شوف تشوف

الرأيالرئيسية

مُدن منكوبة..

لا تزال الصور المؤلمة لزلزال المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا تصل إلى منازل الناس تباعا، ومعها تصل قصص الناجين التي تشبه المُعجزات وتبعث بعض الأمل في النفوس.

الزلزال عدو الإنسان الأول. فرغم أن البشرية وصلت إلى الفضاء واكتشفت أثر الحياة في المريخ، واكتشفت كواكب جديدة على بُعد ملايين السنوات الضوئية، إلا أنها لا تستطيع لا التنبؤ بالزلازل ولا مواجهة تداعياتها، رغم أنها تحدث على عمق كيلومترات فقط تحت الأرض.

أرقام الوفيات لا تزال في ارتفاع، وكل ساعة يتم انتشال جثث جديدة ومعها قلّة من الناجين الذين استطاعوا الصمود تحت الركام.

آخر الأرقام التي صدرت يوم الجمعة تؤكد أن عدد الوفيات في تركيا وسوريا تجاوز 21 ألف ضحية وعشرات آلاف المصابين، وهو رقم كارثي بكل المقاييس.

السكك الحديدية التركية في منطقة الزلزال تفككت وأصبحت الهوة بين طرفيها أكثر من عشرة أمتار، وهو ما يعني، حسب المتخصصين، أن الزلزال كارثة إنسانية حقيقية ومن بين أعنف الهزات التي عرفتها الكرة الأرضية خلال القرنين الأخيرين على الأقل.

في دولة مثل اليابان، حيث أخبار الزلازل عادية جدا، يصل عنف الهزات إلى سبع درجات، لكن مخلفات الزلزال سرعان ما يتم تجاوزها لأن حكومة اليابان تواجه الزلازل بكثير من الحزم وتتشدد في معايير السلامة أثناء بناء العمارات وجعلتها، بعد آلاف التجارب العلمية والتقنية، تصمد نسبيا وتقلص الخسائر. بالإضافة إلى أن التلاميذ في المدارس الابتدائية يتلقون تكوينا صارما في إجراءات السلامة لمواجهة الزلازل واللجوء إلى منافذ الإغاثة في البنايات.

ورغم كل تلك الاستعدادات إلا أن الجزر اليابانية لا تزال تسجل هزات عنيفة وخسائر مهمة بين الفينة والأخرى.

في المغرب، عندما ضرب زلزال أكادير المدمر في آخر أيام فبراير سنة 1960، جاءت فرق الإنقاذ من كل أنحاء العالم تقريبا للمشاركة في عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا من تحت الركام ودفن الموتى. وفعلا نجحت فرق الإنقاذ التابعة للصليب الأحمر في تسريع وتيرة الإنقاذ التي بدأها السكان المحليون في البداية، وفي غضون ساعات فقط حلت وحدات الجيش المغربي الذين باشروا بناء الخيام لإيواء الجرحى وجرد أسماء الناجين ومساعدة الأسر التي تبحث عن أفرادها.

استُعملت الطائرات لمسح أحياء أكادير جوا بحثا عن أي أثر لوجود ناجين تحت الأنقاض، فيما انكب الآلاف لإزاحة الكتل الإسمنتية للوصول إلى الناجين. بينما وفر الصليب الأحمر أطنانا من الأدوية والمواد الكيماوية التي تُستعمل في العادة لتخفيف حدة الروائح المنبعثة من الأنقاض والتي قد تؤدي إلى انتشار أوبئة مثل الكوليرا.

63 سنة مرت على زلزال أكادير، ولا يزال الناجون يتذكرون بوضوح أصوات الهزة التي حولت المدينة بأكملها إلى ركام من الإسمنت المسلح، وصورة الظلام القاتم الذي خيم على المدينة في ليلة رمضانية تاريخية، وأصوات الصراخ والبكاء المنبعثة من كل مكان.

ورغم أن العلم والتكنولوجيا تطورا بشكل رهيب خلال العقود الستة الأخيرة، وهي المدة الفاصلة بين الكارثتين، إلا أن البشرية لا تزال ضعيفة أمام الهزات الأرضية العنيفة التي تؤثر في حياة الملايين وتغيّر مصائر الناس في غضون ثوان فقط.

ما يقع في سوريا يستحق تدخلا إنسانيا عاجلا. بلد منكوب أنهكته الحرب وتوزع سكانه في كل أنحاء العالم إما في مراكز اللجوء أو المخيمات، بينما من تبقى منهم في المنطقة الحدودية مع تركيا، يعيشون الآن على وقع أسوأ تجربة إنسانية مع الطبيعة.

 يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى