شوف تشوف

الرئيسيةحوار

نادية التازي: الاشتغال على الفحولة يعني وضع الملح على الجرح

الفيلسوفة المغربية تستكشف الأسس الإيديولوجية للذكورة بالعالم الإسلامي

ترجمة: أميمة سليم عن «ميدل إيست آي»
يستكشف آخر كتاب للفيلسوفة، نادية التازي، موضوع الفحولة الذي ما زال مجهولا في العالم الإسلامي. من خلال نهج متعدد التخصصات، تقدم التازي تحليلا دقيقا للروابط بين الفحولة والسلطة. وينطلق مؤلف التازي «سياسة الفحولة في العالم الإسلامي»، من مشهد راسخ في الأذهان، إعدام صدام حسين شنقا في 30 دجنبر 2006.
عشية وفاته، وأمام جلاديه، استفز الديكتاتور المخلوع معارضيه لآخر مرة: «أهذه هي الرجولة بالنسبة إليكم؟». شكل هذا السؤال نقطة انطلاق للفيلسوفة لفكرة تطرحها في مؤلفها: ما هي الأسس الإيديولوجية للفحولة في العالم الإسلامي؟
في المجتمعات الغربية، تكون فحولة الرجال المسلمين إما عرضة للإشادة أو التخيل أو مصدر اتهام، إنها تشكل موضوعا دراسيا ثريا ومثيرا للاهتمام، في مفترق طرق بين التاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا.

أدى وضع المرأة في العالم العربي إلى ظهور الكثير من المؤلفات العلمية، خاصة في الغرب، لماذا تم إغفال الذكورة؟
في جميع أنحاء العالم تقريبا، فإن الدراسات حول الذكورة حديثة نسبيا. في العالم الإسلامي أيضا، بدأنا في تناول هذا الموضوع، الذي ما زال يعتبر من الطابوهات، ويثير مشاكل صعبة ولكنها مثيرة للاهتمام.
الفحولة ضمنية، ويُنظر إليها على أنها صفة طبيعية، وتعبير عن القوة التي يريدها الله، وهو أمر مشكوك فيه إلى حد كبير. علاوة على ذلك، لطالما شكلت مصدر الأحكام المسبقة من «الغرب» ضد «الشرق»، ولا تزال موضوع كل السخرية.
تمر هذه المجتمعات بفترة مأساوية، لقد عاشت وما زالت تعاني من الاضطهاد والفشل والإذلال. إن الجرح النرجسي غائر. كما أن الاشتغال على الفحولة يعني وضع الملح على الجرح، الذي لا يحمل اسما، لكن يعرف بهذه الصفات.
ومن هنا تأتي الحاجة إلى براعة معينة لتفكيك ما هو إيديولوجي، والذي يتجاوز قضية المرأة، ويشير أيضا إلى علاقات التنافس والسيطرة بين الرجال.

كيف لا نسقط في الماهوية عند التفكير في الفحولة العربية على وجه التحديد؟
يدحض المفهوم الجنساني بحكم تعريفه، الماهوية. فمن سمات الفحولة التفكير في مصطلحات قائمة على الماهوية: الرجل رجل، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، إنه أمر محتوم.
لقد حاولت وضع شجرة عائلة للفحولة كأصل [مفهوم في الفلسفة اليونانية يعني أساس أو بداية مبدأ ما] في العالم الإسلامي، وليس العربي فقط – إني أشتغل كذلك على العثمانيين والإيرانيين والأفغان.
ومن خلال التسلسلات النموذجية، حددت الاختلافات التاريخية والجغرافية الرئيسية: إذ تحدد أنواع الفحولة والخصائص السياسية.
من الواضح أن هناك أوجه تشابه بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط​​، كما أبرزت جيرمين تيليون في كتابها «الحريم وأبناء العم».
لقد بدا لي أنه من الأجدى الاشتغال على الإسلام في ضوء الأزمة السياسية التي تمر بها هذه الثقافة الدينية، مع الأخذ في الاعتبار الاستبداد الساري في كل مكان وقوة الإسلاميين المتزايدة، الذين هم في المقام الأول وفوق كل شيء فحول. (تفاقم المواقف والتصورات والممارسات الذكورية).

إلى أي مدى يؤثر مبدأ الفحولة على أسس الاستبداد السياسي والاجتماعي في العالم العربي؟
في البداية، كان المستبد في اليونان هو سيد المنزل، الشخص الذي يوفر احتياجات أسرته. السيطرة تعني الحماية، وتبرر إحداهما الأخرى.
إن المستبد بالمعنى السياسي البحت ليس هو الطاغية فحسب، بل هو بالتحديد الشخص الذي يخلط بين العام والخاص، حسب مونتسكيو، تتم إبادة المصلحة العامة والفضاء العام. يحكم البلد كما لو كان إمارته ويملكه هو وأقاربه وعشائره. وتقتصر السياسة على إهانة شؤون الأسرة والمصالح الخاصة، ويستشري الفساد في كل مكان.
في الأساس، يشير الاستبداد إلى ثقافة سياسية كاملة، حيث هناك تماثل بنيوي، ولعبة مرايا بين القمة والقاع: بين أب الأمة وأب الأسرة، أحدهما شرط لازم لإمكانية وجود الآخر، إنها حلقة.

بدأت كتابك باستحضار صورة صدام حسين باعتباره تجسيدا للديكتاتور العربي الغارق في فحولته، كيف يمكن أن يشكل مثالا مناسبا لتجسيد سياسة الفحولة في السياق العربي؟
تدور قصة صدام الشكسبيرية بأكملها حول الفحولة، بدءا من قصة استيلائه المغامرة على مواقع السلطة إلى المشهد المذهل لشنقه، مرورا بنظامه الحزبي التوجيهي والنظام البوليسي، من خلال عسكرة المجتمع العراقي، سيما من خلال الحروب – ما لا يقل عن ثلاث سنوات، واستمرت إحدى الحروب ثماني سنوات ضد إيران، وحربين ضد القوة العظمى الأمريكية – وبهفواته التي منبعها جنون العظمة…
إنه مزيج رائع من الوحشية والطموح والغطرسة المفرطة، وأخيرا، عدم الكفاءة. لقد بنى صدام العراق بيد ودمره باليد الأخرى: العراق كان خاصته، صلصال إرادته للسلطة. لتوضيح وجهة نظري، اخترت شخصيات تمثل كل نوع من أنواع الذكورة. يجسد صدام السبيكة الفاشية للفحولة – في المعنى الذي قد يكون عفا عليه الزمن – والحديث.

ألم يعتمد ديكتاتور أوروبي مثل موسوليني على الفحولة؟ كيف تختلف الفحولة العربية عن الفحولة الغربية؟ أليست في النهاية الذريعة نفسها لسيطرة الرجال من خلال السياسة في كل مكان؟
لا يمكننا من ناحية، الإصرار على الهوية باسم النضال ضد العولمة أو ضد قوى ما بعد الاستعمار، ومن ناحية أخرى، رفض تفردها عندما تشكل إزعاجا. إن الفاشية في قيمها ومؤسساتها وتعبيراتها، هي دوما ذكورية.
إنني أخشى المقارنات لأن المقدمات الأنثروبولوجية والدينية ما زالت متأصلة في المجتمعات المسلمة بعمق، وتختلف كثيرا عن المجتمعات الغربية.
على سبيل المثال لا الحصر، على عكس عقيدة بولس [في المسيحية]، فإن الجسد ليس مذنبا في الإسلام.
علاوة على ذلك، فإن الحداثة – التي تعد الفاشية تحريفا لها – هي بذرة لم تترسخ كما يجب في هذا العالم. إنها ليست أصلية وغالبا ما تم فرضها بطريقة استبدادية وجزئية: نأخذ بشكل أساسي التقنيات والأساطير والأساليب، وليس المبادئ السياسية للمساواة والحرية والشفافية، للذات وللآخر.

في أسطورة الفحولة، تقول الفيلسوفة أوليفيا غازالي إن هناك «دليلا على الفحولة»، وإن كل حضارة لديها طقوس مرور تشير إلى اكتساب رأس المال الرجولي، هل توجد مثل هذه الشعائر في العالم العربي الإسلامي؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف تعبر هذه الطقوس عن نفسها؟
أكثر هذه الطقوس بروزا هو الختان، وهو ليس التزاما دينيا من حيث المبدأ. يتعلق الأمر بفصل الطفل الصغير عن والدته وعن عالم النساء الناعم، ودفعه إلى قسوة المثلية الاجتماعية ومهنة الرجل: أنت مثلنا، أنت ملك لنا، وهذه هي العلامة، في النقطة الأكثر حساسية في جسدك – حيث يتم رسم حقيقة وجودك، والتي من خلالها يجب أن تصبح ما أنت عليه.
سأستشهد أيضا بالعرض العام لملاءة العروس في اليوم التالي من ليلة الدخلة، وهو اختبار لكلا الجنسين. هناك أيضا جميع طقوس الأخويات غير المختلطة: الجمعيات والشركات والجماعات العرقية أو الدينية المختلفة، التي بنت في الماضي حضارة المدينة الإسلامية.

في نهاية دراستها «فهم الذكورية»، ترسم شيرين الفقي، مؤلفة الكتاب الموثق «ثورة المتعة»، صورة أكثر من متباينة لتطور العقليات في العالم العربي. ووفقا لها، فإن الشباب في المنطقة هم الأشخاص الوحيدون في العالم، الذين يحملون تصورا أكثر تخلفا عن المساواة بين الجنسين من الأجيال السابقة. هل تتفقين مع هذا الاستنتاج؟
تمكن اليوم ملاحظة الانحدار الشعبوي في كل مكان، في الولايات المتحدة مع ترامب، في البرازيل، في أوروبا الشرقية، في إيطاليا، في فرنسا مع مارين لوبان إلخ. تشترك كل هذه الحركات في العديد من القيم مع الإسلاميين. في العالم الإسلامي، لم نبن بعد نموذجا مناسبا للذكر، نموذجا يكون أصيلا وحديثا، وقويا وعادلا في الوقت نفسه، ومرغوبا فيه ومتاحا.
لكن مرة أخرى، المشكلة سياسية بالكامل. في كثير من الأحيان، لا يملك الرجال وسيلة أخرى لتأكيد وجودهم غير الفحولة. من ناحية، نسحقهم، ومن ناحية أخرى، نزيد من الذكورية، مهما كلف الثمن لأنفسهم وللآخرين. أغلقت الحدود، بينما العالم أصبح متاحا افتراضيا على الإنترنت، فيما راهن الإسلاميون على التناقضات وإذلال الرجال.
يعتبر شباب الشعوب إحدى الثروات: بقدر ما نريد، يمكن تثقيفهم وتعليمهم، والانفتاح على وجهات نظر أخرى وقيم أخرى ومتع أخرى ثم التغيير.

تدور قصة صدام الشكسبيرية بأكملها حول الفحولة، بدءا من قصة استيلائه المغامرة على مواقع السلطة إلى المشهد المذهل لشنقه، مرورا بنظامه الحزبي التوجيهي والنظام البوليسي، من خلال عسكرة المجتمع العراقي، سيما من خلال الحروب

في سطور
نادية التازي فيلسوفة وباحثة مغربية، ازدادت في إسبانيا سنة 1953، من أب وأم مغربيين.
عاشت في الدار البيضاء حتى الخامسة عشرة من عمرها، ثم غادرت إلى فرنسا سنة 1970.
درست الفلسفة في جامعة السوربون، ثم درست اللغة الفرنسية في كلية بولاية ماريلاند، قبل أن تمارس مهنا مختلفة.
في سنة 1984، شاركت في إنشاء مجلة «الآخر L’Autre»، مع ميشيل بوتيل. وهي من كاتبات مجلة «ما بين العلامات Intersignes»، التي صدرت بباريس ابتداء من سنة 1990، وشكلت فضاء للتفكير ما بين أوروبا والإسلام. وهي من مؤسسي جمعية «بيان الحريات».
اشتغلت كذلك في مجال النشر (La Découverte- باريس، Zone Books- نيويورك، Siruela- مدريد) أيضا في المعارض الفنية المعاصرة (منى حاطوم، إيتو برادا، إيزابيلا دوكروت، بياتريس كاراتشولو، دوكومنتا إكس)، ومعارض الهندسة المعمارية.
شاركت أيضا في تأليف كتاب عن مصمم الرقصات دانيال لاريو في. وقامت بتسيير ندوة في الكلية الدولية للفلسفة حول «سياسة الفحولة في الإسلام».
اشتغلت كمديرة برامج في الكلية الدولية للفلسفة بفرنسا من 2006 إلى 2012، اشتهرت كرائدة في دراسة «الفحولة في العالم الإسلامي».
وتدور كتابات وأبحاث نادية التازي في فلك الفحولة، والسلطة الذكورية.
من أهم مؤلفاتها كتاب «سياسة الفحولة في العالم الإسلامي»، وهو يسلط الضوء على استفحال التمييز القائم على الجنس في العالم الإسلامي، سواء تعلق الأمر بالقانون أو بالسياسة أو بالثقافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى