في زيارة قائد المعارضة الفرنسية اليساري الفرنسي جون لوك ميلونشون إلى المغرب، وضع يده على الأسباب الحقيقية التي أدخلت العلاقات بين الرباط وباريس إلى النفق المسدود. ميلونشون دعا رئاسة بلاده إلى طي صفحة العجرفة والتعالي والنظر إلى الآخرين من البرج العاجي، وأن طريقة قصر الإليزيه في النظر إلى المغرب صارت بالفعل لا تطاق، داعيا رئيس بلده إيمانويل ماكرون إلى اتخاذ قرار مماثل لما قامت به أمريكا وإسرائيل وإسبانيا، بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.
إن بضعة من التصريحات التي قدمها زعيم المعارضة الفرنسية، أثناء زيارته إلى المغرب، تختصر كل شيء بين المغرب وفرنسا خلال السنوات الخمس الماضية، وتكشف بالواضح عن الأسباب الحقيقية التي جعلت المغرب يدير بوصلته في اتجاه خيارات استراتيجية جديدة. وللأسف فإن ساكن الإليزيه لم يستوعب بعد أن المغرب دولة ذات سيادة وسلطان، وله رموزه السيادية التي لن يسمح بالتطاول عليها، فالمغرب ليس حديقة خلفية لحكام باريس، ولا يريد أن يصير كذلك ولا يشرف تاريخ هذا البلد العريق أن يكون تابعا لفرنسا، فتاريخه ودينه ولغته وحكامه وأمته بعيدين كل البعد عن التبعية والقبول بالدونية.
وما لم يستوعب ماكرون رسائل ميلونشون الواضحة فسيبقى في وضع شارد ومعزول، ولن يجد من يخاطبه داخل دوائر صنع القرار ببلدنا، مهما حاول استغلال بعض الفرص للتودد الماكر. ليس أمام رئيس الجمهورية الفرنسية سوى تغيير سياسته تجاه المغرب والنزول من «كابينته»، التي تنظر إلى بلدنا باستعلاء، والالتحاق بمواقف الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وإسرائيل الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، غير ذلك فإن المياه الراكدة في العلاقات ستستمر إلى نهاية ولايته، فالمغرب له القدرة وزيادة على تحمل عشر سنوات من تدبير رئيس فرنسي متقلب ومتهور، والسؤال هو هل تستطيع المصالح الفرنسية ببلدنا تحمل تبعات سياسة رئيس يفقد كل يوم جزءا من شعبيته، ويبدد في كل دقيقة رأسمال فرنسا ونفوذها وامتدادها، حتى تحولت إلى دولة غير مرغوب فيها داخل قارة بأكملها، باستثناء نظام حشرنا الله معه في الجوار؟