كتفي وقدم لي العزاء ووعدني بإخبار الملك. اتصل بي بن سودة وطلب مني إحضار والدتي إلى الرباط، حيث أمر الملك بإضافة اسمها إلى قائمة البعثة الرسمية للحج بعد يومين. وأمام قبر الرسول الأعظم ستعلم والدتنا بخبر استشهاد ابنها، فاستمرت في صلواتها ودعواتها إلى أن خرجنا من الحرم النبوي الشريف، فالتقطت كفي وضمتها بقوة وقالت لي: كن صبورًا يا ابني ولا تحزن».

 

قزيبر.. هاجر إلى ليبيا للعمل فاستشهد في لبنان

من مواليد أرفود بإقليم الرشيدية يوم 9 يونيو 1966، هاجر إلى ليبيا سنة 1990 قبل أن يلتحق بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1992، بعد عبور الحدود المصرية. قضى في النضال الميداني بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واستشهد في عملية فدائية بجنوب لبنان، ضد الاحتلال الإسرائيلي سنتين ليستشهد يوم 2 غشت 1994 خلال عملية بيت ياحون ضد الاحتلال الإسرائيلي، نفذها مع عدد من رفاقه المقاتلين ضمن صفوف القوات العسكرية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وكان رفات الشهيد قزيبر قد شمله اتفاق التبادل بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، حيث تمكنت لجنة من الجبهة من التعرف على رفات العشرات من المقاتلين الذين استشهدوا خلال تنفيذهم لمهمات وعمليات عسكرية ضد الاحتلال.

عهد لصديق الشهيد ويدعى مصطفى علال، بالإشراف المباشر على نقل الجثمان إلى المغرب، من بيروت إلى مطار الدار البيضاء، حيث تواجد حوالي 50 مشيعا خاصة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبعض الصحافيين الذين نظموا «وقفة احتجاجية داخل مطار محمد الخامس، دامت حوالي نصف ساعة، رفعت فيها عدة شعارات مرتبطة بتضامن الشعب المغربي مع الشعب الفلسطيني».

وكان عبد الإله المنصوري، الباحث في الشؤون الفلسطينية وعضو سكرتارية مجموعة العمل الوطنية لدعم العراق وفلسطين، والذي يتابع هذا الملف بأدق تفاصيله، قد أكد في وقت سابق وجود ثلاثة جثث لشهداء مغاربة آخرين لا تزال في حوزة إسرائيل، والتي لم تكن ضمن عملية تبادل الأسرى والرفات الأخيرة التي تمت بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، «وهم الركراكي بن علال النومري من مواليد 1945، والذي استشهد في غارة إسرائيلية على موقع تابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 25 نونبر 1988. والشهيد العربي بن قدور من مدينة القنيطرة، والذي استشهد سنة 1986، وعبد القادر عثمان الذي استشهد سنة 1985».

 

بوخبزة.. الطبيب المغربي الذي حمل لقب غيفارا العرب

في سنة 1956 كانت الولادة وسط أسرة محافظة، ومنذ أن تلمس طريقه في الحياة وبدأ يستوعب ما يحاك حوله، أظهر لسان الدين بوخبزة ابن مدينة تطوان اهتماما واسعا لما يدور في العالم من سجالات سياسية ومعارك إيديولوجية وحروب بالقلم تارة وبالبارود تارة أخرى.

كان لسان الدين شابا متفوقا في دراسته، متابعا لما يعرفه العالم من تطاحنات متعقبا لأخبار الشعوب المضطهدة حتى اعتقد أصدقاؤه أنه سيرتمي في حضن الصحافة، لكن الفتى اختار دراسة الطب قبل أن يقوده القدر إلى عوالم أخرى.

كان والده عبد السلام يشتغل في سلك القضاء الشرعي، وهو ما حتم عليه التنقل بين أكثر من مدينة، لكنه استقر مدة أطول في القصر الكبير بعد أن تنقل بين تازة والرباط وشفشاون والناظور ثم طنجة.

لعب مدرس يدعى المهدي الريسوني دورا كبيرا في حشد همة لسان الدين، حين «كان يأتي بجهاز الراديو معه إلى داخل القسم، ويأخذ جزءا من الوقت لكي يتابع أخبار نكسة يونيو 1967، وهو متحمس ومنفعل مع أحداث الوطن العربي الذي كان يعرف مدا قوميا وتحرريا كبيرا». يقول والده.

وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا بتفوق، لم يتردد لسان الدين في الالتحاق بكلية الطب بالرباط، تحقيقا لحلم إنساني كان يراوده، وخلال فترة تدريبه في المستشفى يصر الطبيب المتمرن على التبرع بملابس وقطع حلوى للمرضى.

«لم يكن أي انتماء تنظيمي أو حزبي للسان الدين، لم تكن له أي علاقة تنظيمية لا مع تنظيم «إلى الأمام» ولا تنظيم «23 مارس»، نشاطه كان فقط داخل إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، يؤكد رفيق دربه الدكتور نور الدين دحان.

بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الطب العام، وبعد فترة انتظار ليست بالطويلة، شد الرحال في اتجاه أوروبا لاستكمال دراساته المتخصصة. كانت البداية بسويسرا، ثم فرنسا التي قضى فيهما المدة الأطول أثناء وجوده في أوروبا، حيث اشتغل طبيبا في مجموعة من المستشفيات هناك. لكن حركته شملت أقطارا أوروبية كثيرة. إلا أن الحدث الأبرز في هذه الرحلة لقاؤه بمواطنة سويسرية كانت نشيطة في مجال الدفاع عن السلام، وانخراطه في منظمة إنسانية دولية هي منظمة أطباء العالم، ثم قضاؤه تجربة في صفوف الثورة الفلسطينية في سوريا ولبنان.

التحق لسان الدين بصفوف الثورة الفلسطينية بعد الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982، حيث تلقى دورات تدريب عسكرية مكثفة هناك، قبل اشتغاله في بلدان كثيرة طبيبا في إحدى المنظمات الإنسانية الدولية، لينتهي به المطاف شهيدا مغتربا في ضواحي عاصمة السلفادور مطلع سنة 1987 وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره.

بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، الذي أسقط بيروت، كان الشهيد ياسر عرفات قد وجه نداء لكل الشباب العربي ولكل المناضلين الأمميين للالتحاق بالجبهة دفاعا عن الثورة الفلسطينية، وهو النداء الذي خلّف حركة تضامن واسعة عبر العالم.

انضم لسان الدين بقواعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سوريا ولبنان لتلقي دورات تدريب مكثفة، كانت الجبهة الشعبية حينها مركز ثقل تعاطف عربي وأممي واسع.

قرر لسان الدين التوجه إلى أمريكا الوسطى بعد عودته من تجربته الثورية من المشرق العربي في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هناك قدم خدماته الطبية ودروس محو الأمية للسكان المدنيين والمقاتلين، وأصبح مقاتلا قبل أن تتم تصفيته يوم 19 يناير 1987.

يقول عبد الإله المنصوري: «إنها نفس الظروف التي استشهد فيها غيفارا في وادي غورو بعد محاصرة معسكراته من القوات البوليفية حينها، في عملية هزت العالم».

 

أمزغار.. الزيلاشي الذي لبى نداء الخطابي بلا تردد

وصف الباحث عبد الإله المنصوري الفدائي المغربي عبد الرحمان اليزيد أمزغار، بـ «بطل عملية قرية إبل القمح»، وكان المناضل في «جبهة التحرير العربية» من أبناء مدينة أصيلا علما أن أصوله من منطقة الريف، وكان معجبا بالزعيم محمد عبد الكريم الخطابي قائد ثورة الريف المجيدة في مواجهة الاستعمار الإسباني والفرنسي للمغرب.

«تخرج الشهيد عبد الرحمان من جامعة بغداد وكان رفيق دراسة مع مواطنه عبد العزيز الداسر ابن مدينة سلا الذي استشهد وهو يؤدي واجبه النضالي في لبنان مقاتلا في صفوف حركة فتح، وفي بغداد تلقى تداريبه العسكرية وتفتح وعيه الكفاحي المقاوم ليلتحق بالجنوب اللبناني، وبعد مساهماته في أكثر من عملية قام الشهيد عبد الرحمان أمزغار ضمن مجموعة فدائية إلى جانب حسن الصوفي وقاسم رشيد الطائي وفكرت أوز باطمان. اقتحم عبد الرحمن مستعمرة «كفار يوفال» التي أقامها الإسرائليون مكان قرية عربية اسمها «أبل القمح» بالجليل صباح يوم الأحد 15 يونيو 1975، اقتحمت سلطات الاحتلال المكان ودخلت في اشتباكات مع المجموعة الفدائية دامت حوالي 6 ساعات، لتسفر في نهاية المطاف عن استشهاد 4 مناضلين، ومقتل 25 إسرائيليا وجرح حوالي 30 آخرين».

عندما تناهى إلى أسماع عائلته نبأ استشهاد ابنها في تلك العملية الجريئة التي عرفت بعملية كفار يوفال، قال أفرادها: «استكبرنا الحدث الذي هز إسرائيل ذاتها، إلا أننا لم نفاجأ ولم نستغرب مشاركة أخينا عبد الرحمن إلى جانب ثلاثة أبطال من بلدان متفرقة (فلسطين، العراق وتركيا). لقد غمرنا الأسى الممزوج بالإعجاب».

ومنذ ذلك التاريخ، لا تزال إسرائيل ترفض تسليم جثمانه الطاهر لأسرته ووطنه، «فهل يعود قريبا إلى وطنه بصحبة رفات شهداء مغاربة آخرين ارتقوا لعنان السماء على أرض المعركة في فلسطين المحتلة دفاعا عن الأرض والإنسان والكرامة؟»، يتساءل المنصوري.

ليس هو الوحيد فهناك عدد من الشهداء المغاربة الذين ماتزال جثامينهم محتجزة في فلسطين المحتلة من بينهم الركراكي النومري، العربي بن قدور إيرير، عبد القادر بن عثمان، عبد القادر بوناجي، حسن فطراح..».

 

النومري.. كان سائقا بالعراق فتحول إلى جبهة القتال

كشفت وثيقة من وثائق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثاني أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، عن تفاصيل استشهاد الركراكي النومري، المواطن المغربي المنحدر من مدينة آسفي، والذي ما زال الجيش الإسرائيلي يحتجز جثمانه، بعدما قضى نحبه في قصف جوي شنه الطيران الإسرائيلي على جنوب لبنان سنة 1988.

جاء في الوثيقة: «تهديكم الجبهة تحياتها الكفاحية، وتشهد أن الشهيد المناضل الرفيق الركراكي النومري، المولود بمدينة آسفي المغربية سنة 1945، وهو مغربي الجنسية، التحق بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 17 غشت 1988، وشارك في الدفاع عن الثورة الفلسطينية في لبنان»، قبل أن تؤكد خبر استشهاده يوم 25 نونبر 1988، أثناء مواجهة شرسة مع قوات الاحتلال في جنوب لبنان».

وقد كشفت التحريات التي قام بها وفد مغربي غير رسمي، الذي توجه إلى لبنان يوم 23 يوليوز 2008 من أجل بحث قضية تسليم رفات الشهداء المغاربة، عن وجود شهداء مغاربة آخرين لم يعلن عنهم ضمن قائمة شهداء القضية العربية الفلسطينية. كما كشفت المباحثات التي قام بها أعضاء مجموعة العمل الوطنية لدعم العراق، عن دفن شهيدين مغربيين آخرين في مقبرة الشهداء في لبنان.

يروي الزميل الصحافي عزيز  لعطاطري عن زيارته لبيت عائلة الشهيد المغربي الركراكي النومري، بدار بوعودة جنوب مدينة آسفي، أنها «كانت تجهل مصيره، إلى أن اتصل بها بعض المهتمين بالملف الفلسطيني بالمغرب»، هذا ونفت الأسرة، علما بتجنيد الوالد الركراكي، ضمن صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رغم إعلان هذه الأخيرة عن أسماء اللائحة الكاملة لشهدائها. ويحكي ابنه جمال النومري، مرارة الحيرة التي عاشتها بالتنقل من وزارة إلى أخرى دون أن يطفىء أحد نار الشوق لمعرفة مصير رب الأسرة.

هاجر النومري سنة 1983، إلى العراق للعمل هناك كسائق، لكن الأقدار شاءت أن يلقى ربه، قبل أن تلحق به والدته إلى الرفيق الأعلى سنة 2004، وهي تحمل الشوق لمعرفة مصير فلذة كبدها.

«لم ينعم طويلا برؤية أبنائه الأربعة توجه سنة 1981 إلى العراق، بموجب عقد عمل مع الحكومة العراقية، حيث تسلم ملف تشغيله من مندوبية الشغل بآسفي بتنسيق مع وزارة التشغيل العراقية. مشيرة إلى أنه رجع سنة 1983 في عطلة إجازة قصيرة قضاها مع أفراد عائلته الصغيرة، التي تتكون من خمسة أفراد.

 

عمر الوزاني.. المقاتل الواعظ

ينحدر عمر الوزاني من مدينة وزان، وكان مجندا في البداية في صفوف الجيش الفرنسي، ويقاتل لحسابه في الهند الصينية. التحق الوزاني بمصر سنة 1947 مباشرة بعد سماعه بنداء الجهاد الذي وجهه عبد الكريم الخطابي إثر إعلان الأمم المتحدة عن قرار تقسيم فلسطين ليستشهد هناك.

لبى نداء الخطابي متطوعون من العالم العربي والإسلامي بينهم 5 آلاف متطوع من المغرب العربي (ليبيا والمغرب والجزائر وتونس)، كما أكد ذلك علال الفاسي، يقودهم العقيد المغربي المقرب من الخطابي الهاشمي الطود، فشكلوا الكتيبة 13 التي أبلت البلاء الحسن في حرب 1948.

شارك الوزاني في الجبهة المصرية بمنطقة غزة لقتال الإسرائيليين بصحبة مجموعة من المغاربيين المتطوعين تحت إشراف الجامعة العربية، وظل يواصل القتال رغم انسحاب مجموعته إلى أن استشهد.

عرف الوزاني بالدروس التي كان يلقيها أمام رفاقه في رحلة السلاح، وكان واعظا للمجموعة التي كان ينتمي إليها، وقيل إنه كان يقرأ الشهادتين قبل أن يتوجه إلى المعارك التي كان يخوضها.

 

محمد الخامس يلتقي أسرة مغربية الأصول بمخيم اليرموك

زار محمد الخامس فلسطين سنة 1960، وأقسم في رحاب المسجد الأقصى، أثناء زيارته للقدس، على أن يكافح هو وشعبه من أجل تحرير فلسطين، كما قام بزيارة لمخيمات اللاجئين معلنا مساندته للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وفي المؤتمرات المنعقدة على المستوى الجهوي والدولي.

زار محمد الخامس مخيم اليرموك الذي كان يأوي 12 ألف لاجئ فلسطيني نصفهم من الأطفال الذين طردوا من وطنهم، لذا أعلن الملك المغربي قرار بناء مستوصف يعالج المرضى من اللاجئين، وتضمنت الزيارة أيضا كلا من الأردن وسوريا ثم الرياض.

في كتابه «ذكريات من مخيم اليرموك» يتحدث محمود الصمادي عما تختزنه ذاكرته عن هذه الزيارة، فقال: «علمنا من أعيان المخيم أن الملك سيزور المخيم ليضع الحجر الأساس لمستوصف يعالج المرضى من سكان المخيم، ففرحنا فرحا شديدا، وقامت لجنة من شباب المخيم بنصب الزينة والأعلام وأغصان الأشجار في الشوارع التي سيمر فيها موكب الملك، وأحب القائمون أن يمدوا سجادا في شارع فلسطين تكريما للملك وتغطية للتراب والأحجار، إذ لم يكن الشارع قد رصف بعد، وكانت الإمكانيات ضعيفة، فنادى مناد في المخيم يحث من يمتلك سجادة مستعملة أو بساطا أن يمده في الشارع الذي سيمر فيه الموكب، وانتشر سكان المخيم يسوون الطريق، ويفرشونه بالسجاد والبسط منذ فجر يوم الزيارة. وامتدت البطانيات الداكنة فكانت ألوانها مختلفة تعبر عن بساطة اللاجئين. وأذكر أنني كنت أملك سجادتين ـ أحضرتهما عند قدومي من فريضة الحج عام 1958، فقام شباب اللجنة بوضعهما قرب منصة الملك».

ترجل الملك من السيارة وفضل أن يمشي على السجاد المتواضع في شارع فلسطين، وبعد انتهاء الاحتفال وضع الملك حجر الأساس للمستوصف الذي حمل اسمه.

ويذكر أبو إياد الطيب قصة حدثت في ذلك اليوم، حيث أحب الملك بعد الاحتفال أن يزور بيتا من بيوت اللاجئين الفلسطينيين، المقامة تجاه الأرض التي أقيم عليها الاحتفال.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى