شوف تشوف

الرأي

مُترجمون ليسوا كغيرهم

قبل زمن «الترجمة الفورية» التي تُعتبر الآن من بين أكثر المهام الرسمية حساسية، كان عمل المترجمين لا يختلف في شيء عن عمل أطباء جراحة القلب والشرايين، من حيث الخطورة والعواقب.

أي فهم سيئ لسياق ما، أو خلط بين المفاهيم وتوظيف كلمة في غير محلها، من شأنه أن يفض اجتماعات الرؤساء ويؤثر على مستقبل الدول.

ولا يزال عمل المُترجمين إلى الآن، رغم التطور التكنولوجي في مجال التواصل، محفوفا بمخاطر من نوع آخر، خصوصا وأنه الآن صارت هناك شركات متخصصة في الترجمة الفورية، وصار هناك مُترجمون ينتمون إلى مؤسسات عريقة تُشرف على تكوينهم، لكي يتكلفوا بمهام الترجمة لصالحها، ولا تُفوت هذه المهمة أبدا لغيرهم.

على عكس الأزمنة الغابرة، حيث كانت بعض الدول، من بينها المغرب، تلجأ إلى خدمات مُترجمين أجانب وتثق فيهم لكي يُترجموا خطابات سفراء ومبعوثين مغاربة إلى دول أجنبية، في مهام شديدة الحساسية. ولولا حفظ الله، لنقل المُترجمون كلاما آخر غير الذي قيل لهم، سيما وأن بعضهم كانوا من جنسيات بعيدة كل البُعد عن الخصوصية المغربية، مثل المُترجم الذي جيء به من أرمينيا إلى فاس، زمن السلطان الحسن الأول، وذهب مع الوفد المغربي إلى فرنسا لكي يتكلف بالترجمة، أثناء اللقاء بين ممثل المغرب وأعضاء الحكومة الفرنسية. ولو أن هذا المُترجم أوّل كلاما أو نقل غير ما قيل له بالحرف، لتسبب في حرب مبكرة على المغرب بسهولة.

العمل في مجال الترجمة خلال الأزمات الدبلوماسية والسياسية، يبقى مهمة لا يُحسد عليها صاحبها في تلك الفترة، التي كان فيها مجرد التوصل برسالة مستعجلة يستغرق ثلاثة أيام، إن لم يطل الانتظار، إما بسبب سوء الأحوال الجوية، أو بُعد المسافة. بل إن المُترجم يخاف على حياته، خصوصا عندما كان الأمر يتعلق بمفاوضات بين بلدين على وشك الدخول في حرب، أو خلال المحاولات الدبلوماسية لفض النزاعات.

مثل ما وقع مع مبعوث المولى إسماعيل قبل أكثر من أربعة قرون، والذي كان مغربيا، إذ لجأ إلى خدمات مُترجم فرنسي سبق له العمل في المشرق، وطُلب منه أن يرافق الوفد المغربي على متن باخرة فرنسية، لكي ينقل رسالة المولى إسماعيل بخصوص صفقة تبادل أسرى بين المغرب وفرنسا.

وفي الوقت نفسه، الذي كانت فيه بعثة المولى إسماعيل تطأ فرنسا، كان المبعوث الفرنسي في طريقه إلى لقاء السلطان في قصر مكناس، ويكتب رسائل عاجلة إلى حكومة بلاده، يترجاهم لكي تطلق سراح أسرى مغاربة، حتى لا يطاله مكروه وهو في قلب المغرب، في حال ما إن توصل السلطان برسالة رفض فرنسي لإطلاق سراح الأسرى المغاربة، الذين كان من بينهم حجاج كانوا في طريقهم إلى الحج بحرا، قبل أن تعترض سفينة فرنسية طريقهم، وتلقي عليهم القبض جميعا، ليكتشفوا في الأخير أن بينهم أعيان مغاربة.

وطبعا كان هذا السفير الفرنسي يستعين بخدمات مُترجم لكي ينقل رسالته إلى المولى إسماعيل، السلطان الذي نُسجت حوله الأساطير في أوروبا، ولولا أن المُترجم أدى رسالته بأمانة، فربما كانت النهاية الدبلوماسية لهذا السفير غير سارة أبدا.

ومرة، سنة 1890، أيام الحسن الأول، استعان المغرب أيام الجفاف وآفة الجراد، بمترجم من أصول مغربية، لكي ينقل إلى حكومة بريطانيا طلبا مغربيا لكي يحصل المغرب على معونة من لندن، تتمثل في دواء لمكافحة الجراد.

وبما أن المُترجم كان اسمه موسى أفلالو، من أصول مغربية، وقضى أكثر من ربع حياته في مدينة الصويرة، فقد كان يعرف كيف يعمل أعوان «المخزن» وقتها، وعمل على أن يربح من وراء صفقة حصول المغرب على دواء الجراد. وبدل أن يكتفي بمهمة الترجمة التي استعان به المغرب من أجلها، أصبح رجل أعمال، وربح من وراء كل جرادة كانت تُحلق في المغرب!

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى