شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

نحن وتونس الأيادي البيضاء لملوك المغرب على حكام قرطاج

 فجأة، كشفت تونس عن وجهها الحقيقي، غيرت مواقفها واصطفت في طابور خصوم وحدتنا الترابية. ضد كل التوقعات امتنعت قرطاج عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2602، القاضي بتمديد مهمة بعثة «المينورسو» في الصحراء المغربية، لمدة سنة أخرى.

لكن الانقلاب في الموقف له ما يبرره، أو بتعبير أصح «كان له ثمنه»، إذ تقربت تونس من الجزائر، وفي اليوم الموالي حل وزير الخارجية التونسي بمطار هواري بومدين الدولي بالجزائر العاصمة، وهو يتأبط طلب دعم مالي لاستكمال تمويل الميزانية.

وقبل أن يغادر وزير الخارجية التونسي  الجزائر، أعلنت السلطات التونسية إبرام اتفاق للحصول على قرض مالي من الجزائر، بقيمة 300 مليون دولار. بلاغ رئاسة الجمهورية لم يتحدث عن دواعي سخاء نظام تبون ومبررات الصرف، واكتفى بالقول إن الدعم المالي للجيران هو مجرد «تجسيد حقيقي لروابط الأخوة التاريخية وعلاقات التعاون والشراكة، وترسيخ سنة التشاور والتنسيق القائمة بين القيادتين في البلدين، حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة».

صحيح أن تونس تواجه أزمة اقتصادية خانقة، في بلد لا تشجع حالة انعدام الاستقرار فيه المزمنة المستثمرين والمانحين، بسبب التدابير الاستثنائية التي زادتها الجائحة محنة، لكن اللجوء إلى منطق المال مقابل التصويت يضرب أعراف وتقاليد علاقة كانت مبنية على الأخوة والتعاون، علما أن قيس سعيد كان قد وعد بزيارة المغرب، مباشرة بعد تخفيف إجراءات الجائحة، واستئناف رحلات الطيران.

ليس صدفة أن تعلن الرباط وبشكل مفاجئ عن قرار غلق أجوائها أمام الطائرات التونسية، رغم أن المبرر شبه الرسمي لذلك هو انتشار وباء كورونا بشكل كبير في تونس، فضلا عن البطء الملحوظ في حملة التطعيم فيها. ومهما كانت الدوافع، فلا أحد ينكر أنه وعلى مدى الأسابيع والشهور التي سبقت، كان هناك قدر من القلق والانزعاج في الرباط، مما اعتبرته برودا وفتورا، وربما جفاء رسميا غير مبرر.

في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار»، غوص في علاقات البلدين، وإعادة ترتيب وقائع علاقة تاريخية فيها مد وجزر، والتوقف عند الأيادي البيضاء للمغرب على أشقائه التونسيين، قبل أن يصبح للحياد ثمن.

 

حسن البصري

 

أول بلد عربي يمد يد المساعدة لتونس

في بداية شهر يوليوز الماضي، قال إيف سوتيران، ممثل منظمة الصحة العالمية، إن «تونس تسجل نسبة وفيات هي الأعلى في القارة الإفريقية والعالم العربي»، مضيفا أنه يتم تسجيل «أكثر من 100 وفاة في اليوم، في بلد يسكنه حوالي 12 مليون نسمة، هذا حقا كثير».

ساد جو من الهلع في صفوف الشعب التونسي، لكن الملك محمد السادس سرعان ما تفاعل مع هذا القلق، وأعطى تعليماته السامية لإرسال مساعدات طبية عاجلة إلى تونس، بعد تدهور الوضع الوبائي في هذا البلد.

وأفادت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بأن هذه المساعدات الطبية تتألف من وحدتي إنعاش كاملتين ومستقلتين، بسعة إجمالية تبلغ 100 سرير للإنعاش. كما تضم المساعدات 100 جهاز تنفس ومولدين للأكسجين.

وبفضل الجسر الجوي الذي أقيم بتعليمات ملكية سامية، والذي تكون من 12 طائرة للقوات الملكية الجوية، التي نقلت ما يعادل 135 طنا من المعدات، تمت إقامة هذا المستشفى بولاية منوبة في وقت قياسي، بعد إيفاد تقنيين إلى تونس، ما مكن المستشفى من تخفيف الضغط الذي تشهده مستشفيات البلاد، بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا. وتأتي إقامة هذا المستشفى في الوقت المناسب بهذه المنطقة التي تعرف حالة وبائية خطيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن الطاقة الاستيعابية لمستشفيات هذه المنطقة، ممثلة في معهد القصبة ومستشفى طبربة المحلي، قد تجاوزت المعايير المسموح بها أمام ارتفاع أعداد المرضى المصابين بوباء «كوفيد- 19»، والنقص الصارخ على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات.

تنقل الرئيس التونسي، قيس سعيد، يوم 19 يوليوز المنصرم شخصيا، رفقة حسن طارق، سفير المغرب بتونس،

لمعاينة تقدم أشغال إقامة هذا المستشفى، حيث عبر عن «جزيل شكره وفائق تقديره للمملكة المغربية على هذه المبادرة النبيلة، التي تعكس متانة وشائج الأخوة الصادقة بين البلدين، وتعزز قيم التآزر والتعاضد بين الشعبين الشقيقين، سيما في مثل هذه الظروف الصحية الصعبة».

وقال قيس سعيد: «إن الشعب التونسي لن ينسى أبدا المواقف التاريخية للعديد من الدول الشقيقة والصديقة، ووقوفها إلى جانب بلادنا للتصدي لهذه الجائحة، وتعبئتها بصفة تلقائية لتوفير مختلف أنواع الدعم».

 

الملك يخصص استقبالا لأسرة النقابي حشاد بتونس

حرص الملك محمد السادس، خلال زيارته إلى تونس سنة 2014، على تخصيص جزء من أجندته لاستقبال أم الخير حشاد، أرملة المرحوم فرحات حشاد، ونجلها نور الدين حشاد، رئيس مؤسسة فرحات حشاد، التي تعنى بالدراسات والأبحاث التاريخية بمقر إقامة جلالته بتونس.

وذكر بلاغ للديوان الملكي أن «اللقاء كان فرصة لاستحضار الأواصر الأخوية التي كانت تربط المرحوم حشاد بالمغرب، وبرجالات الحركة الوطنية المغربية، وفي مقدمتهم المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه»، مشيرا إلى أن «اغتيال هذا المقاوم المغاربي الكبير سنة 1952، خلف موجة من الاحتجاجات والأحداث الدامية بمدينة الدار البيضاء».

من جهته، قال نور الدين حشاد، رئيس مؤسسة فرحات حشاد، في تصريح للصحافة التونسية، عقب الاستقبال الذي حظي به ووالدته من طرف الملك محمد السادس: إن «الاستقبال شكل مناسبة لتجديد التشبث بالعلاقات التاريخية بين الشعبين المغربي والتونسي». وأوضح أن الملك تناول في كلمته دور الفقيد في خلق «الالتحام بين الشعبين، تجلى في أبهى حلله يومي 7 و8 دجنبر 1952، عندما خرج سكان مدينة الدار البيضاء في مظاهرة حاشدة ضد المحتل الفرنسي عقب اغتيال فرحات حشاد، أحد الوجوه البارزة في المقاومة في بلدان المغرب العربي».

وروت أرملة الفقيد حكاية اغتيال زوجها النقابي، في صباح يوم 5 دجنبر عام 1952، حين تبعته سيارة في الطريق من الضاحية التي كان يقطنها خارج العاصمة تونس وأطلق عليه النار، ثم فرت السيارة هاربة، ولكن حشاد أصيب فقط في ذراعه وكتفه وتمكن من الخروج من السيارة، وبعدها ظهرت سيارة أخرى وأجهزت عليه بإطلاق النار على رأسه، ثم تم إلقاؤه بجانب الطريق بعد التأكد من موته. وعندما أعلن نبأ اغتياله في المذياع في الظهيرة، اجتاحت المظاهرات مدن العالم.

وعبرت أرملة حشاد عن امتنانها للمغاربة، وتحدثت عن انتفاضة سكان الدار البيضاء التي راح ضحيتها عشرات الشهداء، وقالت إنها سعيدة جدا لأن كثيرا من مواليد دجنبر 1952 يحملون اسم فرحات، وأن شوارع في المغرب تخلد اسم الفقيد، فضلا عن مؤسسات تعليمية، منوهة بالأيادي البيضاء للملك الراحل محمد الخامس.

علم الملك محمد السادس بأن حشاد ترك أرملة في الثانية والعشرين من عمرها، وثلاثة أبناء هم نور الدين، ناصر وجميلة، وقدمت للعاهل المغربي من طرف نور الدين بيانات حول مؤسسة فرحات حشاد للدراسات والأبحاث التاريخية، والتي خصصت لانتفاضة المغاربة جزءا من أدبياتها، سيما في رصد تفاصيل تمرد الحي المحمدي، والإضراب العام الذي شهدته الدار البيضاء بعد اغتيال حشاد.

وزير تونسي: تصدي المغرب للجزائر مكسب لتونس

يقول أحمد ونيس، وهو واحد من أشهر الدبلوماسيين والسياسيين في تونس المعاصرة، في حوار صحفي، إن الجزائر سعت إلى ضرب استقرار المنطقة المغاربية، حيت «قامت بإسقاط نظام المختار ولد داداه في موريتانيا، ونفذت عملية قفصة في تونس وأخذت منها صحراءها، وحاولت كذلك السيطرة على الصحراء المغربية».

وأضاف السياسي التونسي أن الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، قد رضخ للهيمنة التوسعية لنظام العسكر في الجزائر، وفي المقابل لم يرضخ الحسن الثاني.

«سألت شخصيا وزراء الحبيب بورقيبة، وقالوا لي إنهم لم يكونوا راضين عن التنازل البورقيبي على صحرائنا التونسية، بورقيبة لم يتنازل من الأصل، إلا أن عبد العزيز بوتفليقة زاره ثلاث مرات، وأصر عليه ثلاث مرات».

عكس الحسن الثاني، كان بورقيبة يحاول تفادي تحرشات بومدين، حسب الخبير التونسي، وهو ما أكده الباجي قائد السبسي في مذكراته، حيث قال فيها: «سألت الحبيب بورقيبة: سيدي الرئيس كيف قبلتم بهذا التنازل؟»، فأجاب بورقيبة: «نعم قبلت بهذا، لكن سيأتي يوم وستدركون أنني نجيتكم من قنبلة موقوتة. تونس كسبت السلام، وهي مساهمتي الثمينة إلى تونس»، لكن الحبيب أدرك خطأه بعد الاعتداء على قفصة.

عايش ونيس من موقعه كوزير للخارجية التونسية العديد من الأحداث، يستحضر قمة أديس أبابا، لحظة الإعلان عن تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، قائلا: «لم يكن الحسن الثاني راضيا عن الخريطة الاستعمارية في شمال إفريقيا، فقد رفض التوقيع مع زملائه من أجل هذا المبدأ».

ويضيف الخبير السياسي التونسي أن تصدي الحسن الثاني لبومدين كان في صالح تونس، «ملك المغرب أسدى خدمة لبلدنا، بالنسبة إلينا ففوز المملكة المغربية بهذا المفهوم وبهذا المنطق، سينجي المغرب وسينجينا في تونس من هيمنة الجزائر، لذلك فنحن نساندكم ولا نرضى بانهزامكم، لأن انهزامكم ينذر بانهزامنا. لو تسقط المملكة المغربية فالدور سيأتي علينا، علما أن الجزائر هي من سبق لها وأن أسقطت دولة المختار ولد داداه، وهي تسعى منذ حرب الرمال إلى إسقاط المغرب».

البصري يتوقع سقوط بورقيبة وإلغاء توأمة تونس والرباط

في 18 مارس 1987 وقع كل من محمد علي بوليمان، رئيس بلدية تونس الأسبق، والدكتور حمزة الكتاني، رئيس بلدية الرباط الأسبق، عقد توأمة بين العاصمتين اعتبر وثيقة تاريخية. استقبل الحبيب بورقيبة، الرئيس التونسي الأسبق، وفد الرباط وأبلغ أفراده اشتياقه لرؤية الأمير سيدي محمد، وطلب منهم رفع رغبته لجلالة الملك الحسن الثاني. وعندما عاد الوفد إلى الرباط، بلغ الرسالة الشفوية ولم تمض سوى 15 يوما حتى سافر ولي العهد الأمير سيدي محمد إلى تونس، لزيارة بورقيبة.

كانت الغاية من التوأمة تعزيز التعاون بين منتخبي وسلطات المدينتين، من خلال تبادل التجارب في تدبير الشأن المحلي، لكن يبدو أن حروف الوثيقة ظلت حبرا على ورق. وظل رهان «التآخي والتوأمة والاستفادة من تجربتهما» مجرد كلام للاستهلاك.

دعا بورقيبة رئيسا البلدتين إلى زيارة تونس، وتقييم الاتفاقية بعد أن مر على توقيعها شهر واحد، ما اعتبرته الرباط «تخريفا»، لكن إدريس البصري انتبه إلى انفلات الحبيب، ومنع الوفد المغربي من السفر، وبعد أيام قليلة بدأ زين العابدين بن علي ومن معه في سحب بساط السلطة من تحت قدمي بورقيبة، وقد نبهه الحسن الثاني إلى ذلك في أكثر من إشارة.

بعد مرور ثمانية أشهر على الاتفاقية، وتحديدا في فجر سابع نونبر 1987، تولى بن علي حكم تونس استنادا إلى الفصل 57 من الدستور، الذي ينص على أن يتولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية، في حالة عجز أو وفاة رئيس الجمهورية، لذا كان ضروريا وجود ما يثبت عجز الرئيس، وهو ما جهز له بن علي مع وزيرة الصحة السابقة سعاد اليعقوبي، إذ أعدا تقريرا طبيا لإثبات العجز الصحي لبورقيبة، خلص إلى أن «الرئيس غير قادر على الحكم بسبب الخرف».

الحسن الثاني يمنح الجنسية المغربية لابن ملك تونس

في سنة 1957 أعلن الحبيب بورقيبة سقوط نظام محمد الأمين باي، ونصب نفسه رئيسا لتونس، مع استبدال نظام الباي الحسيني بالنظام الجمهوري. كان أول قرار اتخذه الحبيب هو مصادرة أملاك محمد الأمين الذي كان حاكما لتونس، وطرد أبنائه من القصر، رغم أن بورقيبة كان مقربا من عائلة محمد الأمين باي.

عاش أبناء وحفدة آخر ملوك تونس محنة حقيقية، بعد أن لفظهم بورقيبة مباشرة عقب حصول تونس على استقلالها، وفي اعترافات يتحدث الطبيب شفيق عن رحلة بعض أفراد أسرة الملك المخلوع إلى المغرب. حيث حزمت العائلة حقائبها لتهاجر إلى شمال المغرب، هروبا من معاناة رهيبة دامت خمس سنوات، بدأت باعتقال الباي ومصادرة ممتلكاته، ثم الحجز على مصحة والده الدكتور محمد الشلي، وكان أشهر الأطباء الجراحين بتونس.

قال الدكتور شفيق الشلي، حفيد ملك تونس، في تصريح صحفي: «هربنا إلى المغرب بعد أن عاشت العائلة خمس سنوات كانت الأسوأ في تاريخها، وأعطانا الحسن الثاني الجنسية المغربية. كانت والدتي ليليا ترغب في الهجرة إلى بلد نظامه السياسي شبيه بتونس الملكية، فقررنا الهجرة إلى المملكة المغربية».

عاشت الأسرة في مسكن تابع لمستشفى سانية الرمل بتطوان، حيث كان الطبيب يشتغل في قسم الولادة، إذ قررت الأسرة طي صفحة الماضي، والعمل من أجل تدبير عيش كريم بعيدا عن نظام بورقيبة.

في كتابها «نساء وذاكرة» تتحدث زكية باي، ابنة محمد الأمين باي، عن الظروف التي عاشها والدها آخر سنوات حياته، وكيف كان يرغب في مغادرة تونس نحو المغرب أو ليبيا أو تركيا، وعن اعتقاله وجنازته البئيسة، وكيف كان موقف الملك الحسن الثاني واضحا، حين رحب بأفراد الأسرة ومنح بعضهم الجنسية المغربية، متصديا لغضبة بورقيبة الذي أرسل موفدا عنه إلى الرباط، لثني الملك عن قرار استضافة حفدة الباي دون جدوى.

King Hassan II of Morocco (R) speaks with Tunisian President Zine El Abedine Ben Ali at Marrakech 15 March 1999. Ben Ali is on a two day state visit to Morocco. / AFP PHOTO / COMMUNICAION / HO

بن علي يمنع داعية من حضور الدروس الحسنية

أصدر الفرنسيان، جون بيير تيكوا ونيكولا بو، كتابا بعنوان «صديقنا الجنرال.. زين العابدين بن علي وصديقه الحبيب عمار»، الذي خطط معه للإطاحة ببورقيبة، رصدا من خلاله مسار رجل الاستخبارات الذي تحول من ضابط أمني عادي إلى رئيس دولة. الكتاب يتوقف أيضا عند عبوره بالمغرب، وحياته في العاصمة الرباط التي حل بها مطرودا من تونس بقرار من عبد الهادي نويرة، الذي قرر إبعاده عن محيط السلطة، وتعيينه ملحقا عسكريا في سفارة تونس بالرباط.

كشف كتاب «صديقنا الجنرال»، جزءا من يوميات بن علي في الرباط، حيث عاش ملذات الحياة وظل يقضي أوقاته في السهرات. لم يتردد الملحق العسكري في انتقاد المسيرة الخضراء التي نظمها الحسن الثاني في نونبر 1975، ما أغضب الملك. لكن الرباط تمكنت من اجتذاب تونس إليها، وضمنت حيادها بخصوص ملف الصحراء. حياد لم يستمر إلا بضع سنوات، حيث سرعان ما انحازت تونس بورقيبة إلى الجزائر مع بداية الثمانينيات، وتوج ذلك التقارب بتوقيع اتفاقية الأخوة والتضامن عام 1983، انضمت إليها موريتانيا عام 1984. رد الملك الراحل على هذا التحالف التونسي مع الجزائر وموريتانيا، كان بتوقيع اتفاقية وجدة يوم 13 غشت 1984، والقاضية بإقامة اتحاد مع ليبيا، في وقت كانت فيه هذه الأخيرة تعيش شبه عزلة دولية وإفريقية خانقة.

لكن وصول زين العابدين بن علي إلى قمة الدولة التونسية، أعاد المنطقة إلى توازنها، وأصبح دور حاكم قرطاج حاسما في الحفاظ على هذا الوضع، والذي توج بتوقيع اتفاقية اتحاد المغرب العربي. لكن هذا التقارب لم يمنع زين العابدين من التربص بالمغرب.

فقد كشف عبد الفتاح مورو، أحد مؤسسي حركة النهضة التونسية، أن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، منعه من السفر إلى المغرب من أجل إلقاء محاضرة أمام  الملك الحسن الثاني، في الدروس الحسنية.

مورو وفي شهادته لبرنامج «شاهد على العصر»، الذي يعرض على قناة «الجزيرة»، أكد أنه فوجئ بسحب جواز سفره، عندما كان بصدد السفر إلى المغرب لإلقاء محاضرة بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني.

ويقول مورو إنه أيقن بعد ذلك أن رجوعه إلى تونس كان «اختيارا سيئا»، وإنه وقع في فخ استمر 23 عاما نصبه له بن علي، الذي وصفه في شهادته بـ«الخائن الذي كان يمارس الخيانة بنفسه».

بورقيبة يساند موريتانيا ضد المملكة

بلغت العلاقات المغربية التونسية أقصى حالات التوتر مع مطلع الاستقلال، خاصة بعد المساندة القوية من طرف الحبيب بورقيبة لموريتانيا، وإصراره على رفض مقترح محمد الخامس بجعل شنقيط امتدادا للمملكة. غضب الملك من موقف الحبيب وأعلن القطيعة مع تونس، بالرغم من العلاقات التي كانت تربط ملوك المغرب برؤساء دولة تونس.

استأنف البلدان الاتصالات الرسمية، وكان أول لقاء بينهما بعد الاستقلال، من خلال زيارة قام بها الملك محمد الخامس إلى تونس في أكتوبر 1956، والتي رد عليها رئيس الدولة التونسية الحبيب بورقيبة بزيارة مماثلة إلى المغرب بعد خمسة أشهر، وتحديدا في مارس 1957. «في هاتين الزيارتين المتبادلتين تم الوصول إلى ما يعرف حاليا في تاريخ البلدين الدبلوماسي بمعاهدة الأخوة والتضامن»، كما جاء في مجلة «دعوة الحق».

لكن مع مرور الأيام تبين أن اتفاقية الأخوة والتضامن أضحت مجرد حبر على ورق، وأن المعاهدة ظلت حبيسة رفوف الحكومتين، قبل أن يرسل محمد الخامس ولي عهده مولاي الحسن إلى تونس، في مهمة يراد منها إحياء بنود الاتفاقية.

كانت زيارة الحسن الثاني إلى تونس بتاريخ أبريل 1959، والحسن الثاني يومئذ ولي للعهد. وتوبعت الاتصالات في مختلف المستويات، يدعمها التمثيل الدبلوماسي الذي كان الأداة الدائمة لقيام تفاهم حقيقي متبادل.

عاد الحسن الثاني مجددا إلى تونس، لكن كملك للمغرب، وتحديدا بتاريخ 9 دجنبر 1964، وهي الزيارة التي أغضبت الجزائر ودفعت بن بلة إلى توقيع اتفاقية مماثلة مع مصر، نكاية في التقارب المغربي التونسي.

الحسن الثاني يتدخل لدى الخليجيين لمساعدة تونس

في حوار مع صحيفة «الحقائق» التونسية، كشف الكاتب الصحفي الصافي سعيد عن تفكير الوزير محمد مزالي في الانقلاب على بورقيبة بطلب من الخليجيين، وكان ذلك في نهاية سنة 1986.

يقول الصافي سعيد إن محمد مزالي قال له ذات مرة، إنه ذهب إلى ملك المغرب الحسن الثاني الذي كان يحب تونس، حتى يتوسط (لتونس) لدى الخليجيين من أجل قرض، فوعده ملك المغرب بأنه سيتحدث إلى الخليجيين بخصوص هذا الأمر، ثم يعيد الاتصال به.

وبعد فترة اتصل ملك المغرب بمحمد مزالي ليخبره بأن الخليجيين أخبروه بأنه لا يمكنهم مساعدة دولة مفلسة ورئيسها عاجز، وطلبوا منه «ترتيب أموره»، ثم سيقومون بمساعدته ومنحه القرض.

وتابع الصافي سعيد بالقول: «إن مزالي لم يفهم ما كان يريده الخليجيون، إلا بعد مرور شهر على لقائه بالحسن الثاني، لأن الرؤساء والملوك لا يتحدثون صراحة وبطريقة مباشرة»، واتضح أنهم قالوا لمزالي بما معناه «تخلص من بورقيبة وكن أنت رئيسا»، نقلا عن محمد مزالي، سيما بعد أن أعلن الحبيب خضوعه للجزائر التي كانت تعيش ضائقة حقيقية، بسبب انهيار أسعار النفط، وخروج المواطنين الجزائريين إلى الشارع احتجاجا على مضاعفات الأزمة الاقتصادية، في حين أن بورقيبة في تلك الفترة كان عاجزا حتى عن السيطرة على جهازه الهضمي، وفق قوله.

غضبت دول الخليج من الحبيب بورقيبة، ونقلت مضمون غضبها للملك الحسن الثاني، سيما بعد أن استسلم الرئيس التونسي الأسبق لتدخلات الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الذي هدد باحتلال تونس، بل وذهب إلى حد طرد العمال التونسيين من ليبيا.

لكن الحسن الثاني وبرغم الجفاء القديم مع بورقيبة، إلا أنه وقف إلى جانب تونس كلما تعرضت لهجمات خارجية، ولقد نشرت منصات التواصل الاجتماعي شريط فيديو للملك الحسن الثاني، يتحدث من خلاله عن محاولة زعزعة استقرار تونس وذلك على خلفية أحداث قفصة عام 1980، وهي للمصادفة مسقط رأس الكاتب السياسي التونسي، الصافي سعيد. قال الملك المغربي الراحل في هذا الشريط: «لا يمكن لأحد زعزعة استقرار تونس، لأن تونس وبكل بساطة شعب وليست نظاما. لا يمكن زعزعة شعب لديه درجة كبيرة من الوعي».

وأضاف الحسن الثاني أنه في حال تعرض تونس لاعتداء، فإن المغرب مستعد للدفاع عنها عسكريا.

السبسي.. شرب من ثدي الكشفية الحسنية وتنكر لها

في 30 دجنبر سنة 1936، وافق الملك محمد الخامس على تسمية الفرقة الكشفية باسم ابنه ولي العهد الحسن الثاني، ويعتبر ذلك بمثابة الانطلاق الرسمي للكشفية الحسنية المغربية. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تأسست منظمة الكشافة الإسلامية، بعد عشر سنوات.

بداية هذه الانطلاقة المباركة يوم 9 يناير 1934، وهو تاريخ الظهير الشريف الذي أصدره الملك محمد الخامس بتنصيب سمو ولي عهده الحسن رئيسا شرفيا للكشفية الحسنية التي حملت اسمه، وحظيت برعايته.

بعد الحصول على الاستقلال، تدخل الملك محمد الخامس من أجل تكوين الجامعة الوطنية للكشفية المغربية، كما احتضن المغرب سنة 1959 تجمعا للكشافة على المستوى المغاربي بمدينة إفران، جمع أقطاب الكشفية في المغرب والجزائر وتونس ثم ليبيا، وكان من بين ممثلي الكشفية الحسنية شاب يدعى محمد بن حسونة الباجي قائد السبسي، الذي أصبح في ما بعد رئيسا للجمهورية التونسية.

استقبل الأمير مولاي الحسن، الرئيس الشرفي للكشافة، الضيوف المغاربيين، كما رفع الملتقى برقيات إلى ملك المغرب ورئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ورئيس الجمهورية التونسية، يحييهم ويبشرهم بتوحيد المناهج الكشفية في بلدان المغرب العربي، ويعبر عن أمله في تحرير الجزائر.

كان الباجي منخرطا حينها ضمن صفوف «الحزب الحر الدستوري الجديد» الذي أسسه الحبيب بورقيبة، وحينما أكمل الشاب دراسته للقانون في فرنسا، عاد ليشتغل محاميا في بلاده. وبعد استقلال تونس، عين الرئيس بورقيبة، الباجي قايد السبسي في مناصب قيادية.

رغم ذلك فإن الرئيس التونسي الراحل القايد السبسي، ظل يروج للحياد في مواجهة النزاع المغربي الجزائري، لكن مواقف حكومته تؤكد وقوفه في صف الجزائر، حين ألغى رئيس وزرائه التونسي الحبيب الصيد الزيارة التي كان من المقرر القيام بها إلى المغرب في فبراير 2016، حتى لا يضطر إلى حضور مؤتمر منعقد في مدينة الداخلة. كما رفض رئيس الوزراء السابق، يوسف الشاهد، في يونيو 2017، في لقاء القمة المغربية التونسية مع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية السابق، اعتماد فقرة تهم مغربية الصحراء في البيان الختامي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى