داكار، عاصمة السينغال، تشغل العالم هذه الأيام. وصول شاب بالكاد بلغ الأربعين إلى كرسي الرئاسة بعد انتخابات فاجأت نتائجها السينغاليين أنفسهم، ليس حدثا تشهده جمهوريات إفريقيا دائما، في ظل سيطرة بعض الوجوه القديمة على السلطة في دول إفريقية كثيرة تلاحقها تقارير منظمات حقوق الإنسان.
يوم الثلاثاء الماضي، خاطب الرئيس الجديد السينغاليين، والعالم، وأعلن في أول خطاب رسمي له عن تمسكه بالحلفاء القدامى لبلاده، وأن تبقى السينغال «البلد الصديق والحليف الموثوق به أمام شركائه، الذين يُريدون الانخراط في تعاون مثمر ومحترم».
المغرب كان، ولا يزال، في مقدمة الدول الحليفة والداعمة للسينغال. في أحلك السنوات التي مرت بها البلاد، خصوصا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان المغرب داعما كبيرا في ظل عدم الاعتراف الدولي وقتها بالتغيرات السياسية التي عرفتها معظم دول إفريقيا الرافضة للمد الاستعماري، الفرنسي على وجه الخصوص.
في سنة 1961 تحديدا عين الملك الراحل محمد الخامس مجموعة من الأسماء في مهام دبلوماسية حساسة وسفارات. قبل وفاته ببضعة أسابيع فقط، جمع الملك الراحل كلا من قاسم الزهيري -أول سفير مغربي في موريتانيا والسينغال- والفقيه المكي الناصري، والسيد الداي ولد سيدي بابا، ومنحهم أوراق الاعتماد يوم 19 يناير من تلك السنة، وبعد هذا الاجتماع بأيام، انضاف شخص آخر هو الدكتور عبد السلام الحراقي الذي عُين في جمهورية مالي.
ورد في مذكرات السفير الزهيري، أن الملك الراحل اجتمع بهم في رواق صغير داخل القصر الملكي بالرباط، مباشرة بعد صلاة المغرب، واستقبلهم واحدا واحدا، وذكّرهم بأهمية العلاقات الإفريقية، والأدوار التي لعبها المغرب تاريخيا في فتح صداقات أخوية مع عدد من الدول الإفريقية، ووشحهم بوسام العرش قبل انصرافهم.
التجارة قبل السياسة، كانت أهم ما جمع المغرب مع السينغال، على مر العصور. علاقة تعود إلى مئات السنين، اتجه خلالها التجار المغاربة من فاس ومراكش صوب داكار، وحظيت البضائع المغربية بإقبال كبير بين السينغاليين منذ أكثر من أربعة قرون. حتى أن هناك شارعا في السينغال كان يحمل اسم «فانسان»، وهو اسم استعماري خالص، بادر السينغاليون إلى تغييره وأطلقوا عليه اسم «شارع محمد الخامس»، وهو يفضي إلى مجموعة من المحلات المملوكة لتجار مغاربة أغلبهم ورثوها عن أجدادهم الذين استقروا في داكار، قبل قرابة قرن. وإذا ذُكر التجار المغاربة، لا بد أن يتردد اسم التاجر المغربي محمد مكوار، الذي قدم من فاس وأسس تجارة ناجحة في داكار، حتى أنه شيد مصنعا هناك لصنع الأقمشة وعمل على تصديرها إلى موريتانيا وبقية دول إفريقيا الغربية، وأسس علاقات وطيدة مع المسؤولين السينغاليين ورجال الأعمال الأفارقة. انتبه الملك الراحل الحسن الثاني إلى هذا «البروفايل» النادر، وعيّنه مباشرة في منصب سفير في السينغال سنة 1981، وكان مُلما بملفات التجار المغاربة الذين استقروا في السينغال، كما أن مكتبه في السفارة كان يشبه مركزا لتلقي طلبات رجال الأعمال السينغاليين الراغبين في إبرام صفقات تجارية واستيراد السلع من الدار البيضاء إلى داكار.
لكن الصداقة المغربية السينغالية تكللت بإنشاء المسجد الكبير بداكار، والذي تبرع له الملك الراحل الحسن الثاني من ماله الخاص ووضع رهن إشارة السينغاليين حرفيين وصناع ومهندسين مغاربة لإنجاز المشروع على الطراز المغربي، لكي يكون عنوان صداقة مع بلد، يكتب تاريخه هذه الأيام بوصول معارض ونقابي شاب إلى القصر الرئاسي في داكار.