أثار الاستقبال الذي خص به الملك محمد السادس مؤخرا بالقصر الملكي بالدار البيضاء، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد الشيخ الغزواني، اهتماما واسعا مغاربيا وقاريا وعالميا، وقد أجمعت عدة شخصيات موريتانية ومغربية على أهمية هذه الزيارة وأثرها الإيجابي على تعزيز العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين.
هناك إجماع على أن علاقة البلدين ضاربة في التاريخ وفي وجدان الشعبين، رغم أنها تتأثر بين الفينة والأخرى بمكائد بعض القوى التائهة، بل إن أغلب الأطر الكبرى للدولة الموريتانية وكوادرها الفكرية تخرجوا من جامعات ومعاهد مغربية، بل إن جمعية الموريتانيين من خريجي المعاهد المغربية، أكدت أن سبعين في المائة من أطر موريتانيا تخرجوا من مؤسسات تكوينية مغربية. هناك ثلاث رؤساء موريتانيا تخرجوا جميعهم من الأكاديمية العسكرية بمكناس وهم: علي ولد محمد فال، محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، إضافة إلى ثلاثة وزراء أولين والعشرات من الوزراء والمستشارين والأساتذة والعلماء والأدباء والمثقفين والأطباء..
منذ استقلال المغرب سنة 1956، ظلت موريتانيا حاضرة في نقاش الاستقلال، خاصة بعد تأكيد علال الفاسي، بأن المغرب يحد جنوبا بالسنغال وشرقا بالجزائر وغربا بالمحيط الأطلسي وشمالا بالأبيض المتوسط، وتجسد ذلك بشكل كبير في خطاب الملك محمد الخامس في محاميد الغزلان. وبعد جلوس الحسن الثاني على العرش أبدى موقفا مخالفا، مشيرا إلى امتداد النفوذ السياسي الذي كان يتمتع به السلاطين المغاربة بالمناطق الصحراوية الجنوبية.
هذا الوضع شجع العديد من الكفاءات الموريتانية على تبني الطرح الأول، فاختار الكثيرون الاستقرار في المغرب وتقلدوا مناصب قيادية في الكثير من القطاعات، دون أن يقطعوا الصلة مع مسقط رؤوسهم.
لقاء مع محمد الخامس ينتهي بتعيين محمد المختار ولد أباه مديرا للإذاعة
ولد محمد المختار ولد محمد فال ولد اباه يوم 4 مارس 1924 في ضواحي مدينة بوتلميت شرق العاصمة نواكشوط. بدأ الفتى مسيرته التعليمية بالقرآن الكريم، حصل على شهادة الدروس الإعدادية من مدينة بوتلميت سنة 1951، ثم نال شهادة الثانوية العامة في مدينة سان لويس بالسنغال، كما حصل على الإجازة في الآداب من جامعة محمد الخامس بالرباط عام 1962. وفي السنة ذاتها تخرج من نادي الطيران بالرباط، ثم حصل الدكتوراه من جامعة السوربون.
في سنة 1957 قرر الذهاب للمغرب مع مجموعة من دعاة الوحدة والاندماج، وذلك ما جعله يخضع للاعتقال قرابة سنتين عندما رجع لموريتانيا بعد الاستقلال. تمكن من العودة للمغرب فسافر مع الملك محمد الخامس في رحلته إلى المشرق العربي عام 1960.
قرر الرئيس المختار ولد داداه أن يستفيد من معارفه الفكرية وتجاربه العلمية، فأسند له مهمة إصلاح التعليم وتكوين الأجيال، كما أصبح عضوا في البرلمان الموريتاني ورئيسا للجنته الخارجية عام 1975، إلا أن عين في اليونسكو مستشارا ثقافيا مقيما في المغرب ومكلفا بمشروع إنقاذ مدينة فاس التاريخية سنة 1979.
في عيد الأضحى من سنة 1960، شهد القصر الملكي بالرباط مراسيم حفل تقديم التهاني للملك محمد الخامس سيلفت نظر مولاي أحمد العلوي وسيقترحه لمنصب مدير للإذاعة الوطنية.
في مذكراته يتحدث محمد بن ددوش المدير السابق للإذاعة، من خلال “رحلة حياتي مع الميكروفون”، عن هذه اللحظة التاريخية فيقول:
“كان أحمد العلوي وزيرا للأنباء، وخلال حفل تقديم التهاني بقاعة العرش في قصر الرياض بالعاصمة، وعندما تقدم المختار ولد أباه للسلام على محمد الخامس وتهنئته بالعيد، شوهد أحمد العلوي وهو يهمس في أذن الملك، ويشعره بأنه ارتأى اختيار ولد أباه مديرا جديدا للإذاعة الوطنية خلفا للمنجرة، وكذلك كان”.
في السادس من يونيو 1960 استقبل الملك محمد الخامس المختار ولد أباه، وعينه رسميا مديرا للإذاعة، وخاطبه قائلا: “فخور بتعيين شخصية موريتانية جاءت إلى المغرب يحدوها روح الوفاء للتاريخ”.
لم يدم في منصبه طويلا وظل يعيش بين نواكشوط والرباط، وحين عاد إلى المغرب تفرغ للتدريس في دار الحديث الحسنية، كما شغل منصب مكلف بمهمة في الديوان الملكي، وفي سنة 2015 عينه الملك محمد السادس عضوا في المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ورئيسا لفرعها في موريتانيا.
توفي يوم الأحد 22 يناير 2023 بالعاصمة الموريتانية نواكشوط بعد وعكة صحية، ودفن مع في مقبرة لميلحة بقرية النباغية، حيث مسقط رأسه في ضواحي مدينة بوتلميت. وقد نعاه عدد من الملوك والرؤساء وقادة الدول، وبعث ملك المغرب محمد السادس وفدا لمواساة عائلته، وتقديم العزاء لها.
فال ولد عمير..أيد أطروحة مغربية موريتانيا ولازالت وفاته لغزا محيرا
أعلن فال ولد عمير إلى جانب قياديين موريتانيين، مساندتهم لمغربة موريتانيا أملا في تحريرها من الفرنسيين، وهو ما حوله إلى معارض حقيقي للرئيس المختار ولد دادة، إلى جانب حرمة ولد بابانة والداي ولد سيدي بابة ومحمد المختار ولد اباه.
ظل فال يناضل من أجل حرية موريتانيا إلى أن قرر العودة إليها سنة 1963، رغم معارضة حرمة للقرار، كما عارضه الحسن الثاني الذي رفض الإذن له ورفاقه بالمغادرة، ثم أذن لهم بعدها. قال حرمة لفال: “إن الموت ينتظركم”، وهو ما كان حيث قضى ولد عمير في السجن والإقامة الجبرية، بسبب الإهمال وسوء المعاملة والتهاون في علاجه من المرض، وقالت بعض الروايات إن وفاته ظلت لغزا محيرا.
نقل الباحث الموريتانى سيد أعمر ولد شيخنا معلومات بالغة الأهمية عن مصير الرجل المعارض لنظام المختار ولد دادة محمد فال ولد عمير، تؤكد وفاته في معتقله قبل نقله إلى السينغال في حالة بالغة الخطورة.
ونقل ولد شيخنا عن السفير الفرنسى الأسبق بموريتانيا “منيو” قوله إن المختار ولد دادة كان قلقا من اندلاع حرب أهلية بالبلد فور الإعلان عن وفاة المعارض محمد فال ولد عمير. “في نفس الليلة طلبت موافقة الرئيس السينغالي سينغور لقبول نقل الجثمان إلى السنغال، وتم إيقاظ الأطباء العسكريين في سان لويس باعتبارها الأقرب إلى موريتاتيا. وفي الصباح الباكر انتظموا لنقل الجثمان في طائرة صغيرة، حيث أعلن المستشفى أن المريض وصل في حالة حرجة وتوفي هناك، وقد تم الإعلان عن موته بعد مضي 24 ساعة على وفاته وبذلك تم تفادي الحرب الأهلية “.
كشف كتاب “موريتانيا المعاصرة شهادات ووثائق” لمؤلفه سيد أعمر ولد شيخنا، تفاصيل المؤامرة التي تعرض لها محمد فال ولد عمير خلال فترة حكم الرئيس الراحل المختار ولد دادة، والطريقة التي تم بها إلصاق تهمة التخطيط لانقلاب عسكري ضد الرئيس.
يقول السفير الفرنسي في نواكشوط “جان فرانسوا منيو”، في مذكراته “العمر السابع” إن السلطات المغربية احتجت لدى نظيرتها الفرنسية على المعاملة السيئة التي يلقاها مجموعة من الموريتانيين الذين عاشوا في كنف المغرب. بعد عودة ولد عمير إلى نواكشوط، زاره في قيادة أركان الدرك، شقيقه الذي قال: “لقد تبين لي أن وضعيته المرضية خطيرة، وحين خرجت من عنده التقيت ببعض رفاقه يريدون زيارته لكن السلطات رفضت. عدت صباحا وقد أخبرني حراسه أنه نقل منتصف تلك الليلة إلى دكار، ولم ألتق به منذ مغادرته إلى دكار”.
رفضت السلطات الموريتانية دفنه في بلدها، لكن أمام حالة الاحتقان حيث تظاهرت الجالية الموريتانية أمام مقر السفارة في دكار وهددت بهدمها، فوافق المختار على تنفيذ وصية فال بدفنه في مقبرة “تندكسمي”، بعد معركة طويلة بعد يوم عن وفاته في الثامن من ماي 1965.
ونظرا لمكانته لدى الملك الحسن الثاني، فقد أطلق اسمه على شارعين في العاصمة الرباط والدار البيضاء.
محمد ولد بوعماتو..الملياردير الذي اختار مركش منفى اختياريا
ظل رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو محدقا في محاوره، مطاردا في تحركاته بموريتانيا والسينغال والمغرب. كان متهما بتمويل السياسيين وقادة المجتمع المدني الموريتاني. أصدرت السلطات أكثر من مذكرة توقيف ضده بتهمة الفساد. وحسب المحيطين بالرئيس فإن الرجل متهم بزعزعة استقرار موريتانيا.
لكن بوعماتو يقول: “لقد مولت العديد من الحملات الانتخابية في موريتانيا وأنا أؤيد المعارضة الديمقراطية كقادة للمجتمع المدني، وأولئك الذين يتهمونني بالخيانة، كانوا يعتبرون تمويلي لحملتهم يوما ما عملا وطنيا. هل يتصورون أن تأييدهم حلال ودعم معارضتهم حرام”.
بلغ العداء ذروته بين ولد عبد العزيز وولد بوعماتو كانا حليفين قبل العداوة. فهما ينتميان إلى نفس القبيلة الكبيرة، أولاد بسبع. يبرر أحد مقربي بوعماتو هذا الدعم بكون ولد عبد العزيز وعد بوعماتو بإرساء سيادة القانون وتحرير قطاع الأعمال وإقامة نظام اقتصادي مماثل لنظام دبي.
تحولت العلاقة إلى حالة من العداء عندما قرر رئيس موريتانيا حرمان بنك بوعماتو من عدد من المعاملات، فانتقل رجل الأعمال إلى مدينة مراكش في عام 2011. وهو يعرف هذه المدينة جيدا حيث تعود على الإقامة مع برنارد هنري ليفي. وقد تنقل منذ ذلك الحين بين المغرب وأوروبا، وخاصة في بروكسل حيث يستقبل زواره في جناحه بالفندق.
ولد بوعماتو مولود في 3 دجنبر 1953 في عائلة متواضعة. والده كان تاجرا يتنقل في شاحنة قديمة بين موريتانيا والمغرب قبل أن يتوفي في يوليوز 1973، وترك أرملة وعشرة أطفال في أسرة تواجه صعوبة في تلبية احتياجاتها. فعمل بوعماتو في وظائف عديدة من بينها تقديم دروس الرياضيات ليلا بينما تعلم المحاسبة في دروس مسائية مع محاسب فرنسي قديم.
في عام 1982، بدأ التنفيذي الطموح عمله الخاص فأنشأ مخبزا تحول إلى شبكة مخابز وكانت تسير على ما يرام لكنه كان يسعى إلى أكثر، حيث دخل سوق السجائر مع شركة فيليب موريس ويبدأ رحلة الصعود السريع في جميع أنحاء أفريقيا.
حصل بوعماتو على دعم الرئيس معاوية ولد الطايع وشقيقه أحمد ولد الطايع، شريك بوعماتو في مجال الأعمال التجارية. في عام 1995، أنشأ بنكه الخاص، ومع شقيقه أنشأ كذلك شركة للتأمين، وفي عام 2000، شارك في تأسيس شركة “ماتال”، وهي أول شركة للهاتف النقال في موريتانيا، بالشراكة مع شركة تونس تليكوم. وبعد ست سنوات أطلق الخطوط الجوية الموريتانية مع شريك تونسي والدولة.
انفجرت العلاقات بين بوعماتو واعل ولد محمد فال عندما كان رئيسا لموريتانيا. ومن مراكش إلى بروكسل ظل الرجل يشكل قلقا للموريتانيين لكن المغرب أبلغ السلطات الموريتانية بأن المليونير ولد بو عماتو، لم يعد موجودا في المغرب منذ فترة، وذلك بعد سنوات من اختياره لمدينة مراكش كمنفى اختياري بعد خلافه مع محمد ولد عبد العزيز.
الداي ولد سيدي بابا.. رئيس البرلمان المغربي وشقيقه وزير في الحكومة الموريتانية
يعتبر الداي ولد سيدي بابا، المزداد في مدينة أطار الموريتانية عام 1921، ظاهرة سياسية، فقد تلقى تعليمه في مسقط رأسه، وتقلد العديد من المناصب الكبرى في بلدين: موريتانيا والمغرب
حين حصل المغرب على الاستقلال حل الداي بالمغرب وتحديدا في سنة 1958، حيث عين مستشارا في وزارة الشؤون الخارجية ورئيس قسم إفريقيا في هذه الوزارة ما بين 1959 و1960، قبل أن يعينه الملك الحسن الثاني سفيرا للمغرب في كثير من الدول كجمهورية غينيا والسعودية وممثلا للمغرب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برتبة سفير، ثم مندوبا دائما للمغرب لدى الأمم المتحدة، قبل أن يقربه الملك أكثر في منصب مدير للديوان الملكي ويدخله الحكومة كوزير للأوقاف والشؤون الإسلامية ثم وزيرا للتعليم.
كان الرجل يؤمن بأن موريتانيا هي امتداد ترابي للمغرب، وظل مساندا للمغرب في صراعه مع الإسبان والجزائريين، بل إنه عين رئيسا للبرلمان المغربي، فتحول إلى قيادي في حزب التجمع الوطني.
بعد وفاته كرمه ابن عشيرته محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين، وأطلق اسمه على إحدى قاعات مجلس النواب، في محاولة لإعادة الاعتبار لأسرة هذا الرجل المتوفي سنة 1993، والذي كان شقيقه محمد ولد سيدي بابا يتولى في نفس الفترة، أي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات منصبا وزاريا في حكومة الرئيس الموريتاني ولد داداه.
فرقت السياسة والحدود عائلة ولد سيدي بابا، لكن صلات الدم والعلاقات الإنسانية بقيت صامدة، فحين كان الداي ولد سيدي باب الذي كان يشغل منصب رئيس البرلمان المغربي، كان شقيقه أحمد ولد سيدي بابا وزيرا في الحكومة الموريتانية.
ورغم أن الداي ولد سيدي بابا كان ابن عم الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع فقد تقلد أرقى المناصب في المغرب بعد أن مُنحت له الجنسية المغربية، وتدرج في عدة مناصب من مدير للديوان الملكي إلى سفير بالأمم المتحدة ثم وزير للتعليم ورئيس لمجلس النواب المغربي لعدة ولايات.
حرمة ولد بابانا..بسبب حبه للمغرب الإذاعة الموريتانية ترفض إذاعة خبر وفاته
منذ أن أعلن أحمد حرمة ولد بابانا الموريتاني عن مساندته لمغربة موريتانيا، فتح الرجل على نفسه جبهات مع رفاق الأمس، فقرر الاستقرار في المغرب إلى جانب محمد فال ولد عمير والداي ولد سيدي بابا ومحمد المختار ولد اباه، إلى غاية سنة 1963، تاريخ العودة إلى موريتانيا.
حصلت موريتانيا على استقلالها في منتصف الستينات، بفعل نضال جيش التحرير الذي أنشأه حرمة ودعمه محمد الخامس، حينها اعتزل حرمة السياسة وظل يتردد على المغرب الذي اعتبره بلده الثاني، من أجل إتاحة الفرصة للمغرب من أجل الاعتراف بموريتانيا حيث كان مستبعدا أن تعترف به ما دام حرمة مقيما في المملكة، وأعلن في لقاء مع الحسن الثاني ولاءه التام للمغرب، وفي ذات المقابلة طلب حرمة من الملك إرساله إلى السعودية التي قرر الاستقرار بها. في لقاء جمع الرجلين شكر الحسن الثاني الشيخ الموريتاني على دوره الكبير في اعتناق الرئيس الغابوني السابق عمر بانغو للإسلام.
حكم على أحمد حرمة غيابيا بالإعدام، قبل أن يقرر الرئيس المختار ولد دادا تحويله إلى السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة ثم عفا عنه، لكنه لم يعوضه شيئا رغم مطالباته بذلك، تلك المطالبة التي تجددت بعد الانقلاب 1978م. بل إن النظام الحاكم رفض إذاعة بلاغ وفاته في الإذاعة الموريتانية التي قال مديرها آنذاك إن “حرمة مغربي وعدو للوطن وخائن له ولن ينعى في الإذاعة”.
. سبب هذا الموقف العدائي الطارئ الذي لم يظهر إلا بعد وفاة الوالد الذي كان الجميع يغازله و يزوره و يتظاهر له بالود وهو على قيد الحياة. نفس السلطات التي تعاملت مع وفاته بهذه الدونية هي التي كانت أوفدته ليتدخل لدى المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني ليساعد موريتانيا من أجل الخروج من حرب الصحراء وقد استجاب الملك لوساطته.
بعد وفاة حرمة انتقل ابنه الشيخ المختار إلى الغابون للاشتغال في مجال الطب، بعد منعه من فتح عيادة في نواكشوط، واستغل الولد العلاقة القديمة مع عمر بانغو، لكن الحسن الثاني طلب منه القدوم و الاستقرار بالمملكة المغربية ففعل.. وبعد وصوله إلى المغرب استقبله الملك ورحب به وأبدى استعداده لكل ما يساعدني في القيام بالدور الذي كان يقوم به والده وفيما يتعلق برعاية الأسرة.
ولم يقتصر الأمر على محمد الخامس والحسن الثاني، بل إن نقلت مصادر مقربة من الدكتور والوزير الموريتاني الشيخ ولد حرمة ولد ببانا، قد أكد أن العاهل المغربي الملك محمد السادس قد استدعى ولد حرمه الذي يوجد في المغرب في فترة نقاهة بعد إجرائه لعملية جراحية بمرسيليا في فرنسا وتكفل بجميع تكاليف علاجه.
سادية.. زوجة ولد الطايع سفر بين نواكشوط والرباط وبيروت
حين مد الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع يده للمغرب، وزار أغلب مدنها، فإن الفضل يرجع أيضا لزوجته اللبنانية سادية كامل، التي كانت لها علاقات نافذة في المغرب خاصة وأن أفراد أسرتها يعدون من رجال الأعمال اللبنانيين، إلى درجة أن بعض الأخبار تتحدث عن إيفاد الرباط فريق تحقيق للبحث في خفايا موتها بصعقة كهربائية، بل إن والدتها التي كانت مقيمة في لاس بالماس ماتت بدورها بعيدة عن موريتانيا..
تميزت سادية بمواقفها الليبيرالية، بل إن الرئيس ولد الطايع كان محرجا من خرجاتها التي وجدت معارضة في الوسط الموريتاني المحافظ.
“لم تكن سادية كامل مجرد زوجة للرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، بل كانت مدبرة شؤون دولة أكثر منها مدبرة منزل، حيث انزوت بالرئيس معاوية ولد الطايع مبعدة إياه عن بطانته، وشهدت موريتانيا تطورا ملحوظا من حيث الاستقرار والسيادة وهيبة الدولة خلال السنوات التي قضتها الراحلة سادية كامل مع زوجها الرئيس ولد الطايع في سدة الحكم”، حسب كتابات صحافية.
قضيت سنوات طويلة في المغرب وزارت طنجة وافتتنت بمراكش والرباط، ونسجت علاقات متينة مع المجتمع المغربي. لكن لم تكن وفاة سادية كامل وفاة طبيعية، فتماس كهربائي بأعمق مكان في حمام بيت رئيس الجمهورية ولمدة عشر دقائق متواصلة، يوحي أن الأمر غير عادي.
قد يكون المستهدف هو الرئيس نفسه، خصوصا أن التوقيت الذي وقعت فيه الحادثة كان من المفترض أن يكون فيه الرئيس داخل الحمام، تمهيدا لخروجه إلى المكتب. ورغم جسامة الحدث لم تعلن رئاسة الدولة عن فتح تحقيق حول الموضوع واعتبرته حادثا عرضيا، مكتفية بإعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام على الراحلة سادية كامل، بينما ساد غضب في الرباط. بعد الوفاة قام المغرب بإحباط انقلاب عسكري ضد الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الذي كان حليفا وصديقا للمغرب. فخلال فترة تولي معاوية لحكم البلاد، عرفت العلاقات انتعاشا كبيرا بين الجارين، حيث كانت تربط معاوية علاقات متميزة مع الراحل الحسن الثاني، نتج عن ذلك إعلان تأسيس اتحاد المغرب العربي في مراكش سنة 1989.
حين قرب سلاطين المغرب الأديب الموريتاني محمد البيضاوي أمانة الله
محمد البيضاوي أمانة الله عالم موريتاني مغربي، جمع بين الإبداع الأدبي والعبقرية السياسية، يعد من العلماء والأدباء الموريتانيين الذين ذاع صيتهم في البلدان العربية حين هاجروا أيام وطأة الاستعمار الفرنسي أوائل القرن الـ20. توفي عام 1945.
هاجر إلى المغرب وعمره لا يتجاوز 16 عاما، نال البيضاوي ثقة العلويين داخل المملكة المغربية بنباهته، فتقلد فيها عدة مناصب إدارية، وأتقن الفرنسية وعشق أدبها واهتم بتقوية ثقافته الغربية حتى أعجب به الفرنسيون فحضروه ليتولى إقليم موريتانيا حينها ورشحوه لتمثيله في البرلمان الفرنسي.
شارك في مختلف الأنشطة السياسية والفكرية والأدبية بالمغرب، فكان خطيبا ومدرسا في جامع طنجة الكبير ثم قاضيا ومحررا وناشرا في جريدة “السعادة” الرسمية حتى ارتقى إلى منصب باشا مدينة تارودانت جنوب المغرب.
وكانت مدن المغرب أبرز محطاته الدراسية حين حظي لدى وصوله مراكش عام 1908 مع أبناء عمه باستقبال جيد واهتمام بالغ من السلطان مولاي عبد الحفيظ، الذي أعجب بالوفد أيما إعجاب فأكرمه، انتقل مع السلطان إلى مدينة فاس ليتابع فيها دراسة بعض المتون في الفقه والأدب واللغة.
بعد بسط الحماية الفرنسية، التحق الأديب الموريتاني بالأزهر الشريف وجاوره لمدة عامين قبل أن يعود لمدينتي طنجة وتطوان لتعلم اللغة الفرنسية. بايع البيضاوي ثلاث سلاطين مغاربة أولهم السلطان مولاي عبد الحفيظ، الذي لازمه تقريبا عقدا من الزمن وكان كاتبه الخاص وأمين خزينته، وقد رثاه عند وفاته بقصيدة مشهورة، وأيضا السلطان مولاي يوسف، الذي نظم قصيدة في تهنئته عند توليه السلطة، ثم محمد الخامس.
وفي مدينة وادي زم يصادفك زقاق يحمل اسم القاضي الشنقيطي، كما يعرف الوادزميون القدامى رياضا يحمل نفس الاسم، وفي تارودانت يوجد ممر يطلق يؤرخ لعبور هذا الرجل من حاضرة سوس العتيقة لكن بصفته باشا.
قضى الشنقيطي فترة في وادي زم، حين عين قاضيا على المنطقة في نهاية العشرينات، واشتهر أكثر حين قام بالتوسط للإفراج على دانيال زوبياغا، الذي كان مختطفا لدى إحدى القبائل الامازيغية في الأطلس المتوسط لما يقارب السنتين.
سبق للبيضاوي أن زار مدينة أطار شمال موريتانيا مرات عديدة ولكن زيارته الأبرز كانت في عام 1945 في مهمة رسمية تمهيدا لترشحه لتمثيل موريتانيا في البرلمان الفرنسي أو توليه إقليم موريتانيا وفق ما قاله المختار أمانة الله.
دفن رحمه الله في مراكش مع أمه في مقبرة باب أغمات، وجمع له باشا مراكش حينها، التهامي الكلاوي، أهل مراكش للصلاة عليه وأشرف على نقله ودفنه بنفسه.