مهمة مستحيلة (2/1)
ينظر البعض إلى تعيين محمد حصاد على رأس وزارة التعليمين العالي والمدرسي على أنه مفاجأة، والحقيقة أن من تتبع مسار الأحداث والقرارات والنقاش الذي بدأ منذ الخطاب الملكي في يوليوز 2013 إلى الآن، لن يتفاجأ إطلاقا من تعيين حصاد على رأس هذا القطاع، ولن يتفاجأ من تحويل التعليم إلى قطاع سيادي، بعد أن ثبت بالأدلة القاطعة حجم الكوارث التي تسبب فيها السياسيون والنقابيون في هذا القطاع.
ومن هذه الأدلة نجد أنه في الوقت الذي كان الوزراء السابقون ينفون وجود أزمة في القطاع، جاء خطاب 2013 ليقول الحقيقة كاملة بدون تحيز لهذه الجهة أو تلك، فتعليمنا يعيش الكارثة بسبب الحزبوية الضيقة التي أدخلته في دوامة إصلاح الإصلاح، حيث يعمد كل وزير جديد إلى إلغاء مشاريع سابقه والبدء من الصفر، مع أن خصوصية هذا القطاع تفرض أن تكون هناك استمرارية في السياسات التعليمية، فما يطبق في سنة معينة لا تظهر ثماره إلا بعد مرور عقد من الزمن على الأقل، لأن الأمر يتعلق بتربية البشر وليس بتربية البقر، بدليل أن كل الأرقام التي تصور بالتفصيل الوضع الكارثي لتعليمنا في 2017 ماهي إلا ثمرة للسياسات الارتجالية التي تم اتخاذها في 2008.
إذن، هل سينتظر المغرب أن تفهم هذه الأحزاب المتصارعة حول الحقائب الوزارية أن قطاع التربية ينبغي أن يظل بعيدا عن كل المزايدات؟
والحقيقة أن تعيين حصاد وزيرا على القطاع ليس نزهة بالمرة، لأنه تسلم قطاعا أسوأ بكثير مما يعتقد البعض، سوء لا يقف عند حدود ما نراه في المؤسسات التعليمية من انعدام للاحترام والجامعات من عنف عبثي، ويتعدى أيضا ما نراه يوميا في شوارع الرباط من احتجاجات لخريجي الجامعات العاطلين. فالتقارير التي تناولت القطاع تشير بوضوح لأزمة شاملة ولا يوجد جزء واحد منه يمكن التفاؤل به، سواء بالنسبة للأطفال الذين لم يجدوا بعد فرصة للتعلم، أو لهؤلاء الذين وجدوا هذه الفرصة ومع ذلك فمستواهم الدراسي، وبلغة الأرقام، لم يتعد قط عتبة الأمية، كما سنرى لاحقا.
ولنبدأ بمستوى الأطفال الذين يغادرون المدرسة دون استكمال تعليمهم الأساسي لينضموا إلى ملايين الأميين الآخرين. ففي دراسة أنجزها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، مؤخرا، عن الإنصاف والمساواة في التعليم، نجد تباينا كبيرا في حظوظ الأطفال المغاربة في الحصول على فرص للتعليم، وهذا يظهر بوضوح خريطة الطريق للوزير محمد حصاد إن هو رغب فعلا في إصلاح قطاع التعليم، حيث نجد أن النسبة بين الأقاليم والجهات تتراوح بين 2.7 و9 في سنوات التمدرس، و0.35 و0.70 في نسبة اللامساواة، وهو ما يعني أن هناك أقاليمَ أو عمالات تحقق نسبا محترمة، تضعها في مصاف دول متقدمة في آسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية، وأقاليم وعمالات أخرى لا تختلف مؤشراتها عن دول إفريقية كجنوب السودان، أي أن التباين بين العمالات والأقاليم يصل إلى 91 نقطة، وهو رقم يزكي، حسب الدراسة، واقع وجود تفاوت كبير بين مناطق المغرب، فالرباط تحتل الرتبة 81 عالميا، في حين أن إقليم شيشاوة هو الأضعف وطنيا ويحتل الرتبة 173 عالميا، أي المرتبة الأخيرة تماما.
الدراسة أظهرت أيضا أن بعض الجهات تتضمن تباينات صارخة في مستويات التمدرس بين أقاليمها، في حين أن جهات أخرى أقل تباينا، وتأتي على رأس الجهات التي تعرف تقاربا في مستوى عمالاتها جهة العيون وجهة درعة- تافيلالت، في حين أن جهة مراكش هي الجهة التي تعرف تباينات صارخة، تليها جهة الرباط وجهة الدار البيضاء، ففي جهة مراكش، التي تعتبرها الدراسة هي الأضعف وطنيا من حيث مؤشرات التمدرس، سواء من حيث السنوات أو من حيث المساواة والإنصاف، فضلا عن وجود تباين صارخ، فمراكش المدينة تحتل المرتبة العاشرة وطنيا في حين أن أقاليم تابعة للجهة، كشيشاوة والصويرة والحوز واليوسفية وقلعة السراغنة، تعرف مستويات متدنية جدا، لكونها تحتل على التوالي الرتب 75 و69 و73 و62، أي أن إقليم شيشاوة هو الأضعف وطنيا على الإطلاق في هذين المؤشرين، إذ تصنفه الدراسة على أنه أيضا في الرتبة ذاتها مع الدولة الأخيرة عالميا أي في الرتبة 175، لتكون هذه الجهة هي أكبر جهة تعرف تباينات على مستوى اللامساواة في التعليم.
والملاحظة نفسها يمكنها أن تشمل أيضا جهة الرباط- سلا- القنيطرة، حيث تحتل الرباط المرتبة الأولى وطنيا، في حين أن رتبة الصخيرات- تمارة هي الثالثة ومرتبة سلا هي الخامسة، لكن إقليم سيدي قاسم، الذي تمت إضافته لهذه الجهة في التقسيم الجهوي الجديد، يحتل الرتبة 57 وطنيا، والوضع نفسه تعرفه جهة الدار البيضاء- سطات، حيث إن الدار البيضاء هي الثانية وطنيا، والمحمدية تحتل الرتبة 7، في حين أن رتبتي سطات وسيدي بنور هي 56 و67 على التوالي، وهي الأرقام التي تظهر، حسب الدراسة نفسها، أن التقسيم الجهوي الجديد تم إنجازه قياسا لمؤشرات محددة، خاصة اقتصادية، لكن ذلك لم يمنع من ظهور تباينات بين أقاليم الجهة الواحدة، وهو ما يعني في الترتيب الدولي أن أربع جهات فقط يمكنها أن تدخل في مرتبة الدول التي تتجاوز ست سنوات من التعليم، كما أن 19 عمالة من 75 و184 جماعة ترابية من 1538 يمكن وضعها في الترتيب نفسه، في حين أن الباقي يرتب ضمن الرتب التي تعرف ارتفاعا في نسبة اللامساواة وتدني سنوات التمدرس.
فما يستفاد من هذه المعطيات هو أن محمد حصاد سيكون أمام رهان كبير يتمثل في ضمان حقوق الحصول على التعليم بالتساوي لكل المغاربة، فليس المشكل مشكل طاولات كما يعتقد، والذي لن يستفيد من صفقته سوى المورد المعروف بالفوز بصفقات الطاولات، بل المشكل مشكل مساواة.