عندما رأيت فيديو تلك الشابة وهي تحطم واجهة المحل التجاري في حي أكدال بالرباط لكي تخرج من ثقب في الزجاج المهشم حقيبة يد قبل أن تقول للملأ الذين اجتمعوا يتفرجون على المشهد “يالاه عيطو للتسعطاش”، تذكرت تلك الوزيرة التي كانت في بداية عهدها بالبرلمان تأتي في عز التضخم وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة “ضاربة حطة” سعر كل “بياسة” فيها تساوي راتب سنة كاملة لموظف في السلم عشرة. ومن فرط كثرة أنواع “صيكان” الكوتشي وبرادا وفالينتينو ولوي فينيتو التي كانت تأتي بها الأخت الوزيرة للبرلمان في كل جلسة وشوش فاعلو الخير في أذنها التي يتدلى منها قرط كاردينيا الباهظ أن عليها مراعاة الوضعية المأزومة التي يمر منها البلد والتوقف عن استفزاز الناس بالمجيء إلى جلسات البرلمان التي ينقلها التلفزيون إلى بيوت الشعب الكحيان الذي لم يعد يجد حتى ما يكوي به على الخلعة.
وأنا أقارن بين معالي هذه الوزيرة التي تلبس فوق جسدها ميزانية جماعة من جماعات سبت الكردان وبين هذه الشابة المسكينة التي كان كل حلمها أن تحصل على حقيبة يد وبعدها لا يهمها أن يأتي رجال الأمن لاعتقالها، تذكرت السيدة عمدة الرباط حيث وقعت الواقعة والتي بدأت حياتها مصححة في جريدة لوبينيون زمن العهد “الزاهي” خلال فترة الزميل جمال حجام قبل أن تدخل عالم السياسة بصباطها الطالون وتتحول إلى واحدة من أثرياء الرباط تغير “صيكانها” حسب لون قمصانها وحذائها ذي الكعب العالي.
ويبدو أن مدام غلالو نسيت ماضيها وصارت تحسب نفسها من علية القوم فقط لأنها مغرمة باستقبال السفراء الأجانب كل أسبوع، ولم تعد تطيق أن يتصل بها صحافي لممارسة حقه في الحصول على المعلومة فطلبت منه أن لا يعود لكي يفرع لها رأسها بمكالماته. وهذا الأسلوب استعملت مدام غلالو أكثر منه في مراكش عندما تدخلت في لقاء حزبي لكي تشرح للحضور أسلوبها الخاص في تسيير المجلس الذي تحول في عهدها إلى قاعة أفراح تتعالى فيه الزغاريد والصلى والسلام على رسول الله، فقالت لهم دون أن يرف لها جفن “نهار جيت لقيت لوسخ، شنو كان خصني ندير؟ نسيفط كلشي للحبس؟ لقيت راسي كنت راس فالبرلمان كانحكم حتى وليت رجلين مع هادو فالمجلس. ولكن حتى أنا كاندير ليهم كيد النسا، كنخليهم يغوتو وكانلوح ليهم كلمة باش يديرو البلبلة باش نجري عليهم، حيت عندي فالقانون هاد الحق”.
وهناك وزيرة صارت تفرض على أعضاء ديوانها ضبط بروتوكول حضورها إلى البرلمان بشكل دقيق في كل مرة تأتي إليه مرتدية أغلى الثياب متأبطة أثمن الصيكان، وقد وصل الأمر بسعادتها إلى تعيين موظف بدرجة مدير مكلف فقط بالسهر على بروتوكول الوزيرة، ودائما ما يكون في مرافقتها.
أما في البرلمان فبعض البرلمانيات صرن يتنافسن على الظهور مرتديات آخر صيحات الموضة والماركات العالمية كما لو أنهن قادمات لعرض أزياء، خصوصا عندما يأتين بالحلوى للاحتفال بعيد ميلاد إحداهن، ومنهن على الخصوص الشابة سكينة لحموش، صاحبة إعلان الجرو الضائع الشهير وابنة القيادي في حزب الحركة الشعبية محمد لحموش، الذي بالمناسبة “شاداه الخلعة” منذ اعتقال زميله محمد مبديع، لأنه كان يتعامل مع نفس مكتب الدراسات الذي أرسل مبديع إلى السجن.
هذه الشابة رغم أنها مازالت طالبة فهي تحضر إلى البرلمان في أبهى حلة، وتحمل حقائب لماركات معروفة تباع بالملايين، كما تحظى بمعاملة تفضيلية داخل الفريق، حيث تحتكر طرح الأسئلة بالجلسات البرلمانية إلى جانب صديقتها البرلمانية المراكشية عزيزة بوجريدة، ما أثار احتجاج برلمانيات خلال الاجتماع الأخير للفريق.
كذلك هناك برلمانية تنتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، إلهام الساقي، التي مازالت إلى اليوم لغزا محيرا داخل الحزب، بخصوص كيفية تسلقها للمناصب بطريقة غريبة، حيث وصلت إلى البرلمان عن طريق اللائحة الجهوية بجهة فاس مكناس، وحصلت على منصب بمكتب مجلس النواب الذي يخول لها امتيازات وسيارة فاخرة، وعضوية المكتب السياسي للحزب، هذه البرلمانية تحرص في كل زيارة إلى دول أوروبية، خاصة العاصمة الفرنسية باريس، على اقتناء أغلى الماركات، خاصة أنها تعشق الصيكان الفاخرة، إلى درجة أنها تتوفر على خزانة ملابس داخل مكتبها بمجلس النواب تضع فيها صيكانها، حيث تحرص على تغيير ملابسها أكثر من مرة في اليوم، حيث تخصص “برزة” لحضور اجتماعات الفريق واللجان الدائمة، و”برزة” للجلوس في منصة رئاسة الجلسات العمومية باعتبارها أمينة مجلس النواب.
لذلك علينا ونحن نرى هذا البذخ والنعيم الذي ترفل فيه بعض الوزيرات والبرلمانيات في المؤسسة التشريعية أن نفهم أن هناك شعبا فقيرا يصارع الزمن لكي يحصل على لقمة العيش وأن منظر تلك الأكسيسوارات لدى من يشتغلون عنده (بحكم أن الوزراء والبرلمانيين يتقاضون أجورهم وتعويضاتهم من جيوب دافعي الضرائب) يثير لديه مشاعر الغضب والحقد الطبقي.
فهؤلاء الصاعدون من الأحياء العشوائية التي هندسها سماسرة الانتخابات، وهؤلاء الزاحفون مشيا على الأقدام من مداشر وقرى الرباط وسلا وما جاورهما، يأتون إلى وسط المدن للتعبير عن وجودهم، وعن غضبهم الدفين، كأنهم يريدون أن يعلم الجميع بأنهم موجودون أيضا ولديهم صوت يريدون إيصاله.
ولسوء الحظ، فرسائل هؤلاء الشباب الفاقدين لكل بوصلة، والناقمين على البلاد بشوارعها ومصابيح نورها وزجاج حافلاتها وقطاراتها وواجهات محلاتها التجارية البراقة المحرومين من ارتيادها، وواجهات بنوكها حيث تودع أموال يسيل لها لعابهم يوميا، تتحول إلى هجوم بدائي على مظاهر هذه الحياة العصرية التي يرون بريقها في إشهارات التلفزيون ويجاورونها في الواقع دون أن يحلموا بامتلاكها ذات يوم. لذلك فالحل، في نظرهم، هو تدميرها انتقاما لطبقتهم المحرومة وانتقاما من الطبقات الأخرى التي تعيش في هذا «النعيم» و«الرخاء» الاجتماعي.