شوف تشوف

شوف تشوف

مي نبيلة 2.1

أن يخرج أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المغربي سابقا، المعروف حاليا بحزب التقدم والاشتراكية، مطالبًا بإعدام عصيد لمجرد أن هذا الأخير عبر عن رأيه في موضوع عقوبة الإعدام فهذه مصيبة، أما المصيبة الأعظم فهي أن تخرج الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد لكي تردد الأخبار الكاذبة الشائعة بشأن كورونا في منصات التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن أشباه مي نعيمة موجودون حتى في الأحزاب السياسية اليسارية التي تدعي التقدمية، لكن بما أنهم محصنون داخل أحزابهم فإنهم يشعرون بأنفسهم محميين من أن يلقوا نفس مصير مئات نعيمة.
ومن يعود إلى الفيديو الذي ظهرت فيه نبيلة منيب يلاحظ
أنها كررت أكثر من مرة القول: “أنا امرأة علمية”.
بالنسبة إلى قضية امرأة فذلك لا يخفى على كل من شاهد الفيديو، أما بالنسبة إلى “علمية”، فلم نر ولم نسمع شيئا في كلامها له علاقة بالعلم، ولا نظن أن نبيلة منيب لديها اختراعات علمية أو أبحاث مسجلة باسمها .
الكل يعرف أن المنهجية العلمية لها قواعدها وضوابطها، فلا هي أعطت أرقامًا ولا دراسات ولا أسماء ولا معطيات ولا إحالات ولا استنادات.
حين نريد أن نتحدث في أي موضوع بطريقة علمية، علينا أن نضبط المفاهيم والاصطلاحات، فكل شيء له اسمه العلمي.
تكلمت الدكتورة نبيلة “فيروس سارس كوفيد”، علمًا أنه لا يوجد فيروس في العالم يحمل اسم “فيروس سارس كوفيد”. ما يوجد مرض اسمه “كوفيد 19” نعم، ويوجد الفيروس الذي يتسبب في مرض كوفيد 19، واسمه “سارس كوف 2″، وهو من فصيلة الفيروسات التاجية “كورونا فيروس” les coronavirus.
ثم قالت الدكتورة نبيلة إنه توجد فيروسات أخرى تحمل نفس اسم كوفيد. والحال أنه لا يوجد أي فيروس في العالم، لا الآن ولا من قبل يحمل اسم كوفيد. هناك الفيروسات التاجية نعم، وهي تحمل اسم “كورونا”.
تكلمت صاحبة الفيديو عن مونوغرام الفيروس. المونوغرام في الجنيتيك لا يوجد، اللهم إذا كانت المونوغرام موجودة في الانتخابات، واختلط على صاحبة الفيديو أمر الانتخابات مع العلم، فهذا موضوع آخر.
وتقول صاحبة الفيديو إن عددا كبيرا من الذين حصلوا على جائزة نوبل قاموا بدراسة التسلسل الجيني le séquençage لفيروس كورونا وتبين لهم أن الفيروس مفبرك وغير طبيعي. أولا، كان عليها أن تقول لنا من هم هؤلاء “العدد الكبير من الحاصلين على جائزة نوبل” الذين تحدثت عنهم بالجمع، والحال أنه لا يوجد كثيرون من الحاصلين على جائزة نوبل تكلموا في الموضوع. كان عليها أن تقدم الأسماء. وربما كانت تقصد العالمين اللذين حصلا على جائزة نوبل، كما أشار إلى ذلك البيان الذي كان يروج داخل حزبها في يونيو الماضي، ووقعه عدد من أصحابها، والذي جاء فيه أن العالمين لوك مونتانييه Luc Montagnier الفرنسي وتاسوكو هونجو Tasuku Honjo الياباني أكدا أن الفيروس غير طبيعي ومفبرك.
بالنسبة للعالم الياباني فما نسب إليه غير صحيح بالمرة، وهو من الأخبار الكاذبة Fake news التي استعملها بعض الناس الذين تستهويهم نظرية المؤامرة. وقد أصدر المعني بالأمر بيانا، منذ شهر أبريل 2020 ينفي فيه ما نسب إليه، وعبر عن حزنه الكبير من استخدام اسمه في نشر أخبار كاذبة ومضللة. ورغم ذلك لم تسحب منيب كلامها أو تعتذر عنه.
بقي الطبيب الآخر الذي تعتمد عليه صاحبة الفيديو، وهو الفرنسي مونتانييه الذي حصل على جائزة نوبل سنة 2008. أولا، هذا الطبيب له تاريخ طويل جدا في “التخريف الطبي” والتداوي بالكهرومغناطيسي والكثير من الخزعبلات. ولا يخفى أن أكاديمية الطب الفرنسية وكذا الجمعيات الطبية بفرنسا نددت بما يصدر عنه من تصريحات، ليس في 2020 أو 2019 وإنما قبل ذلك، لأنه ظل يستعمل مفاهيم غير علمية ويضلل الرأي العام.
ثانيا، حينما قال مونتانييه إن الفيروس مفبرك وأنه جرى أخذ جزء من جينوم السيدا وتم وضعه مع فيروس آخر فأعطى “سارس كوف 2″، فهو لم يسبق له أن قام بأي بحث أو دراسة في هذا الموضوع، ولم يسبق له أن دخل مختبرا لكي يرى هذا الفيروس. هو فقط اعتمد في كلامه على دراسة لباحثين هنديين قاموا بنشرها، ليس في موقع علمي يخضع ما ينشر فيه للفحص والمراجعة العلمية، وإنما في موقع إلكتروني غير ملزم باحترام القواعد العلمية. هذه الدراسة التي اعتمد عليها مونتانييه في تصريحاته نشرت في 31 يناير وسحبها أصحابها يوم 2 فبراير، أي في أقل من 48 ساعة، لأنه تبين لهم بعد النقد الكبير الذي تعرضت له من العلماء والباحثين من مختلف مناطق العالم خطأ المنهجية التي اعتمدوها.
مباشرة بعد هذه التصريحات التي ادعت أن الفيروس مفبرك، قام فريقان من العلماء يشتغلان حول الموضوع، فريق من الصين وفريق من الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أكد كل فريق من الفريقين أن الفيروس غير متلاعب فيه وغير مفبرك، بل هو فيروس طبيعي. لكن هل خرج من المختبر عن طريق عدم أخذ الاحتياطات أم مباشرة من الطبيعة فهذا موضوع آخر. النتيجة التي انتهيا إليها هي أنه ليس مفبركا.
تقول السيدة منيب إن أمريكا تتهم الصين بأنها هي التي صنعت الفيروس، أو أن الصين تتهم أمريكا بأنها هي من صنعته، وإن هناك شكوكا واتهامات بأن فرنسا أيضا هي من صنعته، رغم أن فرنسا لم تكن في هذا الصراع بين الصين وأمريكا. هذه اتهامات خطيرة ولا دليل علمي عليها حتى الآن. بل إن ترامب الذي استعمل جميع الوسائل غير العلمية لكي يتهم الصين نجد أن إدارته لم يسبق لها أن اتهمت الصين بأنها صنعت الفيروس، مثلما تقول صاحبة الفيديو، أقصى ما قامت به الإدارة الأمريكية هو أنها قالت إن الصين أخفت معلومات حول الوباء ولم تخبر به منظمة الصحة العالمية في الوقت المناسب، واتهمتها بأنها لم تأخذ الاحتياطات اللازمة في المختبر p 4 الذي توجد منه في العالم حوالي 30 التي تدرس الفيروسات والميكروبات الخطيرة جدا، وأن المريض رقم 0 لم يأت من سوق ووهان، وإنما من المختبر.
إذن لا ترامب ولا بومبيو ولا أي أحد من الإدارة الأمريكية اتهم الصين بأنها صنعت الفيروس. والصين كذلك لم تتهم أمريكا بصنع الفيروس، ما قالته هو أن الفيروس انتقل مع الأمريكيين في الألعاب العسكرية التي كانت في الصين، ولم تتهم أمريكا بأنها صنعت الفيروس.
فالاتهام بصناعة الفيروس لا أساس له إلا في الفيديوهات ونظرية المؤامرة ولدى بعض الأشخاص الذين يبحثون عن الشهرة ويستعملون الشعبوية باسم العلم. ويمكن أن نتفهم لجوء هؤلاء لهذه التخريجات، لكن أن تعتمد على ذلك أمينة عامة لحزب سياسي فهذه طامة كبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى