موعد مع التاريخ
انتظر المغرب بصبر وإصرار أكثر من ربع قرن قبل أن يحظى بشرف تنظيم النسخة الرابعة والعشرين لكأس العالم لكرة القدم بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال خلال النسخة التي ستجري في 2030.
والتحدي الرئيسي للمغرب أمام هذا الموعد الهام مع التاريخ هو أن لا يترك شيئًا للصدفة، وأن يكون قد شرع في الإعداد بجد، لكي نكون أمام نسخة مونديالية يظل التاريخ يتحدث عنها بفخر ويحكى للأجيال القادمة، كما ينبغي أن تؤكد أن المغرب كان يدرك وهو يستعد للمونديال أنها فرصة لا تعوض لتحقيق إقلاع تنموي أخلفنا موعده مرارا وتكرارا.
فلسنوات طويلة كان هم المسؤولين أن نضع المساحيق على الواقع، لكي يظهر الإصلاح على الصورة، واليوم ينبغي نقوم بإصلاح الواقع والتخلص من ثقافة الواجهة والبطاقة البريدية التي تصور المغرب كأنه جنة في كل شيء.
في هاته النسخة المشتركة سنكون شئنا أم أبينا أمام مقارنات في كل شيء مع ما وصلت إليه دول أوروبية، في مجال البنية التحتية والتنموية والاجتماعية والأمنية، لذلك من المفروض على السلطات أن تكون قد شرعت، أمس وليس غدا، في محاربة النقاط السوداء التي قد تحرجنا أمام العالم.
وعلى رأس هذه النقاط القضاء على الفقر واجتثاث مظاهره من أصولها، فالفقر نتيجة سياسات تنموية وليس قدرا محتوما بالمغرب، لذلك على كل سلطة منتخبة أو معينة أن تتحمل مسؤوليتها في القضاء على الفقر وليس الفقراء.
إن ما قد يسيء لصورة المغرب خلال المونديال ليس هو ضعف البنية التحتية أو مؤسسات الإيواء أو النقل أو الأمن فبلدنا في هذه المجالات متفوقة، إن ما قد يحرجنا هو أن نذهب للمونديال ونحن نعاني من نسبة عالية من الفقر والبطالة والأمية ومرفوقين بوجوه فاسدة في التسيير المحلي.
والحقيقة أن محاربة الفقر لا تنفصل عن محاربة الفاسدين المسؤولين عن وجوده، وتطهير الشأن العام من وجودهم داخل الجماعات الترابية والإدارات العمومية والسلطة، وعلى الفاسدين أن يدركوا جيدا أن المسلسل الطويل المخصص للمحاسبة الجنائية لرؤساء وبرلمانيين وعمال ومدراء ما هو إلا بداية لمشوار يدخل في إطار رؤية محاربة كل أشكال الفساد التي يمكن أن تعرقل استعداد المغرب لتنظيم هذا الموعد مع التاريخ.
لذلك على المسؤولين من الآن، إن لم نقل منذ الأمس، بكل جدية بدء التحضير لهذا الموعد الحاسم الذي بذل الملك محمد السادس جهدا كبيرا لانتزاعه، حتى يكونوا أهلاً لثقة وطننا وملكه، ويقدموا للعالم صورة المغرب المنصف والعادل والمتحضر.