شوف تشوف

الرأي

نداء الحسن

حسن البصري
كلما حلت ذكرى المسيرة الخضراء، إلا ونبش الراسخون في التاريخ والجغرافيا في أوراقها السياسية، وأعادوا إلى الأذهان صورة لطالما تراقصت أمام عيوننا، رجال ونساء يعبرون الصحراء زادهم ماء وغذاء وقرآن وتعبئة إصرار تقيهم من لسعات شمس كانت رحيمة بضيوفها. ساد الاعتقاد أن المسيرة شأن السياسيين أو هكذا تم التسويق للحدث.
شارك والدي في المسيرة الخضراء، كان ينقل بشاحنته الجنود من ثكنة الدار البيضاء إلى مقر تجمع متطوعي العاصمة في عين السبع، لم يكن يعلم شيئا عن المسيرة سوى أنها رحلة جماعية لاسترجاع الصحراء، كان يصر على أنها سلمية حتى وهو ينقل يوميا العساكر من ثكنة وسط المدينة، لكنه تشبع خلال هذه المدة بالسياسة وأصبح يتحدث عن لاهاي ويعرف اسم فرانكو.
في كل الأحداث يقول المحققون «ابحث عن المرأة»، ونحن نقول «ابحث عن الكرة»، ففي المسيرة الخضراء كانت المستديرة المجنونة حاضرة دون أن تثير انتباه رجال السياسة والجيش والداخلية.
لعب رئيس الوداد عبد الرزاق مكوار دورا كبيرا في كواليس الحدث، رابط الرجل في مطبخ محكمة لاهاي بهولندا، حين عينه الحسن الثاني سفيرا للمغرب في هذه المدينة التي اشرأبت إليها أعناق المغاربة والإسبان والموريتانيين والجزائريين، إلى أن أعلنت محكمة العدل الدولية رأيها في الملف يوم 16 أكتوبر، حيث أقرت بمغربية الصحراء.
لأول مرة يخرج رئيس الوداد الجماهير إلى الشارع للاحتفال بانتصار خارج المستطيل الأخضر، عين مكوار خلية للترويج للطرح المغربي، ونجح في مهمة تسويق القضية، لأنه شغل لمدة طويلة مهمة «مدير مكتب التسويق والتصدير»، مع فرق شاسع في نوعية السلع المسوقة، وراهن على الرياضة لتقريب الروابط بين المغرب والصحراء والمغرب وهولندا، فقد استدعى فرقا هولندية لزيارة الوداد ومواجهة الوداد البيضاوي.
ظل مكوار يتردد على الرباط لإبلاغ الملك بأدق تفاصيل المفاوضات، وينتشل مساحة زمنية من وقته لمتابعة مباريات فريقه الوداد، وفي لحظة بوح يسرب لرفاقه بعض الإشارات المطمئنة من ملف سري، بل إن الرجل كان وراء فكرة إجراء مباراة افتتاحية بالعيون جمعت بين المولودية الوجدية وشباب المحمدية، أي بين بطلي الدوري والكأس، وهي المواجهة التي كان لها إشعاع كبير على المستوى العالمي والمحلي.
رئيس الرجاء البيضاوي السابق المعطي بوعبيد شارك في المسيرة الخضراء وهو نقيب للمحامين، توجه إلى مقر التسجيل وانضم إلى المتطوعين ولم ينكشف أمره إلا في مدينة طرفاية، حيث دعي للانضمام إلى الموكب الرسمي، بعد أن عاش لأيام حياة المخيم.
في نقطة التجمع بطرفاية، كانت البطلة شريفة المسكاوي تؤطر المتطوعات التابعات لإقليم الجديدة، وهي حينها موظفة في وزارة الشباب والرياضة. نظمت لهن مع مطلع كل صباح حصصا رياضية قبالة البحر، حيث كانت الفتيات يركضن على رمال شاطئ طرفاية، ويبللن أجسادهن في مياه البحر بعد الانتهاء من التداريب، بينما يختلس الرجال نظرات جائعة من بعيد. ولأن شريفة كانت ملتزمة بموعد رياضي كبير، فقد استغلت الفرصة للاستعداد لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت في الجزائر، وكانت تركض يوميا على شاطئ طرفاية، وهي تعلم أن عين الجزائر على الحدث السياسي وقلبها على الرياضي. كانت فاطمة لعويسي، المشجعة الشهيرة للدفاع الحسني الجديدي، حاضرة في المسيرة الخضراء، فقد استغلت توقف الدوري لدواعي سياسية، وأعلنت نفسها مناصرة لمباراة ليست ككل المباريات، وحين تحقق الانتصار خارج القواعد احتفظت بوسام المسيرة، الذي لا يغيب عن صدرها حتى في مدرجات ملاعب الكرة.
بعد مرور عقدين من الزمن على المسيرة، قرر الحسن الثاني خلق فريق يحمل هذا الاسم، فتحول فريق القوات المساعدة إلى «شباب المسيرة» وغير مقر سكناه من ابن سليمان إلى العيون، تألق الفريق لكنه عجز عن مجاراة الكبار وانتهى به الأمر مفقودا في الصحراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى