فاطمة ياسين
أوجد النظام السوري لنفسه مآزق عديدة بمواصلة الحرب في الداخل، واستمرار توجيه مدافعه مباشرة نحو أبناء البلد، وهذه حقيقة شاهدها العالم كله، واعترف بها النظام نفسه على كل مستوياته السياسية. ورغم هدوء الجبهات، وسيطرة النظام وحلفائه على أرجاء واسعة من سوريا، فإن حالة من التوجس الداخلي ما زالت سائدة تشهد عليها اليقظة الأمنية بتعدد مرجعياتها، وانخراط قواتها لفرض سلطة أمنية، سواء كانت هذه القوى رسمية، كالجيش والشرطة ورجال الأمن، أو مجاميع عسكرية ما زالت نشطة، وتتبع جهات عديدة في الداخل والخارج. تؤكد هذه الحقيقة حالة الحرب المستمرة التي ما زال النظام يعيشها. وينعكس الوضع خارجيا فتستمر الدول، وخصوصا الغربية في التنديد، وتابعنا، قبل أيام، موقفا لافتا صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية، حين قالت الوزيرة كاترين كولونا إنها لا ترى سببا لتغيير موقف فرنسا من النظام، ولا ترى موجبا لرفع العقوبات المفروضة عليه، وتابعت أن بشار الأسد يجب ألا يفلت من العقاب، ويجب أن يواجه العدالة بدلا من مصافحته.
لطالما مايزت السياسة الفرنسية نفسها عن السياسة الأمريكية، وحرصت على ألا تبدو تابعا أو صدى لما ترغب به الولايات المتحدة، فبدا موقفها الشهير في حرب الكويت 1990 عندما رفضت أن تزج قواتها العسكرية في المعارك داخل العراق، واقتصرت عملياتها ضد القوات العسكرية العراقية في الكويت، كما كان موقفها رافضا بشكل قاطع غزو العراق 2003 وإسقاط نظام صدام حسين، وبدا التنافر في السياسة الأمريكية والفرنسية حول بحر الصين، حيث لا يزال مفتوحا جرح إلغاء أستراليا عقودها مع فرنسا بخصوص الغواصات العسكرية واستبدالها بغواصات أمريكية. ولكن موقف وزيرة الخارجية الفرنسية في الحالة السورية ظهر متقدما خطوة إلى الأمام عن الموقف الأمريكي، ففي حين اكتفت الإدارة الأمريكية برفض التطبيع، وتحركت بعض لجان الكونغرس لسن قانون يمنعه ويعاقب من يسير فيه، نجد فرنسا تتصلب أكثر، وتوجه إلى رأس النظام السوري اتهامات مباشرة، وتشدد على ضرورة جره إلى المحاكمة، وعدم إفلاته من العقاب رغم رعاية بعض الدول له، واستضافته بوصفه عضوا كامل العضوية في القمة العربية.
تعتقد فرنسا أن لها مصالح مستمرة في المنطقة، خصوصا في سوريا ولبنان، وترجمت ذلك خلال العقود الماضية بمحاولة التقارب مع أنظمة هذه البلدان، بغض النظر عن الحالة السياسية المعقدة التي تحكم بها، وفيما عدا الرئيس الأسبق، جورج بومبيدو، التقى حافظ الأسد كل الرؤساء الفرنسيين الذين عاصروا عهده بعد رحيل ديغول الذي تصادفت وفاته مع سنة تمكن الأسد من احتلال السلطة، وكان جاك شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازة الأسد الأب. أما العلامة الفارقة في شكل العلاقة المميز فهي استضافة فرنسا رفعت الأسد على أراضيها، ومعه حاشية ضخمة، ومنحه وساما فرنسيا رفيعا من دون أن يُعرف المسمى العلني لتلك الحفاوة. كانت فرنسا حريصة على أن تبقى قريبة من النظام، رغم بعض سنوات الجفاء خلال الحرب الأهلية اللبنانية، فقد زار حافظ الأسد فرنسا ثلاث مرات. وحرص في أثناء زيارات رؤساء فرنسا دمشق على جعل بعض تجهيزات الجيش فرنسية خالصة، وخصوصا في الطيران، وهو تخصص حافظ الأسد الأصلي.
يبدو الأمر وكأن فرنسا تبني علاقاتها مع سوريا على أساس شخصي أو ظرفي، وليس على أساس معايير العلاقات الدولية، فهي حاليا لم تحافظ على تمييز مواقفها السياسية عن الولايات المتحدة، بل بدا موقفها داعما ومكملا للموقف الأمريكي، ولا يشبه هذا إلا موقف شيراك الذي أبداه تجاه الأسد بعد اغتيال رفيق الحريري.