شوف تشوف

الرأي

نساء بلا مجد

يونس جنوحي
وصل موضوع النساء العاملات في تهريب السلع عبر سبتة المحتلة إلى العالمية. فقد أفردت له، الأسبوع الماضي، مقالات في عدد من المجلات المتخصصة باللغة الإنجليزية.
باختصار، سجلت المقالات قلقا بخصوص مستقبل النساء وأسرهن بعد قرار تعليق فتح المعبر في وجوه العاملات اللواتي يلجأن إليه يوميا لتمرير وتهريب السلع الإسبانية إلى المغرب. وطبعا، لا حاجة للتذكير بمدى فظاعة وبشاعة الصور التي تلتقطها الوكالات الدولية للنساء للواتي يعملن في هذا النوع من الأنشطة الحاطة بالكرامة.
كان هذا الموضوع الحقوقي أرضية لاشتغال عدد من الحقوقيين والحقوقيات داخل المغرب وخارجه. وبطبيعة الحال، فإن النساء العاملات في التهريب أو «البغلات» كما وصفهن الإعلام الدولي، مشبها وضعيتهن وهن يحملن الأثقال عبر الحدود بوضعية الدواب المسكينة المغلوبة على أمرها، تبقى هشة من الناحية الاجتماعية. إذ إن الحكومة حتى الآن لم تستطع إنهاء معاناة هذه الشريحة، إلا بتفعيل قرار إغلاق المعبر في وجه السلع. وهو ما ينتج عنه، بطبيعة الحال، ارتفاع مهول في أسعار المواد الغذائية المحلية والأجنبية، لأن وفرة السلع في فترة التهريب تجعل الأسعار تنافسية جدا، ليس على مستوى المواد الغذائية فحسب، وإنما أيضا في جل السلع الاستهلاكية بما فيها ماركات الملابس الأوربية، والإسبانية على وجه الخصوص.
بعض النساء العاملات في التهريب اقتربن من إنهاء عقدهن السادس، أي أنهن وصلن سن التقاعد وقضين زهرة حياتهن في خفض أبصارهن إلى الأرض والصبر على التدافع والمعاملات المهينة من حرس الحدود الإسبان، والوقوف تحت الشمس الحارقة طيلة النهار في انتظار السماح بالعبور.
إلى حد الآن، رغم أن المعابر أغلقت في مناسبات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، لم نسمع عن فريق برلماني واحد يفتح باب الحوار مع هذه الشريحة الاجتماعية المغلوبة على أمرها، أو يضع مشاريع قوانين من شأنها إنصافهن على الأقل أو إدماجهن في سوق الشغل بطريقة تُنهي مأساة التدافع التي وصلت إلى العالمية وصارت حديث الحقوقيين الأجانب.
في بعض المناطق التي تعرف بالأنشطة الزراعية أو إنتاج المواد والسلع التقليدية، غيّرت التعاونيات حياة النساء وصرن المعيلات الوحيدات والرسميات لمئات الآلاف من الأسر، خصوصا في مجال إنتاج الزرابي والزيوت الطبيعية. لكن في المنطقة الحدودية، ليست هناك أنشطة يمكن أن تزاولها عشرات الآلاف من النساء اللواتي يشتغلن في تهريب السلع ويعشن من عائدات إعادة بيعها في السوق السوداء. وفي سبيل ربح ما يعادل الحد الأدنى للأجور، يضطررن للعمل لساعات طويلة جدا، وتحمل ثقل تنوء به الجبال، لكي يتمكنّ في الأخير من العودة إلى المنازل بالطعام للأطفال الجياع.
الانتقال للعيش في مليلية أو سبتة المحتلتين، يبقى خيارا لفئة محدودة من مغاربة المنطقة، خصوصا بالنسبة للذين يلجؤون الآن إلى جمعيات لكي ينشئوا ملفا طبيا لمتابعة العلاج على أيدي الإسبان، ويستغلون وجودهم هناك خلال فترة العلاج، لكي يقرروا البقاء مدى الحياة.
ملف هذه الشريحة الاجتماعية يجب أن يجد طريقه إلى الحل في أقرب وقت، ما دامت آلاف الأسر اليوم تعيش تحت رحمة قرارات إغلاق وفتح المعابر في وجه العموم للعبور من وإلى سبتة المحتلة. ولن تستطيع البلاغات والابتسامات ولغة الخشب محو المرارة التي تتركها صورة سيدة، في عمر الجدات، تظهر بحجم النملة وهي تحمل فوق رأسها كومة من السلع المهربة والأغطية لإعادة بيعها لأبناء الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى