من يُعيد إليك التحف؟
يونس جنوحي
نسمع كثيرا عن تفكيك عصابات التنقيب عن الكنوز. هنا وهناك، خصوصا في منطقة سوس، يتم إيقاف أفراد متلبسين بالحفر بحثا عن صناديق الذهب خصوصا بالقرى التي اعتاد سكانها على إخفاء ممتلكاتهم وأموالهم تحت الأرض في زمن «السيبة». الأمر يتعلق بسياق تاريخي محض في زمن لم تكن فيه أبناك ولم يكن الناس يأتمنون الصناديق على ممتلكاتهم إذ كانت الغارات التي تقوم بها المناطق ضد بعضها البعض، قبل زمن الانتخابات، تؤدي دائما إلى مصادرة الممتلكات ونهب محتويات المخازن والمنازل، وهكذا فكر السكان المحليون في حماية أموالهم ومقتنياتهم النفيسة والثمينة في جوف الأرض.
بالأمس، أزعجني منظر حفرة صغيرة في منطقة المدينة القديمة في قلب طنجة، إذ إن كل جولة بين أزقتها تفتح عينيك على حقيقة ما.
هل يعقل أن تكون تلك الحفرة الصغيرة بداية سرداب ما من السراديب التي تم اكتشافها في المدينة فبراير الماضي؟ أم أن الأشغال التي تعرفها المنطقة ككل كشفت بعض آثار الحفر القديمة.
ففي القرن الماضي كانت هناك عصابات بغطاء علمي استكشافي، جاءت إلى طنجة للقيام بالتنقيب عن الآثار الرومانية. وببحث بسيط بالإمكان أن تجد أن بعض العمليات نتج عنها استخراج رؤوس تماثيل مكسورة من تحت منازل المدينة القديمة، وفي منطقة مرشان، لبعض المستخرجات الرومانية التي تعود لسنة 25 قبل الميلاد. وهي السنة التي أعلن فيها استقلال المغرب عن روما قبل أن يعود «كلوديوس» لاستعادة طنجة من جديد، حسب ما توفره الوثائق الرومانية والنقوش في العاصمة الإيطالية.
المثير أن مستكشفين فرنسيين اسمهما «بونسيش و«شاتلان» جاءا فعلا إلى مدينة طنجة في غشت 1935، وقاما بحفر بعض المناطق بحثا عن الآثار الرومانية بعد أن وجدا مخطوطات قديمة تؤكد أن بعض قصور الرومان لفترة ما قبل الميلاد كانت تضم تماثيل للقادة الرومانيين الذين سيطروا على طنجة عسكريا.
وفعلا، حسب ما تم توثيقه في المكتبة العامة الفرنسية، ويمكن الوصول إليه بسهولة شديدة بالمناسبة، فإن هذين المستكشفين وجدا تمثالا بعد أن حفرا بمعية حفارين محليين بعمق ثمانية أمتار.
التمثال لسيدة من العصر الروماني تبدو منحنية وترتدي لباسا طويلا وكأنها تعانق نفسها.
وعندما تم استخراج التمثال، لم يتم إشعار السلطات، وإنما شُحن لكي «تتم دراسته» أمام أعين الناس. واختلف العالمان في ما بينهما حول تصنيف التمثال، إذ إن «بونسيش» تعصب لرأيه في تصنيف التمثال على أنه جنائزي، بينما ذهب «شاتلان» إلى تعريف الاكتشاف المبهر على أنه يندرج ضمن التماثيل التخليدية.
أي أن التمثال، حسب اعتقاد هذا الأخير، يدخل في سياق تكريم شخصية صاحبة التمثال، وقد يجني بائعه ثروة هائلة. وعلى أبعد تقدير فإن التمثال ربما استقر في معرض للتماثيل في أوروبا، حيث تصبح قيمته المادية غير محددة، وربما يكون في إقامة شخصية مهووسة بجمع التحف، دفع مقابله ملايين الدولارات.
لو أن هذين الفرنسيين اللذين يمكن أن تجد اسميهما في أرشيف المجلات التخصصية، عاشا بعد ثمانين سنة فقط من تاريخ أنشطتهما في مجال الحفريات، لكان التعامل معهما مختلفا. إذ إن ما كانا يقومان به يندرج في خانة سرقة تاريخ دولة أخرى، واستغلال العشوائية والفراغ القانوني الذي ينظم الآن مثل هذه العمليات في مجال التنقيب.
تخيلوا فقط كم من «بونسيش» و«شاتلان» مرّوا من المغرب، وحفروا في جوف الأرض بحثا عن أجزاء من تاريخ البلاد لترحيلها إلى الخارج.
وهنا نعتذر لدرويش على الاستعارة. إذ حتى لو «أعادوا إليك التحف»، من يُعيد إليك نشوة تلك اللحظة التي يُخرج فيها الناس تاريخهم من عمق الأرض؟ هذا إن كانت لأحد أصلا النية في إعادة ما تم اكتشافه قبل أزيد من ثمانين سنة.