شوف تشوف

الرأيالرئيسيةتعليممجتمع

موسم توقف قبل أن يبدأ

 

 

يونس جنوحي

 

مؤثر فعلا مشهد التلاميذ الذين نُقلوا من إقليم الحوز لاستكمال دراستهم في مدارس مدينة مراكش وثانوياتها.

هؤلاء التلاميذ، بمختلف أعمارهم، لم يكونوا يتوقعون نهائيا قبل أسبوعين أن ينتقلوا إلى مؤسسات مدينة مراكش.

لاحظ العديد من الزملاء الصحافيين الذين زاروا المنطقة خلال تغطيتهم للأحداث، وجود «نوابغ» حقيقيين بين التلاميذ الناجين. وهؤلاء التلاميذ لم تُمنح لهم الفرصة بعدُ لكي يقولوا كلمتهم.

هذا السؤال طرحناه على أكثر من إطار تعليمي في المنطقة، وكان الجواب واحدا. لقد اعتادت قرى الأطلس، وليس منطقة الحوز وحدها، أن تُقدم للمدارس العليا المغربية سنويا خيرة الطلبة والتلاميذ، رغم أنهم قضوا حياتهم الدراسية في مدارس متواضعة، المادة الوحيدة المتوفرة فيها إلى جانب الطاولات هي الطباشير!

هزات الزلزال عرت واقعا مريرا يتخبط فيه التعليم في المناطق النائية. فحتى في ظل الظروف القاسية التي يقضي فيها التلاميذ وآباؤهم كل فصول السنة، هناك دائما مجال للتميز والنبوغ العلمي. والملفت أن هؤلاء التلاميذ يتحدثون بطلاقة أمام الكاميرا، رغم أن اللغة الغالبة التي يتحدثونها يوميا في منازلهم ويُعبرون بها عن حياتهم اليومية، هي الأمازيغية وليس العربية. ورغم هذه الفوارق الثقافية، فإنهم عبروا بكلمات صادقة عما أصابهم بعد الزلزال الذي اهتزت له المنطقة.

هناك تلميذات فقدن صديقاتهن في الأقسام الداخلية، وأصبحن قريبات من الموت أكثر من أي وقت مضى، لكنهن بقين متماسكات إلى آخر لحظة وعبّرن أمام عدسات المصورين الصحافيين، وحتى الطارئين على الصحافة والفضوليين، عن الحزن الكبير الذي خيم على قلوبهن بسبب فقدان صديقات لهن، كن جميعا إلى حدود الأيام القليلة الماضية التي سبقت الزلزال، يخططن لمستقبل ينقلهن بعيدا عن الواقع الصخري القاسي، وأزقة القرى الملتوية.

خّلف الزلزال مئات الأيتام في إقليم تارودانت، ومنذ الساعات الأولى للواقعة، تحركت الهواتف، وعبرت أسر كثيرة في مختلف مناطق المغرب عن رغبتها في احتضان أيتام الزلزال وفق الإجراءات والمساطر الإدارية والقانونية الجاري بها العمل.

لكن ما يجري به العمل حقيقة في مناطق الأطلس، حيث الجميع محافظون، أن أغلب الأسر لن توافق على تسليم الأطفال إلى أسر أخرى. إذ إن سكان الجبال يعتبرون الأطفال رأسمالا حقيقيا لا يجب أبدا التفريط فيه، حتى في مثل هذه الظروف. المساعي المتعلقة بكفالة اليتامى مع تركهم يعيشون إلى جانب أقربائهم في القرى، يبقى أفضل الحلول في ظل امتناع أسر كثيرة عن تسليم الأطفال التابعين لها إلى أسر مغربية أخرى في أماكن بعيدة عن الإقليم.

وحدها الحالات التي يُسجل فيها موت الأب والأم معا، وترك الأطفال بدون إشراف من الأجداد، أو الأعمام، يمكن أن يُنقل فيها الأطفال إلى خارج المناطق المنكوبة .إلى حدود كتابة هذه الأسطر، هناك أطفال في إقليم تارودانت، لا يزالون ينتظرون مع الناجين، استئناف السنة الدراسية التي بدأوها للتو. وهناك قرى لم تبدأ فيها الدراسة أصلا حتى قبل الزلزال، وهو ما يعري واقع الخصاص في الأطر التعليمية، خصوصا الأطر الموجهة إلى المناطق النائية والقرى المعزولة تماما، والتي يتطلب الوصول إليها قضاء ساعات وسط المسالك الوعرة، والتضاريس الملتوية والطرق غير المعبدة. هذه القرى تبقى منكوبة قبل الزلزال، وبعده. وفي الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن التبذير الواقع في توزيع المساعدات، إلى درجة أن المواد الغذائية لا تزال ملقاة على قارعة الطريق الوطنية، هناك أسر لا تزال تنتظر سقفا، حتى لو كان خيمة، يأويها من المبيت في العراء، خصوصا وأن موسم الشتاء على الأبواب. وكما تعلمون جميعا، الشتاء في الجبل لا يشبه أبدا الشتاء في أي مكان آخر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى