شوف تشوف

الرأي

موسيقى الحياة

يجيء عام ويرحل آخر، تمر بنا الحياة كمعزوفة موسيقية، تنتقل من نوتة لأخرى صعودا ونزولا لتنتج لحنا رائعا.. هو لحن الحياة! نصادف أشخاصا كتحف تزين سماء قلاعنا الحائرة، وننسى آخرين رحلوا عنا مسدلين بذلك ستائرهم التي فتحوها يوما، نمر بتجارب قاسية وأخرى رائعة، نحب ونفترق، ننسى من أحببنا يوما ونحب آخرين أروع، نبكي ونضحك، نصارع أمواج القلق العاتية ونسبح فوق تعرجات نهر الفرح.. نتمنى أمنية ونتركها بمجرد ما تتحقق، نجري وراء حلم ننساه عند الاستيقاظ وتمر الأيام لنتذكر طيشنا الصغير، فنضحك من تفاهة مأساتنا التي بكينا لأجلها يوما ما.  تدور بنا الدنيا نتعلم دروسا وننسى أخرى.. نتبنى أفكارا ونكفر بأخرى.. نسخر من جهلنا القديم الذي كنا نعده قمة التميز.. نعود لما كتبناه على جدران العالم الافتراضي فنصطدم بتخاريفنا البليدة ونتساءل كيف كتبنا هذه الخزعبلات يوما ما.. نتقدم خطوة ونتراجع أخرى.. نقف أحيانا لنجد أننا كبرنا بما يكفي لننسى إساءة الآخرين ونعذر تخلفهم وجهلهم وقبيح تصرفهم، فنتركهم ونرحل بهدوء دون كلمة تشفي غل صدورهم.. نتعلم أن الصدق نجاة وأنك مهما كذبت وتحايلت، سيأتي عليك يوم تقف عاريا أمام من سولت لك نفسك أن تتلاعب بأحاسيسهم.. نتعلم الاحتفاظ فقط ببسمة وكلمة طيبة من ذكرى الغائبين.
نلتقي صديقات نقاسمهن الأفراح والأحزان، الضحك والبكاء.. الحب والرحيل، نتفهم ابتعادهن ويتفهمن سكوتنا.. نتعلم أن أجمل ما تركوه لنا هو ذكرى بضعة أيام اكتشفنا فيها أنفسنا واكتشفنا فيها طفولة لا زالت تسكننا، أخرجناها بفضلهن إلى الوجود.. نتعلم أن الصداقة ستستمر حتى لو تباعدت الأجساد، فما وقر في القلب يبقى منقوشا عليه وإن غابت عن الأعين الصور والأشكال.. نتعلم أن الصدق يجمع المتباعدين رغم شساعة المسافات.
ندرس لننجح، نسهر لنبكي فرحا يوم نتيجة مرضية.. نتعب ونئن أرقا لنرى الفخر في أعين من شابت شعيرات رؤوسهم لأجلنا.. لنرى بريق الفخر في عيني أب انحنى ظهره لأجلك وأم تآكلت عظامها لتسعدك وتمنحك الحب مقرونا بمتاع الدنيا وحاجاتها.. نتعلم أن عناق والدك وأنت تزفه خبر نجاحك يستحق منك أن تدرس حتى تَمَلك الدراسة.. نتعلم أن أجمل ما يمكن أن تمنحه أما مكافحة هو شهادة فخرية ترضي بها فضولها العلمي الذي حالت الظروف بينها وإشباعه.. فترى فيك ثمرة تضحيتها التي رفعت رأسها فوق السحاب..
هاهي سنة ودعتنا تعلمنا منها ما يفوق حصره في كلمات وخسرنا فيها ما يتجاوز عده.. ربحنا تجارب وسقطنا في أخرى.. لكن الأكيد أننا خرجنا منها منتصرين.. انتصرنا على الحزن، على الإحباط، على الألم.. انتصرنا في حربنا مع من يحاول بث سلبيته داخلنا.. انتصرنا بالظفر على القسوة والبشاعة.. فما زلنا نملك أحلامنا وننميها، مازال الطموح شعارنا المرفوع عاليا.. فلا نحن سمحنا للفشل أن يتمكن منا ولا نحن طلقنا الأمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى