شوف تشوف

الرأي

من ينقذ نيويورك!

فدوى مساط

«نيويورك.. نيويورك.. أريد أن أكون جزءا منك.. أريد أن أستيقظ في مدينة لا تنام».
لا أعتقد أن فرانك سيناترا كان سيرغب بالاستيقاظ في نيويورك اليوم، على الأرجح كان سيختار مثل بقية المشاهير، الهرب منها إلى جزيرة معزولة في الكاريبي.
المشهد اليوم في نيويورك ينتمي لعالم اللامعقول. الأوصاف التي تطلق على ما يجري في نيويورك من قبيل «القيامة» و«نهاية العالم»!
حتى كتابة هذا العمود، تجاوز عدد المصابين في نيويورك خمسين ألفا، أي أكثر من فرنسا. أجهزة التنفس غير موجودة، ولا مكان لمراكمة الجثث. كل هذا يجري في مدينة تقود الصناعات الطبية في الولايات المتحدة، وفيها ستون ألف طبيب ويعمل فيها نصف مليون شخص في المجال الطبي بأكثر من سبعين مستشفى كبير، ويقيم فيها مائة وسبعة وعشرون حائز على جائزة نوبل في العلوم!
رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلاسيو أطلق نداء استغاثة عبر وسائل الإعلام، قائلا إن المعدات الطبية الضرورية لعمل المستشفيات لا تكفي سوى لبضعة أيام، ومستشفيات المدينة على وشك الانهيار، وأضاف «نحن على بعد عشرة أيام من رؤية نقص واسع لأقنعة الوجه وأجهزة التنفس»، وناشد الرئيس دونالد ترامب تعبئة الجيش لرفع وتيرة الإنتاج والتوزيع في ما يخص المعدات الطبية اللازمة.
وقال: «إن لم نحصل على المزيد من أجهزة التنفس في الأيام العشرة القادمة سيموت أشخاص يجب ألا يموتوا، انسوا حاليا إنقاذ شركات الطيران.. أنقذوا الناس.. أنقذوا المستشفيات.. أنقذوا المدن والولايات والمقاطعات».
واختتم بنبوءة كارثية: الأسوأ لم يأت بعد!
الرئيس دونالد ترامب ولد في مدينة نيويورك، وعاش معظم حياته فيها وبنى برج ترامب الشهير، ولكنه كرئيس، غادرها غاضبا في الأول من نونبر الماضي بعد صراع مع حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو وعمدة المدينة بيل دي بلاسيو. بلاسيو قال لترامب في نهاية اجتماع عاصف: «انتبه حتى لا تصدم الباب وأنت خارج»!
كومو كان قد ظهر في برنامج تلفزيوني قبل عشرة أيام مع شقيقه الذي يعمل مذيعا في سي إن إن للحديث عن جهود الولاية في مكافحة كورونا، ولكن المقابلة تحولت لسجال بين الشقيقين حول أي منهما الابن المفضل لوالدته ولماذا حاكم الولاية لا يتصل بوالدته، وعندما سأله المذيع عن إمكانية حظر التجول قال الحاكم: أنا لا أحب حظر التجول، حاول والدي فرضه علي ولكنني استأت كثيرا!
الحاكم يقترح الآن سحب أجهزة التنفس من الولايات الأقل تضررا حتى تستطيع نيويورك أن تتنفس، لكن من المستبعد أن توافق الحكومة الفيدرالية على ذلك، وحتى لو وافقت فحكومات الولايات سترفض قطعا خوفا من تدهور الأمور لديها. كل هذا العبث هو نموذج لما كان يحدث في أمريكا قبل ظهور فيروس كورونا وبعده: الديمقراطيون والجمهوريون يحاربون بعضهم بشكل شرس، وأضاعوا وقت البلاد في محاولة عبثية لعزل الرئيس، واستمروا بالحملات الانتخابية كأن شيئا لم يكن»!
نيويورك التي تحكم العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تعرضت لنكسات وانهيارات مالية، واكتوت بنار الإرهاب الذي أسقط برجي التجارة رمز قوتها المالية. نيويورك هي المدينة المفضلة لدى صناع السينما في هوليوود لتصوير المشاهد العظيمة والنهايات الكبرى، تعرضت مرارا لغزو فضائي ودمرها سكان المريخ في فيلم «هجوم المريخ»، وغزاة من كوكب آخر في فيلم «يوم الاستقلال»، وعاش فيها سوبرمان وحارب الجريمة وأشرارا من كوكب الأرض ومن خارجه.. لكن الأبطال الخارقون لم يظهروا لإنقاذ المدينة حتى الآن، والسياسيون استيقظوا متأخرين كثيرا، والمدينة التي قال عنها فرانك سيناترا إنها لا تنام، نامت أخيرا، بعدما عجزت عن التنفس بسبب كوفيد-19!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى