هشـام الطرشي
ما بين أول حالة إصابة بفيروس “كورونا” المستجد تم رصدها بتاريخ 11 دجنبر 2019، بمدينة “ووهان” الصينية، وبين آلاف الحالات التي يعلَن عنها يوميا عبر العالم، عرف منحى انتشار الفيروس تذبذبات، وإن كانت تشير في غالبيتها إلى الارتفاع في وتيرة الانتشار، فإن المحطات القليلة التي سجل فيها معدل انتشار “كوفيد 19″ استقرارا أو انخفاضا طفيفا في أفضل الحالات، أنتجت مواقفا وإن كانت علمية تتأسس على الدراسات المخبرية، إلا أنها تظل متباينة.
وسارعت العديد من المختبرات والمراكز البحثية إلى التحذير من حدوث موجة ثانية من جائحة فيروس كورونا، مشيرين إلى أن من مؤشراتها الارتفاع الملحوظ في عدد الإصابات والوفيات أيضا خلال الفترة الأخيرة. واصفين الأمر بـ”المثير للقلق”.
التعامل مع الفيروس، عــود على بدء
الفيروس التاجي الذي اشرأبت له الأعناق في بدايات انتشاره حيث استقرت أعداد الإصابات حول العالم في حدود حوالي 700 ألف إصابة، وحالات وفاة تجاوزت 31 ألف و700 حالة، فيما تعافى من الفيروس خلال نفس التاريخ ما مجموعه 145 ألف 600 شخص.
هو نفسه الفيروس الذي خنق اقتصادات دول العالم، ورفع الدين العام العالمي إلى أعلى مستوياته حتى أنه تجاوز ما كان عليه عقب الحرب العالمية الثانية. كما أنه أدخل أقوى الاقتصادات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، في حالة ركود بعدما سجل ناتجها المحلي انخفاضا تجاوز ثلث قيمته ليصنف اقتصادها بـ”المنكمش”.
وإذا كان مجموع ما حصده الفيروس عبر العالم، من إصابات، إلى حدود متم يومه الجمعة 31 يوليوز الجاري، قد بلغ 17 مليونا 321 ألفا و394 حالة إصابة، منها 24 ألف و322 حالة تم تسجيلها بالمغرب منذ الإعلان عن أول حالة في 2 مارس الماضي، فيما بلغ مجموع حالات الشفاء التام 17 ألف و658 حالة بنسبة تعاف تناهز 72 في المائة، كما تم تسجيل ارتفاع عدد الوفيات إلى 353 حالة.
وبعد أشهر من الحجر الصحي عالميا، وفي محاولة لاستثمار المعطيات الرقمية اليومية التي أشارت إلى انخفاض في عدد الإصابات والوفيات في مقابل ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الشفاء من الفيروس، قررت جل الدول تخفيف الإجراءات المصاحبة للحجر الصحي، سواء بتخفيف القيود على تنقل الأفراد والسفر خارج حدود بلدانهم، أو الاستعادة التدريجية للأشخاص والمؤسسات لوظائفهم وحركيتهم.
لكن هذا التخفيف في الإجراءات، تزامن مع ارتفاع جديد في عدد المصابين بفيروس “كورونا”، بل تم الربط بينه وبين استهداف الفيروس لفئات عمرية معينة وحتى لمناطق جغرافية بعينها عبر العالم. ما جعل النقاش العام يتجه إلى توصيف الأمر بـ”موجة ثانية” للفيروس التاجي.
من جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء المنصرم، من مغبة التهاون في مواجهة انتشار العدوى والاستهتار بالطرق التي تسهل من عملية انتقال الفيروس من شخص لآخر. حيث قالت المتحدثة باسمها، مارغريت هاريس “ستكون موجة كبيرة واحدة، وسوف تتفاوت علوا وانخفاضا بعض الشيء، وأفضل ما يمكن فعله هو تسطيح الموجة وتحويلها إلى شيء ضعيف يلامس قدميك”.
وطنيا، وبالرغم من تأكيد وزير الصحة، خالد آيت الطالب، غير ما مرة في تصريحات صحفية على أن الارتفاع المسجل مؤخرا في عدد الإصابات بالفيروس، مرده بالأساس إلى قرار المغرب الرفع من الاختبارات اليومية التي يتم إجراؤها بخصوص الفيروس.
حيث بلغ عدد التحاليل التي أجريت، ما بين الجمعة 17 والأربعاء 2 يوليوز 2020، بمختلف المختبرات الوطنية المرجعية وفرق الاستجابة السريعة على الصعيد الميداني، 130 ألفا و700 تحليلة، بمعدل يومي بلغ أزيد من 18 ألف كشف عن الفيروس في ما يتعلق بالتشخيص، فضلا عن التحاليل الأخرى التي تجرى للمرضى في المؤسسات الاستشفائية، ما بوأ المغرب المرتبة الثانية إفريقيا والأول في شمالها من حيث عدد تحاليل الكشف عن حالات الإصابة بفيروس “كورونا”.
إلا أن الوزير عاد ليؤكد في تصريحات لاحقة أن المغرب ليس في مأمن من موجة ثانية من الفيروس. مشددا، في سياق متصل، على ضرورة التزام المواطنين بإجراءات النظافة والوقاية المعمول بها، مقرا بأن عوامل عديدة قد تداخلت في إبراز بؤر وبائية عديدة. ملمحا إلى إمكانية اتخاذ الحكومة لإجراءات صارمة، قد يكون من بينها العودة، وإن جزئيا للحجر الصحي، وذلك “بالرغم من تكلفته وصعوبته”، بحسب ذات المتحدث.
موجة ثانية للفيروس، حقيقة أم اجتهاد؟
إذا كان اختلاف الخبراء في العلوم ذات الصلة بالفيروسات على أدق تفاصيل هذا الفيروس أو ذاك، من نشأته إلى تركيبته الجينية ومقترحات الحلول الممكن من خلال ابتكار لقاح أو علاج فعال، أمر وارد ومؤكد، فإن إجماعهم على عدم وجود تعريف علمي لوصف “موجة ثانية” لفيروس ما أمر محسوم فيه، لكن مع الإبقاء على غريزة الاختلاف في تفاصيل وجزئيات بعينها.
لكن جرت العادة تعميم وصف “موجة ثانية” للفيروس، للتعبير عن عودة ظهور إصابات جديدة بالفيروس بعدما تراجعت بشكل كبير أو كلي تقريبا. كما إطلاق ذات الوصف للإحالة على أن الفيروس عرف طفرة جديدة مكنته من إعادة التأقلم مع المحيط المتواجد فيه، وبالتالي إعادة انتقاله من طرف لآخر.
وعلاقة بالموضوع، قال عالم الأوبئة في المركز الطبي بجامعة نورث كارولينا، ديفيد ويبر، إن وصف “موجهة ثانية” للفيروس تم استخدامه لوصف الاتجاهات المختلفة خلال الجوائح السابقة، بما في ذلك الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 والسارس عام 2003، مضيفا أنه “في ذلك الوقت، وصلت الإصابات إلى الصفر، ثم بعدها ظهرت إصابات جديدة بسبب طفرة ثانية للفيروس، هذا ما نقصد به “موجة ثانية”.
ولتفادي التداعيات المحتملة لظهور موجة ثانية من الفيروس، دخل الخبراء والمتخصصون في علم الأحياء في سباق مع الزمن، منذ حوالي سبعة أشهر للوصول إلى لقاح يجمع بين الفعالية التي من المفترض تتطلب ما بين جرعة وجرعتين، والسرعة في التصنيع والتوزيع حيث يستغرق إنتاج لقاح آمن وفعال بين 12 و18 شهرا منذ مرحلة بداية التطوير.
ويقول الخبراء إن الضعف السريع للمناعة يثير مشكلات كبرى أمام مطوري اللقاحات، وأمام السلطات الصحية بمختلف البلدان ممن يسعون لنشر تلك اللقاحات لحماية مواطني دولهم من موجات تفشي الوباء في المستقبل. وقال ستيفن جريفين، أستاذ الطب المساعد في جامعة ليدز: “لكي تكون اللقاحات فعالة في الحقيقة، فإن هناك خيارين: إما الحاجة لتطوير حماية أكثر قوة وأطول أمداً، أو أن يجري الحصول على اللقاح بانتظام”.