جانبي فروقـة
يبلغ عدد سكان العالم اليوم 8.1 ملايير نسمة، ويتوقع أن ينمو في عام 2030 إلى 8.5 ملايير نسمة، وأن يصل إلى 9.7 ملايير في 2050، وهذا بدوره يعني الحاجة المتزايدة إلى الطاقة والغذاء، ويكفي أن نعرف أن استهلاك الفرد للغذاء في إفريقيا يقدر بـ541 كيلوغراما في العام الواحد، وهو أقل 31 في المائة من الاستهلاك السنوي للفرد للغذاء في أوروبا، و37 في المائة من الفرد في أمريكا، علاوة على ذلك لدينا اليوم، حسب برنامج الأغذية العالمي، حوالي 345 مليون جائع في العالم.
وتشير أحدث التقارير من S&P Global Commodity Insights إلى أن الطلب على النفط في عام 2030 سيرتفع بنحو 7 ملايين برميل يوميا، ليصل إلى 109.3 ملايين برميل يوميا، قبل انخفاض طفيف في النصف الأخير من ثلاثينيات القرن الحالي، مع انخفاض النفط إلى 100.8 مليون برميل يوميا في عام 2050.
اعتمدت الأمم المتحدة في عام 2015 سبعة عشر هدفا للتنمية المستدامة، هي القضاء على الفقر، تأمين حياة صحية ورفاهية، تأمين تعليم جيد وشامل للجميع، المساواة بين الجنسين، تأمين مياه نظيفة وصحية، تأمين طاقة نظيفة وبأسعار معقولة ومستدامة، وتعزيز النمو الاقتصادي والمستدام وخلق فرص عمل، وتشجيع الابتكار والصناعة والبحث والتطوير، وخفض عدم المساواة بين البلدان، وخلق مجتمعات ومدن مستدامة، وتشجيع أنماط الإنتاج والاستهلاك المسؤولة والمستدامة، ومعالجة قضايا التغير المناخي، والحفاظ على المحيطات واستدامة استخدام الموارد البحرية، وتأهيل النظم البيئية للإدارة المستدامة للغابات ومكافحة التصحر، وإرساء السلام العادل وتعزيز دور المجتمعات السلمية، وتنمية الشراكات لتحقيق الأهداف من أجل التنمية المستدامة.
تعتبر أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة SDGsخريطة طريق طموحة لمعالجة التحديات العالمية، وبمعنى آخر إطارا عالميا، وفي عالمنا المترابط اليوم ازداد إدراك الدول بمؤسساتها والشركات العابرة للقارات والخاصة، أهمية دمج ومواءمة مبادئ أهداف التنمية المستدامة في خططها الاستراتيجية، وينبع هذا التحول من فهم متزايد للترابط بين العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG)) والنجاح التجاري طويل الأجل، من خلال خلق قيمة مشتركة وفاعلة للمشاركة في التنمية المستدامة، وتعزيز سمعة الشركات ومساهمتها في تخفيف المخاطر. وهكذا بزغ اليوم مفهوم الـESG كإطار لقياس الإدارة غير المالية للشركات، وهو إطار يوائم استراتيجيات ESG الخاصة بالمؤسسة أو الشركة مع أهداف التنمية المستدامة، وهذا لن يمكن الشركات من المساهمة في مستقبل أكثر استدامة فحسب، بل سيمكنها أيضا من تعزيز قدرتها التنافسية وربحيتها طويلة الأجل، فمن خلال إظهار التزامها بالاستدامة، يمكن للشركات جذب المواهب والاحتفاظ بهم، وبناء الثقة مع العملاء، والحصول على ميزة تنافسية في سوق يزداد فيه الاهتمام بالاستدامة والمساهمة في بناء عالم أكثر عدلا وازدهارا. واليوم نجد كبرى الشركات العالمية مثل «أبلApple » بدأت اعتماد مبادرات عديدة لتحقيق أهدافها في الالتزام بمعايير عالية لممارساتها في العمل والبيئة، ومنها التحول لمصادر طاقة بديلة متجددة مثل، الرياح والطاقة الشمسية وتحسين كفاءة الطاقة المستخدمة والاستثمار في إعادة التدوير وإعادة استخدام المواد في منتجاتها.
مع النمو السكاني المتزايد هناك طلب متزايد على الغذاء والوقود والموارد الطبيعية (ماء وتربة وأشجار)، وسيحتاج العالم في عام 2030، في حال عدم اتخاذ خطوات جريئة لزيادة كفاءة الأراضي الزراعية، إلى أراض زراعية إضافية تعادل مساحة البرازيل، حيث يقدر تقرير لماكينزي أن احتياج العالم لأراض زراعية إضافية سيصل إلى 70 ـ 80 مليون هكتار بحلول 2030، وفي حال فشل البشرية بتحويل الأراضي المقفرة (غير الصالحة للاستخدام) إلى زراعية في ضوء التغير المناخي، فإن البشرية ستحتاج إلى 110 ملايين هكتار. ويعود هذا الارتفاع الكبير في الحاجة إلى الأراضي الزراعية، حسب ماكينزي، إلى ثلاثة عوامل رئيسية ـ قد يمثل إنتاج المواد الخام للماشية من أعلاف وغيرها حوالي 70 في المائة من جميع الأراضي الزراعية الإضافية المطلوبة بحلول عام 2030، ويمثل إنتاج المحاصيل للاستهلاك البشري حوالي 20 في المائة، ويمثل إنتاج الوقود الحيوي حوالي 10 في المائة المتبقية.
وحسب منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة، فإن زيادة إنتاجية (غلة) المحاصيل الزراعية عالميا بقيت ثابتة نسبيا منذ عام 1990، مع أنه بين عامي 1960 و2000 زادت إنتاجية المحاصيل (الغلة) بنسبة خمسة أضعاف، نتيجة استخدام التكنولوجيا الحديثة في الري والأسمدة وغيرها، واليوم على سبيل المثال تزرع الصين حجم الأراضي الزراعية نفسه في أمريكا من الذرة، ولكن إنتاجيتها أقل بثلثين من إنتاج أمريكا من الذرة، ورفع كفاءة إنتاجية الأراضي الزراعية في الصين للذرة وحدها سيقلل الحاجة إلى الأراضي الزراعية الإضافية في عام 2030 بنسبة 10 في المائة. لذلك هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ الإجراءات بتحسين كفاءة استخدام الأراضي وزيادة العائد (الإنتاجية والغلة) في الزراعة، باستخدام التقنيات والتكنولوجيا الحديثة الذكية والحفاظ على الغابات وتقليل هدر الطعام وتحسين سلاسل توريد الأغذية، ويكفي أن نعرف أن الأمريكيين وحدهم يهدرون ما يقرب 40 في المائة من الطعام المستهلك، حيث يصل إلى 119 مليار باوند (ما يعادل 54 مليار كلغ) من الطعام، وهذا يعادل 130 مليار وجبة يتم رميها في القمامة. وحسب الأمم المتحدة، فهناك عواقب اقتصادية لهدر الطعام بالإضافة إلى التأثير البيئي، حيث إن هدر الطعام عالميا سنويا يصل إلى تريليون دولار (ألف مليار دولار).
نافذة:
في عالمنا المترابط اليوم ازداد إدراك الدول بمؤسساتها والشركات العابرة للقارات والخاصة أهمية دمج ومواءمة مبادئ أهداف التنمية المستدامة في خططها الاستراتيجية