مونديال العرب
أيام معدودة تفصلنا عن إطلاق النسخة الجديدة من المونديال بتوقيع دولة قطر، التي بذلت جهودا استثنائية على مدى أكثر من عقد، كي تنجح في مهمة تنظيم أكبر حدث كوني تشاركي، تعيش الشعوب على مستوى العالم لحظاته، وتتابع تفاصيله من دون تمييز أو استثناء، وها هو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو، يقول إن بطولة كأس العالم قطر 2022 ستكون النسخة الأفضل على الإطلاق. وليست هذه الشهادة التي تأتي، قبل أسبوعين من الحدث، من باب المجاملة للدوحة، بل تستند إلى معطيات عن الاستعدادات القطرية على جميع المستويات، والتي خالفت حملة التشكيك الرهيبة بقدرة قطر على الجهوزية بالمواصفات المطلوبة. ومنذ حوالي عامين، تتوالى شهادات المتخصصين الدوليين عن سباق قطر إلى الموعد المحدد، وإنجازها أكثر مما هو مطلوب من بنى تحتية، وبمواصفات عالية تلبي كل ما يقتضيه نجاح مهرجان المتعة من نقل جوي ومحلي وسكن ونظافة وأمن وتغذية، لاستقبال ما يفوق مليون مشجع ومتفرج سيصلون إلى الدوحة ويغادرونها خلال شهر واحد، وهذا عمل يرقى إلى إمكانات ومقدرة دول كبرى لجهة التنظيم واللوجستيك.
ويستحق الإصرار القطري على الوصول إلى هذا اليوم وسام التقدير والتحية، فالبلد الصغير لم يطمح فقط إلى حلم أكبر من حجمه وقدراته، بل تمكن من مواجهة العواصف الكبيرة التي أثارتها دول عظمى وصغرى من أجل قطع الطريق عليه، وثنيه عن تحقيق هذا الحلم، وتحمل التشهير والتشنيع والحملات الإعلامية التي وجهت ضده.
وصحيح أن قطر عانت كثيرا، وصرفت مبالغ كبيرة من أجل إنجاح الحدث، ولكن العائد من ذلك ليس بالقليل، وهو لن يصيبها وحدها فقط، بل سيكون لكل مواطن عربي منه نصيب، فالنجاح القطري هو أبلغ رسالة إلى العالم ككل، أن العرب قادرون على مواجهة المهام الصعبة، بخلاف الدعاية النمطية عنهم.
ويجب الاعتراف بأن قسطا من أسباب الحملات التي كانت موجهة لوهن عزيمة قطر، الإصرار على سَجن العرب في الصورة السلبية. والملاحظ أن هذه الحروب التي لم تتوقف طوال العقد الماضي، كانت تزداد ضراوة وتتغير أساليبها وأدواتها، كلما تقدم المشروع على درب الإنجاز، وما يفسر التصعيد في الأسابيع الثلاثة الأخيرة أن هناك حربا منظمة وليست مجرد حملات وقتية، وغرض الشوط الأخير منها عدم الاعتراف لقطر بهذا الإنجاز الكبير، والإصرار على حرمانها من قطف ثمرة الجهد والنجاح الذي حققته. ولكن، بمجرد أن تنطلق أول صافرة في المونديال، ستذهب هذه الحرب مع الريح، وسيرتفع رأس الدوحة عاليا.
وفي كل الأحوال، النجاح وثماره لقطر، وللعرب أيضا، وهذه مسألة كانت في صلب حسابات الدوحة وتوجهاتها منذ بداية مساعيها إلى تنظيم المونديال، وهي ملموسة بقوة على مستوى الخطاب الإعلامي، والمواقف التي صدرت عن مسؤولي هذا البلد طوال الأعوام الماضية، وليس مصادفة أن تكون النسخة التجريبية من المونديال، قبل عام، جرت على مستوى منتخبات الدول العربية، وتحت عنوان كأس العرب. ولا يمكن لأي مراقب مهما بلغ حياده، إلا أن يقرأ البعد السياسي لذلك والرسائل من ورائه. في هذا الوقت الذي يواجه فيه العرب حروبا خارجية وداخلية من أجل تشويه صورتهم، وتهشيم أحلامهم، وتهميشهم في التاريخ، وإفشال مشاريعهم الديمقراطية، من أجل تحويلهم إلى دويلات ضعيفة تابعة ممنوعة من النهوض والحلم.
بشير البكر