شوف تشوف

شوف تشوف

نادي الصحافيين المفترسين (2/2)

كان كتاب «صديقنا الملك» لصاحبه جيل بيرو النقطة التي أفاضت الكأس، فتشنجت رسميا العلاقات بين باريس والرباط، وفتح القصر مسلسلا طويلا من الدعاوى القضائية في باريس ضد صحف ومجلات فرنسية، أشهرها «لوموند» التي لم تكتب منذ صدورها مقالا واحدا يثني على المغرب.
إذن فاقتصاد الابتزاز الذي تمارسه جهات داخل الدولة الفرنسية بواسطة أقلام تدعي الحياد والموضوعية ضد المغرب ومؤسساته، ليس ابتكارا جديدا بل إنه يكاد يكون صناعة فرنسية قائمة الذات لديها مطابعها ودور نشرها وكتابها وصحافيوها.
وكتاب «الرجل الذي يساوي ثلاثة ملايير» وصديقته «جيمي القوية» ليس هو الأول في هذا الصدد ولن يكون الأخير بكل تأكيد.
والأغلبية الساحقة من الكتب التي صدرت طيلة الخمس عشرة سنة الأخيرة حول الملك كان الهدف الأول والأخير منها هو الابتزاز وتصفية الحساب.
وكل من قرأ كتاب علي عمار «سوء الفهم الكبير: عشر سنوات من حكم الملك محمد السادس» ستستوقفه الفقرات المكتوبة في آخر صفحة على شكل إهداء والتي يقول فيها: «رغم أنني مغربي وأنحدر من هذا الوسط، فإن معرفتي بأسرار المخزن لم تكن لتكون بالشكل الذي هي عليه بدون الأمير مولاي هشام وزوجته مليكة، اللذين تقاسما معي بكل صداقة، طيلة كل هذه السنوات، معرفتهم بالموضوع وذكرياتهم بكل حب».
مما فهم منه الجميع أن الكتاب هو نتيجة للقاءات متكررة مع مولاي هشام، الشيء الذي أغضب الأمير فقرر أن يكتب كتابا ينتقم فيه لنفسه من علي عمار، وهو ما حدث عندما أصدر الأمير كتابه «الأمير المنبوذ»، قطر فيه السم على عمار الذي لم يبخل عليه بكتاب جديد عرى فيه الوجه الآخر للأمير.
يمكن أن يكون كتاب علي عمار الأول حول الملك محمد السادس يفتقر إلى الدقة والموضوعية، لكن ما هو أكيد أنه يفتقر إلى بعض الفصول الإضافية، ومنها فصل خاص يمكن أن نسميه «الوشائج الخطرة» يحكي عن العلاقات السرية التي كان ينسجها الأمير مولاي هشام مع بعض الصحافيين مقابل شيكات واعترافات بدين. لذلك فأهمية كتاب علي عمار ليست في جدية المعلومات التي يقدمها من عدم جديتها، وإنما أهميته تكمن في النقاش الذي يخلقه في المشهد الإعلامي بالخصوص. فإلى حدود اليوم، تعود الصحافيون على حشر أنوفهم في كواليس الحياة الخاصة للشخصيات الرسمية والسياسية وتجرؤوا على محاسبتهم على مصادر أموالهم، لكن لم يجرؤ أحد من قبل على حشر أنفه في مصادر تمويل مشاريع بعض الصحافيين ولا علاقاتهم السرية مع بعض ذوي النفوذ.
وكصحافي فهذا النقاش هو ما يهمني. فالفرنسيون لديهم مقولة عميقة تقول: «لكي تفهم أحسن يجب عليك أن تتبع مصادر التمويل». والمال ليست له رائحة لكن يمكن أن يكون له طعم، وهو الطعم المر الذي يبقى في أفواه البعض عندما تختفي حلاوته.
كل الكتب التي صدرت حتى الآن حول الملك كان لديها هدف شخصي بعيد كل البعد عن رسالة الإعلام النبيلة. علي عمار أصدر كتابه «سوء الفهم الكبير» انتقاما من التسبب في طلاقه وضياع كل ممتلكاته التي كانت مسجلة في اسم زوجته، واستحالة اشتغاله في المغرب بعد الحجز على حساباته بسبب تطبيق الأحكام الصادرة ضده في قضايا تتعلق بالتهرب من دفع تقاعد مستخدمي مجلة «لوجورنال» و«الصحيفة» لصندوق التقاعد.
مولاي هشام أصدر كتابه «الأمير المنبوذ» الذي يصفي فيه حسابه مع ابن عمه الملك بعدما رفضت البنوك الخضوع لابتزازه ومنحه قروضا لبناء مدينته الفاضلة بعين عودة.
عمر بروكسي نشر كتابه الفاشل «محمد السادس وراء الأقنعة» انتقاما لعدم منحه وزارة الاتصال اعتمادا لفائدته لكي يشتغل مع مكتب وكالة الأنباء الفرنسية بالرباط.
إيريك لوران وكاترين غراسييه نشرا كتابهما المشترك «الملك المفترس» في عز الربيع العربي انتقاما لعدم تفاعل القصر مع رغبتهما بيعه حقوق النشر مقابل مليارات محترمة. وقد أتيا إلى المغرب وسربا بعض تفاصيل الكتاب لبعض الصحف والمجلات المغربية التي تلقفته بغباء، بغاية إخافة النظام من فحوى الكتاب ورفع سقف المفاوضات. لكن محاولاتهما باءت بالفشل، إلى أن ألفا كتابا جديدا وكررا السيناريو نفسه فسقطا هذه المرة في الفخ.
المضحك في التبرير الذي أعطاه إيريك لوران في حوار طويل مع «لوموند» لمطالبته بثلاثة ملايين أورو، مقابل عدم نشر كتابه، هو أنه شعر بالخوف من المعلومات التي يتضمنها الكتاب، والتي حسبه ستزعزع الملكية.
وأنه عوض أن يختار إسقاط النظام بكتابه وترك المغرب بين يدي الدولة الإسلامية، وهذا بالمناسبة هو الخيار الذي وضعه صحافي الخلفي الأمريكي أمام الملكية في مقال الفورين بوليسي إذا لم تسلم صلاحياتها الدستورية لبنكيران، فإنه اختار أن يطلب المال وأن يعرض عن نشر الكتاب، خصوصا أن زوجته تعاني من سرطان متقدم وعلاجها يتطلب مصاريف كثيرة.
هكذا نفهم من استجواب إيريك لوران أنه طلب ثلاثة ملايين أورو من أجل مصلحتنا، لأنه رفض أن يزعزع استقرار المغرب، ولذلك يجب أن تكون له الدولة من الشاكرين عوض وضع شكاية ضده ومتابعته بالابتزاز. يا سلام على صحافة الاستقصاء.
وقد كان على الصحافيين المفترسين أن يستفيدا من الدرس الذي تلقاه زكريا المومني الذي اتهم الدولة المغربية بتعذيبه وطالب بمليارين لكي يوقف الحملة التي يخوضها ضد المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني.
فقد جاء زكريا المومني وزوجته الفرنسية إلى الفندق الذي تواعدا فيه مع من سيمنحهما المبلغ، فاكتشفا في الأخير أنهما تسلما عشرة آلاف أورو وتم تسجيلهما وهما يتفاوضان حول الصفقة، فعادا إلى باريس بخفي حنين وشرع المومني يتحدث عن تسريب صور حميمية له في الفندق يمارس العادة السرية.
والحال أن العادة التي تعود عليها المومني ليست سرية بل مفضوحة، وهي الابتزاز بهدف الحصول على مبلغ يفتح به مشروعا في فرنسا لرياضة الطاي بوكسينغ، التي يوهم المغفلين بأنه أحد أبطالها.
وهكذا فلا هو ترك والده يتمتع بمأذونية النقل التي حصل عليها قبل سنوات ولا هو عاد إلى باريس واحتفظ بزوجته ولا هو حصل على المبلغ الذي ظل يحلم به.
وكما يقول المغاربة «صدق لا حمار لا خمسة فرنك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى