موظف السكك الحديدية الذي سيصبح أول حكم مغربي يشارك في نهائيات كأس العالم
قضاة الملاعب الجيلالي غريب (حكم دولي)
حسن البصري
يعد الحكم من أهم أركان المنافسات الرياضية، صافرته وإشاراته وبطاقاته هي أدوات الردع الأقوى في المباراة، وحين يصدر قرارا فإنه غير قابل للتغيير إلا إذا كان للتكنولوجيا رأي مخالف.
في زمن مضى كان حكام المباريات أكبر سنا ممن يديرون مباريات اليوم، كانوا عنوانا للوقار والحكمة، وكانوا يحملون لقب “أصحاب البذل السوداء”، قبل أن تصبح كل الألوان مباحة إلا اللون الأبيض.
وعلى الرغم أنهم يحملون اليوم لقب “قضاة الملاعب”، إلا أنهم يشكلون الحلقة المهضوم حقها في حلقات منظومة الرياضة، لأنهم غالبا ما يكون مجني عليهم بسبب هفوات ناتجة عن انفلات الصفارات، إلا أنهم دخلوا عالم النجومية.
في سلسلة “طرائف قضاة الملاعب” سنحاول تسليط الضوء على جوانب خفية من حياة الحكام، من خلال حكايات فيها مواقف طريفة لازالت تذكر في مجالس حاملي الصفارات. وقائع تستحق أن تروى للجيل الحالي من الحكام ولو على سبيل العبرة والاستئناس.
شمس التحكيم تسطع من الشرق
من الصعب حصر نجوم التحكيم المغربي من أبناء المنطقة الشرقية للمملكة، فالبعد عن دائرة القرار الرياضي لم يحل دون تألق التحكيم الشرقي، وطول المسافات بين الملاعب لم تكن يوما عائقا ضد تألق الصفارة الشرقية، رغم أن أقرب مدينة يمكن لحكم من وجدة أو بركان قيادة مباراة بملعبها في الدوري الوطني تبعد بحوالي 300 كيلومتر. رغم كل هذه المعيقات برزت أسماء عديدة أضاءت سماء ميدان تحكيم كرة القدم محليا وجهويا ووطنيا ودوليا.
وكأن هذه المنطقة ولادة لنجوم الكرة لاعبين كانوا أو مدربين أو حكاما، تتعاقب الأجيال وتصر منطقة بني يزناسن وأنكاد على تفريخ المواهب الرياضية في مختلف المجالات، خاصة في مجال التحكيم إذ برزت أسماء عديدة بصمت على حضور وازن في الساحة الكروية وطنيا ودوليا، يكفي أن نكر بعض الأسماء المميزة ونخشى أن يسقط من ذاكرتنا إسم صنع مجد الكرة الشرقية بصفارته وتألقه.
يتربع الجيلالي غريب على عرش رموز التحكيم الوجدي، إلى جانب أسماء أخرى أمثال سليمان البرهمي ويحي كور وسعيد طاهري ومحمد ايوب وميمون بقالي وعبد الرحيم اليعقوبي وقبلهم جيل حميد الطويل وميلود البوشيخي وآخرون.
شاءت الصدف أن يخرج الجيلالي غريب إلى الوجود، في يوم عاصف كانت فيه مدينة وجدة تعيش غليانا كبيرا، في يونيو 1952 تجند السكان ورجال الحركة الوطنية التواقين للحرية، لمواجهة التوغل الاستعماري القادم من الشرق، في هذا اليوم بدأ التحضير لاستهداف مرافق حيوية كالسكة الحديدية ومحطة توليد الكهرباء وثكنات عسكرية، وامتد الغضب الوجدي إلى بركان وتافوغالت.
من المفارقات الغريبة أن يولد الجيلالي ويعيش في شهره الثالث غارة الوجديين على سكة القطار، لكنه سيصبح موظفا بالمكتب الوطني للسكك الحديدية بعد 22 سنة عن هذا الحادث.
في طفولته مارس الجيلالي لعبة كرة القدم ضمن شباب مولودية وجدة، كما لعب للاتحاد الإسلامي الوجدي تحت قيادة المدرب الحسين الغوسلي، لكنه اكتشف نفسه أكثر كحكم، فقرر ولوج وولج مدرسة التحكيم وعمره 26 سنة.
في مدرسة التحكيم بوجدة وضع غريب نصب عينيه حكام الشرق الأولين أمثال الطويل والبوشيخي والكعواشي.
بعد سنة واحدة من التكوين شرع الجيلالي في ممارسة عشقه التحكيمي على مستوى عصبة الشرق في الفترة الممتدة من 1979 إلى 1983، كما قضى أربع سنوات حكما متجولا بين العصب. وارتقى إلى حكم فيدرالي سنة 1987، حيث شاءت الأقدار أن يلعب جنبا إلى جنب مع أساتذته على غرار احميدة الطويل ومصطفى الكعواشي ومحمد الجلطي والحكم ونيس وميلود البوشيخي الذي نال معه الشارة الدولية، وبعد مسار حافل بالمواجهات على المستوى الوطني والقاري اختار اعتزال الصفارة سنة 1997 وقد سجل اسمه كأول حكم مغربي يشارك في نهائيات كأس العالم.
حكم مغربي في بوديوم نهائي كأس العالم
قال الكولونيل ماجور الحسين الزموري، الرئيس الأسبق للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، حين علم باختيار الحكم المغربي الجيلالي غريب من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم، لقيادة مباريات مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية، “التحكيم المغربي تأهل للمونديال قبل منتخبنا الوطني، ستكون سعادتنا مزدوجة حين نحجز تذكرة العبور لكأس العالم”.
لم يكن الحسين الزموري الذي ترأس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ما بين 1992 و1994، وعرفت فترة ولايته تأهل المنتخب الوطني لنهائيات كأس العالم لسنة 1994 التي أقيمت بالولايات المتحدة الأمريكية، أن خروج الفريق الوطني من الدور الأول سيطيح به، وأن تألق الحكم غريب لن يشفع له، حيث سيعوضه زميله الجنيرال حسني بن سليمان.
نجح الجيلالي في الاختبارات التي نظمتها الفيفا استعداد للمونديال، وكان تنقيطه من بين الأوائل، بل إن المغاربة وجدوا في تألقه عزاء لهم من منتخب طاردته الخيبات. كانت أول مباراة له جمعت بين منتخب البرازيل ونظيره الروسي التي انتهت نتيجتها بفوز ممثل أمريكا الجنوبية بهدفين لصفر، التي جرت في ملعب ستانفورد ستاديوم بمدينة سان فرانسيسكو في 20 يونيو وقد حضرها أزيد من 81 ألف متفرج وكان خلالها الجيلالي مساعدا أولا للحكم الموريسي ليم كي تشونغ.
دخل الجيلالي غريب هذه المباراة وهو يتجرع ككل المغاربة خسارة منتخب بلاده أمام المنتخب البلجيكي، واليت مني بها يوم 19 يونيو أي قبل أن يخوض غريب نزاله الأول بيوم واحد.
بعد يومين فقط سيعود الجيلالي للظهور من جديد، سيتابع المغاربة حين عينته الفيفا كمساعد ثان للحكم الإيطالي فابيو بالداس لقيادة مباراة المنتخب المضيف الولايات المتحدة الأمريكية ونظيره الكولومبي، في ملعب روز باول بلوس أنجلوس حيث تمكن أهل الأرض من الفوز على ضيوفهم بهدفين لواحد، في مواجهة حطمت رقما قياسيا من حيث الحضور الجماهيري، حوالي 93 ألف متفرج.
من الصعب البحث عن الانسجام التحكيمي أمام تنافر التعيينات، فبعد أن أبان عن انسجام مع حكم الوسط الموريسي، خاض المباراة الثانية مع حكم إيطالي، لكن الثالثة كان مع حكم مغاربي في شخص الحكم التونسي ناجي الجويني في مباراة برسم المجموعة الرابعة وجمعت بين المنتخب الأرجنتيني بقيادة النجم عمر غابرييل باتيستوتا والمنتخب البلغاري بقيادة الهداف هريستو ستويتشكوف، وانتهت بفوز المنتخب البلغاري بهدفين نظيفين، في لقاء احتضنه ملعب كوتون باول بولاية دلاس وحضره جمهور فاق 60 ألف متفرج.
لم يتابع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مباريات ممثل التحكيم المغربي في المونديال، لم يكلف نفسه عناء التنقل إلى الملعب أو مقر إقامة غريب الجيلالي، وله مبرره في ذلك بحكم النتائج المخيبة للآمال لفريقنا الوطني في نهائيات كأس العالم، والتي كانت يتابع تفاصيلها الملك الحسن الثاني.
ولأن الانسجام مع حكم عربي كان حاضرا في مباراة غريب الثالثة، فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم قد اختاره لمجاورة الحكم الإماراتي علي بوجسيم إلى جانب الحكم الأرجنتيني إرنيستو طايبي كمساعد ثاني والحكم التونسي ناجي الجويني كحكم رابع، هذا الطاقم المكون من ثلاثة عرب وأرجنتيني قاد بتقدير مبهر جدا مباراة تحديد الرتبة الثالثة التي جمعت بين المنتخب السويدي ونظيره البلغاري، في 16 من يوليوز على أرضية ملعب روز باول بلوس أنجلس وانتهت بفوز المنتخب السويدي برباعية نظيفة أمام 91 ألف متفرج.
غريب ينقذ ماء وجه الكرة المغربية
عاد المنتخب المغربي إلى أرض الوطن مكسور الوجدان، سارع الملك محمد السادس إلى إقالة المدرب عبد الله بليندة ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وانشغل المغاربة في صيف 1994 بالخروج المذل للمنتخب المغربي، بينما كان ممثل الكرة المغربية الحكم الدولي غريب يرمم معنويات الغاضبين بتألقه في ما تبقى من مباريات المونديال، والإشادة التي لقيها من طرف لجنة التحكيم ومن الجمهور ومن الصحافة الأمريكية التي وصفته بـ”الرادار الآدمي”.
وجد المغاربة في الجيلالي بلسما لجراحات عميقة خلفتها مشاركة المنتخب الوطني في مونديال أمريكا، لكن حين عاد إلى أرض الوطن لم تخصص له الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم احتفالا يليق بمقامه، إذ كان الاحتقان الجماهيري عنوانا بارزا للمرحلة.
ظل اسما ساطعا في سماء الكرة العربية، وتم اختياره ضمن أطقم التحكيم التي شاركت في نهائيات كأس أسيا سنة 1996 أي بعد سنتين عن مونديال أمريكا، لكنه ظل محافظا على تواضعه حريصا على خوض مباريات الدوري الوطني وكأنه يخوض مباريات المونديال، وحين اعتزل الصفارة ظل حاضرا في مجتمع التحكيم بالمنطقة الشرقية يعبد الطريق أمام الحكام المغاربة ويفتح لهم المسالك الوعرة للمشاركة في المنتديات والدوريات الدولية.
يعتقد الكثيرون أن المونديال هو كل ما في رصيد هذا الحكم الوجدي، والحال أنه أول حكم مغربي نهائيات الألعاب الأولمبية سنة 1992 ببرشلونة قبل أن يعبر نحو مونديال الولايات المتحدة الأمريكية، خاض نهاية كأس إفريقيا للفرق البطلة عام 1993 وقاد مواجهة حارقة بين الزمالك المصري وأشانتي كوتوكو الغاني، وبعد سنة شارك في كأس إفريقيا للأمم سنة 1994 في الكوت ديفوار، قبل أن يشد الرحال صوب الولايات المتحدة الأمريكية.
اعتزل غريب وفي رصيده التحكيمي أزيد من 100 مباراة في مختلف المنافسات الإقصائية والنهائية للفرق والمنتخبات على المستوى الدولي، ناهيك عن مباريات لا تحصى على المستوى الوطني.
لكن ما يحسب للرجل إصراره على خدمة التحكيم من مختلف المواقع ممارسا أو معتزلا، وحين أنهى مساره انضم لهياكل التحكيم في عصبة الشرق، وشارك في تأطير مجموعة من الدورات التكوينية إيمانا بمسؤولي العصبة بضرورة الاستفادة من تجربته في تكوين أجيال من الحكام سيفتخرون أنهم تعلموا على يدي أول حكم مغربي يرفع الراية في أكبر تظاهرة لكرة القدم.
في المقابل انخرط غريب في إطارات جمعوية بالمدينة خاصة تلك التي لها علاقة بالتحكيم، خاصة جمعية حكام الشرق وجمعية الحكام الدوليين التي يرأسها يوسف مبروك، حيث يمثل إلى جانب زميله يحيى الكور التحكيم الشرقي.
منذ أن تقاعد الجيلالي من وظيفته في المكتب الوطني للسكك الحديدية، وهو يعبر عن استعداده لوضع رصيده من التجربة في كجال التحكيم رهن إشارة الجيل الجديد من الحكام، رغم أنه لم ينل التكريم والمكانة الاعتبارية التي يستحقها. مع بعض الاستثناءات طبعا من خلال مبادرة لبعض الغيورين على الرياضة المحلية نذكر منهم هشام برقية وعبد الله كاين واحميدة دحة، حين نظموا حفلا تكريميا لفائدة الحكم الدولي السابق غريب الجيلالي، وتضمن مباراة استعراضية في كرة القدم.
ويبقى التكريم الأبرز هو الذي أقدمت عليه مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، هو إرسال وفد من الرياضين إلى الديار المقدسة من أجل أداء مناسك الحج، مكون من: مولاي إدريس الخنوسي، وعبد الفتاح بن مبارك، وحمو فاضيلي، والحكم الدولي السابق غريب الجيلالي، والحسينة الدرامي، ومحمد اسنكار.
أبرز المحطات في المسار التحكيمي للجيلالي غريب
1992: الألعاب الأولمبية برشلونة
1993: نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة مصر
1994: نهائيات إفريقيا للأمم الكوت ديفوار
1994: نهائيات كأس العالم بأمريكا
1996: نهائيات كأس أمم آسيا بالإمارات