موعد
قبلَتْ بموعدهِ بعدما أخلفَتْ مواعدَ بلا عدّ… في هذه المرة كانت تشعر بشيء جديد ربما ذا أهمية، يحفزها على الترحيب بدعوته على العشاء، عكس كل مرة، حتى إنها لمْ تطلبْ بعض الوقت للتفكير كعادتها، بالرغم من أن أجندة نهاية الأسبوع قد استوفتْ العدد المتاح من اللقاءات والمواعد.
تحترمهُ كثيراً وتقدر مشاعرهُ التي لا تشك في صفائها ونبلها، كانت تتغاضى فقط عن منصبه بالغ الأهمية، الذي أضاف لبروفايله الشيء الكثير، كما كانت واعيةً تماماً بحجم الاستغلال الذي يمارسُه منْ يحيطون به، ولا تعيرُ للأمر أية أهمية، شديدةَ الوثوقِ بنفسها، بحيث لا تؤثر فيها المناصب ولا الثروة، بل إنها ممن يخِرُّون أمام شذرةٍ في مهب الريح… مجنونة، لا تنالُ منها ساعاتُ الروليكس، بقدر ما يبكيها صوتٌ يمخرُ عبابَ القصيدة…
فكَّرَتْ بأمورٍ لا حصر لها وهي ترتدي ثيابها وتهتم بجمالها وأنوثتها… شيء مربك حقاًّ ويتلفُ التركيز تماماً، لمْ يكنْ يعني لها تبرجُّها أمام المرآة شيئا، مقابل أفق توقعاتها الذي كبرَ حجمُه أكثر من اللازم، لكنها لمْ ولنْ تعتذر، ستذهب إلى حيث ستكتشفُ ما يفوق حجمَ توقعاتها.
لمْ تتصورْ للحظةٍ أنها ستحل في المكان المتفق عليه قبل وصوله بربع ساعة تقريبا، لكن ذلك لمْ يتسببْ في أي إحراجٍ بالنسبة إليها، بالعكس لقد شعرَتْ لأولِ مرةٍ أنها تأتي في الموعد، ولأول مرةٍ تنتظر أحداً لن يعاتبها عن التأخير ولن يسْخرَ منها بعبارة: «راك مغربية بالدم، وبالرونديفو».
ابتسمَتْ ثم ضحكَتْ قليلاً عندما رأتهُ يفتح بابَ المطعم وهو يرتدي معطفاً أسودَ وإيشاربْ أحمرَ، كان يبدو جذاباً ومميزاً وقادراً على إخفاء الارتباك الذي أصابهُ من شدة فرحهِ للقائها، بعد سنوات من الهروب. انحنى لتقبيل يدها على طريقة الفرسان، واستأذنها في خلعِ معطفها وشالِها لكي تستريح في مقعدها، وهو يردد: ــ سعيدٌ جداً لقبولك دعوتي، سيكون احتفالاً وليس عشاءً عاديا… ازدادتْ ثقةً بحضورها الباذخ وهيمنتها على المكان، الذي كان محجوزاً بكامله، ابتسمَتْ عميقاً لحفاوة الاستقبال، بينما كانت عيناه تلمعان أمام ضوء الشموع في تركيز تام على كل حركاتها وسكناتها وشكلها ومضمونها، قبل أن يأتي النادلُ لتلبية طلباتهما.
ــ آه يا واحتي الخضراء يا فيئي الظليل، كم انتظرْتُ هذا الرحيلَ أن يصلَ منتهاهْ.
كان يتحدث شعراً فتسعفه العبارة تارة وتخذله أخرى:
ــ أما آن الأوان لكي أنعم «بالماء والخضرة والوجه الحسن»؟
ــ أيها الشاعرُ، أنا لستُ واحتكْ، بل أنا منتجعٌ فخمٌ مصنفٌ ضمن الخمس نجوم، رفيعُ المستوى وخاص جداً… ضحك عاليا ثم قال:
ــ أنت متفردة جدا وتعجبني كثيرا دعاباتك واستعاراتك، في الواقع تعبرين بدقة عما أود قوله، فلفظة منتجع هذه تعبِّي الكثير مما أفكر وأشعر به.
ــ لا شيء يربكني أكثرَ من محاولة معرفة ما تفكر به وتشعر به.. على كل حال أنا لا أشك لحظة واحدة في حسن نواياك، كما أن أفكارك ومشاعركَ ستكون في أمانْ طالما لم تخرج منك بعدْ..