النعمان اليعلاوي
أغلقت السلطات المختصة بمدينة قصبة تادلة عيادة طبية للأسنان، إثر شكاية تقدم بها مواطن تضرر من خدماتها، وتبين بعد البحث عدم توفر صاحبها على ترخيص بمزاولة المهنة. وكشفت مراسلات توصلت بها «الأخبار» عن تقدم شاب بشكاية إلى القضاء، يتهم فيها صاحب العيادة بالإهمال الذي نجم عنه ضرر كبير في فمه، وفتحت المصالح المختصة، على إثرها، تحقيقا في الموضوع خلص إلى أن المعني يشتبه في انتحاله صفة طبيب أسنان. وأوضحت المصادر ذاتها أن السلطات المختصة بمدينة قصبة تادلة قررت إغلاق العيادة، وأفادت لجنة مختصة للبت في الموضوع، والتي خرجت بتوصية مفادها كون صاحب العيادة المذكورة لم يقدم رخصة مزاولة المهنة، ما دفع اللجنة الوصية إلى منعه من مزاولة المهنة، وإغلاق العيادة.
وخلال الاستماع إليه، أكد المعني أمام الشرطة أن الأمر يتعلق بشكاية كيدية تقدم بها الشاب المتضرر ضده من أجل الضغط عليه بعد أن تعرض للنصب والاحتيال على يد أب الضحية، هذا السيناريو الأول سرعان ما تهاوى بعد أن تقدم الضحية بتسجيل صوتي يؤكد العلاقة بين المريض وصاحب العيادة، ليتم التحقيق من جديد مع الأخير، الذي أكد، مرة ثانية وفي سيناريو ثان، أن الأمر يتعلق باستشارة طبية، غير أن الضحية قدم تسجيلا صوتيا ثانيا لمكالمة تمت بينه وبين رئيس الفرع الإقليمي لمرممي ومركبي الأسنان يعرض من خلالها التوسط بينه وبين صاحب العيادة وإصلاح الضرر، وبالمقابل لم يقدم المشتكى به للشرطة ما يثبت أنه طبيب مختص في مثل هكذا عمليات.
من جانبه، دخل المجلس الجهوي للجنوب لهيئة أطباء الأسنان الوطنية، على خط القضية، معلنا وقوفه إلى جانب المشتكي، مؤكدا في وثيقة رسمية أن «ف.ف» غير مقيد بجدول هيئة أطباء الأسنان الوطنية بالمغرب، وبذلك لا يجوز له أن يقوم بأي عمل من أعمال مهنة طبيب الأسنان بالقطاع الخاص. وأوضحت الهيئة أن «هذه الحادثة فجرت فضيحة من العيار الثقيل أن شخصا يمارس مهنة طبيب أسنان دون ترخيص وهو ما يعرض حياة المرضى للخطر، وهو ما يستوجب بالضرورة وقف هذه الممارسة». وأشارت الهيئة إلى أن القضية وصلت القضاء، غير أن المحكمة الابتدائية قضت لصالح المتهم صاحب العيادة ضد «الضحية»، حسب الهيئة التي قالت إن تبرئة المتهم تطرح الكثير من التساؤلات، خصوصا بعد تأجيل الحكم لدى محكمة الاستئناف، وهو الأمر الذي دفع الهيئة إلى مراسلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
من جهتها، طالبت نقابة صانعي ومركبي الأسنان فرع قصبة تادلة، في بلاغ لها، عقب اجتماع استثنائي، والي جهة بني ملال خنيفرة، بالتراجع عن قرار إغلاق مقر ترميم أسنان بقصبة تادلة، مشيرًا إلى أن اللجنة اعتمدت في قرار الإغلاق على الظهير الشريف 41 .07. الصادر في 28 من ربيع الأول 1428 / 17 أبريل 2007 بتنفيذ القانون رقم 05.07 المتعلق بهيئة أطباء الأسنان الوطنية، في حين أن هذا القانون، حسب النقابة المذكورة، لا ينطبق على مهنة صانعي ومركبي ومرممي الأسنان، ما اعتبروه «قرارا جائرا، ومتحيزا، ومتسرعا في حق المعني بالأمر».
وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد احجيرة، رئيس المجلس الوطني لهيئة أطباء الأسنان بالمغرب، إن «الهيئة قررت التنصب كطرف مدني في القضية المتعلقة بالممارسة غير الشرعية للمهنة في مدينة قصبة تادلة، حيث إن القضية اليوم بيد قضاء الاستئناف، الذي نتمنى أن ينصف المتضرر»، مضيفا، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أن «الأطباء لديهم كل الثقة في القضاء من أجل وقف هذه الممارسات غير الشرعية، علما أن هناك كل الأدلة بما فيها تقرير لجنة التفتيش، التي تبين ممارسة المعني بالأمر لمهنة طب الأسنان، دون ترخيص أو تكوين»، مشددا على أنه «من غير المقبول أن يتم تعريض صحة وحياة المواطنين للخطر بهذه الممارسات التي تضرب صلب القانون وتمس السلامة الصحية للمواطنين، بطبيب الأسنان لا يمكنه ممارسة المهنة إلا بعد تكوين لسبع سنوات وانتقاء للدراسة بكلية الطب، في حين أن هؤلاء الممارسين يضربون كل هذه القواعد».
وأشار احجيرة إلى أن «الهيئة تتوصل بعشرات الملفات المتعلقة بالممارسة غير المشروعة، وهناك العديد من المتضررين الذين قرروا اللجوء للقضاء»، مبينا أن «الهيئة تشتغل على الجانب التشريعي من خلال مشروع تعديل قانون ممارسة مهنة أطباء الأسنان، والذي سيجرم أي ممارسة لعلاج الفم والأسنان دون التوفر على رخصة من لدن الهيئة وبعد التكوين الخاص بأطباء الأسنان»، مؤكدا «أن هناك مشروعا لدى البرلمان يهم تنظيم مهنة مرممي الأسنان والذين لا يمارسون مهامهم إلا بترخيص من السلطات المعنية، وفي النطاق المتعلق بالترميم بناء على القياسات التي يحددها طبيب الأسنان، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ممارستهم لمهنة طب الأسنان».
وحسب أرقام هيئة أطباء الأسنان، فإن ما يناهز 3300 منتحل لصفة طبيب أسنان، يعرضون يوميا حياة وصحة المواطنين للخطر، متسببين في أمراض تعفنية ومعدية وعاهات مستديمة تصل أحيانا إلى الوفاة أو العمى أو الإصابة بأمراض معدية، وتشير معطيات الهيئة إلى «أن عددا من الأمراض المنقولة كالسل والسيدا، وأمراض أخرى، تكون وراءها الممارسة غير المشروعة لمهنة طب الأسنان في محلات غير معقمة ولا تحترم الظروف الصحية»، حسب الهيئة، مبرزة أن الدولة «تنفق أموالا ضخمة للقضاء على الأمراض المعدية في وقت تساهم الممارسة غير القانونية لطب الأسنان في نقل هذه الأمراض».