ميراي دوكاسكيت.. زوجة أحرضان التي مثلت دور «الراقصة والسياسي»
حسن البصري
اسمها ميراي دوكاسكيت، لكن زوجها المحجوبي أحرضان ظل يطلق عليها اسم مريم، إلى أن نسي الجميع الاسم المدون في الوثائق الرسمية. نسجت الفتاة الفرنسية علاقة عشق مع هضاب وروابي الأطلس المتوسط، وكانت تجد متعة في التجول في منطقة والماس، إلا أن عشقها الكبير هو الفن بكل تلاوينه، سينما وطرب ورقص وفن تشكيلي، إذ كانت ملهمة المحجوبي أحرضان، وهي من دفعته دفعا لوضع الرشاش جانبا وحمل الفرشاة، كما لعبت دورا كبيرا في تقريب وجهات نظر زوجها مع نخبة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين والسياسيين.
في جميع الأعمال الفنية لـ«الزايغ» هناك لمسة مريم وشيء من ذوقها الفرنسي، إذ كانت تصر على أن تعانق الألوان بعضها البعض، ولأنها كانت راقصة باليه، فإن لوحاتها ولوحات أحرضان، ظلت تختزل «رقصات شعرية تبوح بالنقاء، وفيض من الأحلام الرومانسية»، كما قال زوجها في افتتاح أحد معارضه التشكيلية بالرباط.
حكاية زواج المحجوبي من الفرنسية ميراي كانت حاضرة في مذكرات هذا الأخير، حين قال إنه أثناء سفره إلى مدينة نيس الفرنسية، كضابط في الجيش الفرنسي، خلال الأربعينات، حضر حفلا للضباط بأحد فنادق المدينة، وهناك تعرف على والد ميراي دوكاسكيت، الذي كان يشغل منصب كولونيل بالجيش الفرنسي. بعد ذلك ذهب لمقابلتها بباريس، حيث كانت تمارس الرقص، وتم التعارف وتلك بداية المغامرة. بعد مدة قصيرة زارت ميراي المغرب بدون إخبار والديها للقاء أحرضان الذي أسكنها في بيت عائلة عباس بركاش بمدينة الرباط، تفاديا لاختطافها وملاحقتها من طرف السلطات الاستعمارية.
يقول أحرضان: «كان قد تقرر إرسالي إلى الهند الصينية للتفريق بيننا، ولكي أتجنب هذا الخيار قررت الزواج على الطريقة الإسلامية، وقدمت طلبا بالموافقة على الزواج فحصلت عليه، وحتى أتخلص من رحلة عسكرية إلى الهند الصينية تصنعت المرض واستفدت من رخصة طويلة المدى».
كشفت الروايات التاريخية، عن دور مفتاحة زوجة عبد الكريم الخطيب، في تحقيق الاندماج السريع لميراي، والفضل في ذلك يعود لشقيقة مصطفى بالعربي، بل إن زوجة أحرضان تمكنت من التعرف على الأميرة للاعائشة، ابنة السلطان محمد الخامس، فأصبحت تدخل القصر بدون عناء، وتتحرك بحرية مما أغضب المراقب المدني كلود دالييه.
يقول أحرضان إن زوجته ظلت ترافق الأميرة في حلها وترحالها، لكن هذه العلاقة ستغضب السلطات الاستعمارية، التي حذرت المحجوبي من اختراق زوجته لأسوار القصر، منذ ذلك الحين تبين مدى سعي الإقامة الفرنسية إلى عزل الأسرة الملكية عن باقي الشخصيات، سيما حين يتعلق الأمر بمواطنة فرنسية.
يقول لحسن بروكسي ابن المنطقة ورفيق درب المحجوبي أحرضان والمصحح اللغوي لمذكراته: «لا يمكن أن نغبن مريم زوجة أحرضان، وهي ابنة كولونيل مات وهو برتبة جنرال فرنسي. تزوج بها المحجوبي في عهد الاستعمار، لكنها تشبعت بالروح الوطنية، هذه السيدة رافقته في مساره السياسي ولقد خصص لها بعض الفقرات اعترافا بما قدمته، ليس لأحرضان بل للقضية الوطنية، لقد تجرأ أحرضان في تجمع لجبابرة القواد من أجل التوقيع على رسالة تطيح بالملك محمد الخامس. وقال لا للتوقيع على مذكرة تعادي القصر رغم أنه ضابط فرنسي. مريم هي التي منعته من التوقيع، ولقد خصص لها فقرات في سيرته، فقد قيل وراء كل عظيم امرأة».
ظلت زوجة أحرضان تحث زوجها على التصدي لأتباع الباشا لكلاوي وقالت أمام الملأ «الوطنية تفرض عدم الانخراط في المؤامرة»، وهي التي دعت المحجوبي يوما إلى كسر كل القواعد الاحتفالية التقليدية، واحتفل وهو حينها ضابط في الجيش الفرنسي، بعيد العرش في مدينة نيس الفرنسية خلال عهد الاستعمار، بل إن موقفه دفع عسكريا برتبة كولونيل فرنسي للمساهمة المالية في الحفل، قيل إنه والد ميراي. شاءت الصدف أن تموت منظمة حفل عيد العرش في عقر دار الفرنسيين، يوم ثالث مارس التاريخ الذي ارتبط في أذهان المغاربة بهذه الذكرى، ماتت زوجة المحجوبي أحرضان، مؤسس الحركة الشعبية، وعضو جيش التحرير، توفيت صباح اليوم الثلاثاء 3 مارس في مستشقى بالرباط، وشيعها آلاف سكان الأطلس.
أسلمت ميراي دو كاسكيت، الروح إلى بارئها، بعد أن قضت إلى جانب زوجها أكثر من 70 سنة، أنجبا أوزين، ويوسف، ومايا، وبنتا أخرى تعيش في فرنسا، وسليم الذي توفي منذ سنوات، ودفنت إلى جانبه بناء على وصيتها.
عانت زوجة أحرضان، الفرنسية الأصل، من أمراض الشيخوخة في السنوات الأخيرة، لكن لم تنس رغم جبروت الزهايمر، والماس وظلت تذكرها إلى أن فاضت روحها.