شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

مُحاكمة قاتل بوضياف كانت صورية وهكذا تابعها الجزائريون والعالم

يونس جنوحي

يقدم هشام عبود هنا معطيات خطيرة بشأن مخطط اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف يوم 29 يونيو 1992. إذ رغم اختيار العسكري بومعرافي للقيام بالمهمة، كان الجنرالات يضعون أمامهم مخططا آخر في حال فشل بومعرافي أو وقوع عارض ما، يحول بينه وبين إطلاق الرصاص. باختصار، حاولوا ألا يتركوا أي شيء للصدفة.

 

السم

لو أن هشام عبود قدم هذه النظرية منفردة، لاتُهم بأنه يحاول تلطيخ سمعة الجنرالات والنيل منهم بعد هروبه وقتها إلى فرنسا، مع بداية الألفية. لكن الجنرال نزار نفسه تحدث، في مذكراته، عن اغتيال محمد بوضياف، وقال إن المخطط كان يتضمن خطة بديلة لم يتم الكشف عنها إلا عندما كتب الجنرال نزار مذكراته. إذ تم وضع مخطط محكم لقتل الرئيس بتسميم الطعام. إذ كان من السهل على الجنرالات اختراق مطبخ الرئيس، كيف لا وهم يتحكمون في موظفي القصر والطباخين والحاشية، وكان سهلا جدا الوصول إلى «القِدر» التي سوف يأكل منها الرئيس عشاءه تلك الليلة لو أنه لم يمت مثلا رميا بالرصاص أو لو أن بومعرافي أوقف قبل دخول القاعة. لقد كان الجنرالات يضعون في الحسبان كل الفرضيات بما فيها تأخر بومعرافي في الوصول أو تعطل سلاحه.

إذ إن طبيعة شخصية بومعرافي جعلت الجنرالات، حسب اعترافات الجنرال نزار في مذكراته، يضعون مخططات جانبية لضمان نهاية بوضياف في ذلك اليوم. كان هناك حرص كبير على أن يأتي يوم الثلاثين من يونيو، دون أن يكون بوضياف رئيسا للبلاد.

طرح المعارضون الجزائريون في الخارج وابلا من التساؤلات. لماذا لم يقم الجنرالات بتنحية بوضياف مثل ما فعلوا مع الشاذلي بن جديد مثلا؟ لماذا لم يقوموا بانقلاب سهل على السلطة، خصوصا وأنهم كانوا يتحكمون في كل جوانب الأمن الخاص داخل القصر الرئاسي؟ كان سهلا أن يستيقظ بوضياف ذات صباح ويجد نفسه محاصرا في غرفة نومه إلى أن يوقع على استقالة من رئاسة الجمهورية.

يقول هشام عبود إن بوضياف كان يعرف معلومات خطيرة عن الجنرالات وأدوارهم في تجارة السلاح. كما أن دخوله في حرب سياسية ضدهم كلفه حياته.

 

محكمة!

احتاج الجزائريون إلى أيام لكي يستيقظوا من صدمة اغتيال الرئيس بوضياف. نزل مئات الآلاف إلى الشوارع حاملين صور رئيس البلاد مطالبين بالقصاص من قاتليه. تعاطف الرأي العام الوطني والدولي مع المتظاهرين، إذ لم يكن مقبولا أبدا اغتيال رئيس البلاد على المباشر.

ملايين الجزائريين لا زالوا يحملون إلى اليوم قساوة تلك اللحظة التي قطع فيها الرئيس خطابه الموجه إليهم من مدينة عنابة، وهو يتلقى الرصاصة التي أردته فوق المكتب. كانت لقطة من اللقطات التي بصمت القرن العشرين.

تابع ملايين الجزائريين تفاصيل محاكمة بومعرافي عبر الصحف الجزائرية. كان هشام عبود وقتها لا يزال يحاول الخروج من محيط الجنرالات دون أن يطوله انتقام ما. حاول الرجوع إلى الصحافة قبل أن يكتشف أن الطريقة الوحيدة للابتعاد عن الجنرال نزار وملفاته الثقيلة ومكتبه الذي لطخ بدم بوضياف، هي الهروب من الجزائر والاستقرار في فرنسا.

وبالعودة إلى المحاكمة التي أقيمت لبومعرافي، فإن الرأي العام الجزائري تابع عبر التلفزيون الرسمي جلسات كانت معدة سلفا لتبدو وكأن الدولة تريد فعلا طي ملف اغتيال بوضياف، وتقديم بومعرافي مختلا عقليا هرب من ثكنته حيث كان يقضي عقوبة لأنه لا يطيع رؤساءه وتسلل إلى القاعة حيث يلقي الرئيس خطابه وأطلق عليه الرصاص. وفعلا، فإن أغلب الجزائريين صدقوا هذه المسرحية واعتقدوا فعلا أن بومعرافي مختل عقليا. لكن الذين انتبهوا إلى أن الأمر لم يكن طبيعيا، شككوا في المسرحية التي ينقلها الإعلام الجزائري، خصوصا عندما علموا أن الجنرالات تدخلوا لإخراج المتهم الوحيد بقتل الرئيس من غرفة التحقيق التي تشرف عليها الشرطة الجزائرية، إلا أن إسماعيل العماري، وهو اسم يكرهه الجزائريون، تدخل بصفته رئيسا لفرقة التدخل الخاصة، وقام بإخراج بومعرافي من مخفر الأمن ووضعه تحت رعاية الفرقة. وهو ما جعل الأسئلة تنهال من جديد بخصوص أسباب حماية قوة تابعة للأجهزة الجزائرية للمتهم بقتل الرئيس.

ومما أثر غضب الشارع الجزائري أن الجندي بومعرافي أحيل على محكمة مدنية، في حين كان الرأي العام ينتظر أن يُحاكم المتهم داخل محكمة عسكرية بما أن الأمر يتعلق باغتيال رئيس البلاد. لكن الجزائريين صُدموا عندما علموا أن بومعرافي أحيل على قاض في محكمة مدنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى