انتفض قاطنو دوار «محيجر» الصفيحي بالصخيرات المعنيون بآخر عملية ترحيل، في وجه السلطات والقوات العمومية المكلفة بإنفاذ الهدم والترحيل، حيث شهدت المنطقة، مساء أول أمس الاثنين الذي صادف ثاني أيام العيد، مواجهات ساخنة بين عناصر القوات العمومية وقاطني الدوار الصفيحي الذين انضم لهم سكان مجاورون.. وهي المواجهة التي استعملت فيها الحجارة وانتهت بعشرات الإصابات في صفوف الطرفين واعتقالات بالجملة.
وأكدت مصادر «الأخبار» أن المواجهات القوية التي عرفتها مدينة الصخيرات، أول أمس، سبقت موعد تنفيذ السلطات لعملية الهدم التي كانت مبرمجة صباح اليوم الأربعاء، وفق أجندة محددة سلفا من طرف الوالي اليعقوبي العامل بالنيابة بعمالة الصخيرات تمارة، في انتظار القرار الذي اتخذه هذا الأخير بعد احتدام المواجهة وممانعة المعنيين في تلبية نداء السلطة بمغادرة البراريك وهدمها، مقابل تسلم شقق بعمارات مجاورة للحي الصفيحي.
وأفادت مصادر محلية بأن مئات الرافضين لقرار السلطة يطالبون بتسليمهم بقعا أرضية عوض شقق، أسوة بقاطني حي صفيحي مجاور كانوا قد استفادوا من بقع قبل عشرين سنة، في الوقت الذي تتشبث السلطة باقتراح الشقة الاقتصادية كبديل للبراكة في ظل ندرة الوعاء العقاري ومضاعفة عدد المستفيدين والتغيرات الديموغرافية والمجالية التي عرفتها المنطقة على مدى عقدين من الزمن.
وأفادت مصادر الجريدة بأن دوار محيجر، المعني بعملية الترحيل، يعتبر آخر الأحياء الصفيحية المتبقية بجماعة الصخيرات، حيث يبلغ عدد قاطنيه حوالي 1500 عائلة، من أصل 5000 أسرة معنية بعملية الترحيل بالجماعة، رحلت منها أكثر من 3500 عائلة منذ الشروع في إنفاذ العملية، وهو العدد الذي ينضاف إلى الآلاف من قاطني دور الصفيح الذين تشملهم العملية على مستوى عمالة الصخيرات تمارة، 90 في المائة منها تتواجد بتراب جماعة تمارة، التي تتسم عملية الهدم والترحيل بها ببطء شديد في ظل ممانعة كبيرة لقاطني بعض الأحياء الصفيحية التاريخية، مقابل انسيابية كبيرة ببعض الأحياء التي قبلت شروط السلطات العمومية وتسلم شققها السكنية.
وكانت جمعيات حقوقية ومدنية محلية ووطنية نددت بالأجواء المشحونة التي ترافق عمليات هدم وترحيل قاطني دور الصفيح بتمارة تحت إشراف الوالي اليعقوبي، عامل تمارة بالنيابة، الذي عوض العامل يوسف ادريس الموقوف من طرف وزارة الداخلية، حيث اعتبرت العملية، في جزء كبير منها، تشريدا لمئات الأسر، بعد هدم براريكها في عز رمضان، مقابل وعود بجاهزية الشقق البديلة بعد أشهر، ما تعذر على الكثير منها التوفر على إمكانيات كراء شقق، تزامنا مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وظروف الهشاشة القصوى التي يعيشها سكان الدواوير الصفيحية.
وكانت جمعيات حقوقية وسياسية بتمارة طالبت بفتح تحقيق عاجل في خروقات جد خطيرة رافقت عملية إحصاء المستفيدين من برامج إعادة الإيواء والإسكان بتمارة، وتسببت في اختلالات واحتقانات باتت تعرقل عملية الترحيل. وتحدثت المصادر الحقوقية نفسها عن استفادة غرباء من عملية إعادة الإسكان بتواطؤ مع أعوان السلطة، وإدراج أسماء أقارب عدد من أعوان السلطة ضمن لوائح المستفيدين على حساب سكان البراريك.
وفي هذا السياق، قال صديق زمران، نائب رئيس جماعة الصخيرات، إن أصل المشكل هو الخلاف بين سكان الدوار الصفيحي والسلطات المعنية بالإسكان، حيث يستند السكان إلى اتفاقية سابقة تقضي بتسليمهم بقعا أرضية لإعادة الإيواء، في الوقت الذي تتشبث السلطات المعنية ببرنامجها الإقليمي القاضي بإعادة الإيواء في شقق سكنية، حسب المتحدث، الذي أوضح، في تصريح خص به «الأخبار» قائلا: «حاولت التوفيق بين وجهات نظر ومطالب السكان والجهات الحكومية المعنية ببرنامج إعادة الإسكان، غير أننا لم نفلح لتشبث كل طرف بوجهة نظره»، مضيفا أن «الجماعة سبق وعقدت عدة لقاءات مع السكان، واستقبلناهم في كثير من المناسبات ونتفهم مطالبهم، كما نتفهم توجه السلطات، ولا يمكن تغليب طرف على الآخر»، مبرزا أن «مسؤولية الجماعة متمثلة في تسهيل جميع الإجراءات المرتبطة بمساعدة المنعشين العقاريين في حال الاتفاق بين الطرفين على إعادة الإسكان في الشقق، أو تسهيل جميع الإجراءات للتأهيل بالنسبة للبقع الأرضية، والجماعة ليست طرفا أساسيا في هذا الملف».
وطالب الحزب الاشتراكي الموحد، الوالي اليعقوبي عامل عمالة الصخيرات تمارة بالنيابة، بفتح تحقيق في ملف إعادة إيواء قاطني دور الصفيح بالإقليم، وخاصة قاطني دوار الجديد أمحيجر بالصخيرات، منبها، عبر فرعه الرسمي بتمارة، إلى أن هذا الملف عرف مجموعة من الخروقات أهمها تلاعب أعوان من السلطات من خلال إقحامهم لمواطنين غير ذوي صفة ضمن القاطنين بدور الصفيح.
وشدد الحزب على ضرورة فتح تحقيق حول التلاعبات بدوار أمحيجر بالصخيرات خصوصا، ومجموع لوائح القاطنين بدور الصفيح بالإقليم التي لم تسلم بدورها من هذا الأسلوب وترتيب الجزاءات المتطلبة في الموضوع، كما طالبت جمعيات حقوقية عديدة بالتوقف عن تشريد الأسر دون تقديم بدائل عاجلة تراعي أوضاعها الهشة، في ظل الغياب التام للتواصل من طرف السلطات المعنية وتفهمها لأوضاعها المأساوية.
تجدر الإشارة إلى أن برنامج القضاء على دور الصفيح بتمارة يهم حوالي 80 ألف أسرة موزعة بين دواوير كثيرة منتشرة بتراب الإقليم، وخاصة تمارة والرباط والصخيرات، وهو البرنامج الضخم الذي يعرف تعثرات كبيرة بسبب اختلالات وتجاوزات السلطة في تحديد لوائح المستفيدين والتلاعب فيها على مدى عقود من طرف رجال وتعاون سلطة، كما يرافق العملية تخوف كبير من تحويل مدينة الصخيرات الساحلية إلى بؤرة نزاعات وهشاشة وإجرام، بعد استقبالها لأفواج بشرية ضخمة يناهز تعدادها سكان مدن مغربية بأكملها، دون توفير أحواض التشغيل والنقل والخدمات الاجتماعية والترفيهية.
نعمان اليعلاوي