بعد نحو 60 يوما على الانتخابات التشريعية، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعيين ميشال بارنييه رئيسا للوزراء ليخلف بذلك بارنييه غابريال أتال (35 عاما)، الذي يصغره بنصف عمره تقريبا واستمرت رئاسته للحكومة ثمانية أشهر فقط. لكن هذا القرار أثار استياء اليسار الذي يحاول بكل جهده الإطاحة به في تصويت طرح الثقة، متهما ماكرون بإنكار الديمقراطية وسرقة الانتخابات.
سهيلة التاور
ولد ميشال بارنييه في 9 يناير (كانون الثاني) سنة 1951 في لا ترونش، إحدى ضواحي مدينة غرونوبل الفرنسية الألبية.
تخرج العام 1972 منESCP، وهو معهد لإدارة الأعمال الأوروبية في باريس، وفق موقع البرلمان الأوروبي.
انتخب عضواً في البرلمان الفرنسي سنة 1978 وعمره آنذاك 27 عاماً، ممثلاً لمنطقة سافوا الديغولية التي تميل نحو يمين الوسط.
شارك عام 1992 في تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في ألبرتفيل في دائرته الانتخابية، وهو الحدث الذي لا يزال محورياً لصورته العامة.
شغل بارنييه منصب وزير البيئة بين العامين 1993 و1995، ووزير فرنسا لأوروبا بين 1995 و1997. وتولى منصب مفوّض السياسة الإقليمية للاتحاد الأوروبي (1999 – 2004)، وهو منصب مسؤول عن المنح والإعانات التي تمثّل ثلث ميزانية الاتحاد. وتولى، كذلك، وزارة الخارجية الفرنسية (2004 – 2005)، ووزارة الزراعة (2007 – 2009) وانتخب عضواً في البرلمان الأوروبي (2009 – 2010).
شغل بارنييه، أيضا، منصب مفوّض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية والخدمات (2010 – 2014). تفاوض على تنظيم جديد واسع النطاق للأسواق المالية الأوروبية بعد الانهيار العالمي، بما في ذلك الإصلاحات غير الشعبية في مدينة لندن.
تم تعيينه بارنييه عام 2016 مفاوضاً للاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء بريطانيا على الخروج من الكتلة في ما عُرف بـ«بريكست»، وفشل سنة 2021 في محاولة الحصول على ترشيح حزبه المحافظ للانتخابات الرئاسية لعام 2022.
موقفه بارنييه من الهجرة
يعيب منتقدو بارنييه عليه موقفين أساسيين من ملفين شائكين هما الهجرة ومجتمع «الميم عين».
وخلال حملته في الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين، في عام 2021، اقترح بارنييه إجراء استفتاء حول الهجرة إذا وصل إلى السلطة.
وفي ماي عام 2023، أعرب بارنييه عن رغبته في أن تتمكن فرنسا من التحرر من القيود الأوروبية في مجال الهجرة، داعيًا إلى وجود حماية دستورية للتمكن من اتخاذ إجراءات لا تسمح بها التشريعات الأوروبية في الوقت الحالي، وفق تقرير «مونت كارلو».
معروف عن بارنييه، أيضا، تصويته ضد إلغاء تجريم المثلية الجنسية، وفق ما يقول منتقده ميلانشون.
وعود رئيس الوزراء
وعد ميشال بارنييه، المفوض الأوروبي والوزير اليميني السابق، بإجراء «تغييرات» بعدما عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيساً للوزراء أملاً بإخراج بلده من المأزق السياسي الراهن.
وقال بارنييه، خلال تسمله مهامه، «ينبغي قدر المستطاع رفع التحديات والاستجابة للغضب والمعاناة والشعور بالإهمال والظلم»، ذاكراً من بين أولوياته التعليم المدرسي والأمن والهجرة والعمل والقدرة الشرائية. ووعد كذلك «بقول الحقيقة» حول «الدين المالي والبيئي» لفرنسا.
وتعهد بارنييه بالعمل مع «كل من لديهم نوايا حسنة» من أجل تحقيق المزيد من الاحترام والوحدة في بلد منقسم سياسياً بعد أشهر من الاضطراب السياسي.
وقال بارنييه، في أول خطاب له في المنصب، وهو يقف في ساحة قصر ماتينيون: «الفرنسيون.. يحتاجون اليوم.. وقد أعربوا عن حاجتهم.. إلى الاحترام والوحدة والتراضي».
وبعد حالة ترقب استمرت 60 يوماً إثر الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يوليو وأسفرت عن جمعية وطنية مشرذمة، أصبح بارنييه، البالغ 73 عاماً، أكبر رئيس حكومة في تاريخ فرنسا الحديث.
ويخلف بارنييه غبريال أتال (35 عاماً)، الذي كان أصغر رؤساء الحكومة الفرنسيين في الجمهورية الخامسة.
ويتمتع بارنييه بخبرة واسعة في فرنسا والاتحاد الأوروبي ويعرف عنه أنه وسيط مخضرم، إذ كان كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي خلال مرحلة مغادرة المملكة المتحدة للتكتل القاري. وقبل ذلك تولى مناصب وزارية عدة اعتباراً من العام 1993 خصوصاً في عهدي الرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي.
وبعد مشاورات ومماطلات استمرت لأسابيع، كلفه إيمانويل ماكرون بـ«تشكيل حكومة جامعة»، على ما أعلنته الرئاسة.
حجب الثقة
على رئيس الوزراء الجديد، الذي يعترض على تعيينه معسكر اليسار، أن يظهر كل خصاله الدبلوماسية ليتمكن من تشكيل حكومة قادرة على الإفلات من مذكرات حجب الثقة في البرلمان وإنهاء أخطر أزمة سياسية في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة.
وتبدو هذه المهمة شبه مستحيلة بعدما أفرزت الانتخابات ائتلافاً يسارياً في مقدمة القوى السياسية في فرنسا، لكن دون حصوله على غالبية صريحة في البرلمان.
وتنقسم الجمعية الوطنية، اليوم، بين ثلاث كتل: تحالف الجبهة الشعبية الجديدة الذي يجمع الأحزاب اليسارية والذي يملك أكثر من 190 مقعداً، يليه معسكر الرئاسة الذي فاز بـ160 مقعداً والتجمّع الوطني (أقصى اليمين) الذي يملك 140 مقعداً.
ولم يحصل أيّ من الكُتل على الغالبية المطلقة التي تبلغ 289 مقعداً في المجلس الذي يتألّف من 577 مقعداً.
وأثار تعيين بارنييه غضب اليسار الذي كان يطالب برئاسة الحكومة.
وعلى غرار حلفائه الآخرين في الجبهة الشعبية الجديد، أعلن التكتل الاشتراكي في الجمعية الوطنية أنه لن يمنح بارنييه الثقة كونه «لا يملك شرعية سياسية ولا شرعية جمهورية».
وكتب زعيم الاشتراكيين أوليفيه فور، عبر منصة «إكس»: «إننا ندخل في أزمة نظام» مندداً بـ»وصول إنكار الديمقراطية إلى الذروة» فيما حل حزب الجمهوريين اليميني، الذي ينتمي إليه بارنييه، في الرتبة الرابعة في الانتخابات التشريعية.
ومن جهته، قال زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون: «لقد سُرقت الانتخابات من الفرنسيين»، مؤكداً أن «هذه الشخصية هي الأقرب إلى مواقف» التجمع الوطني.
ويبدو أن ماكرون يعول على امتناع التجمع الوطني بزعامة المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية مارين لوبن عن الإطاحة ببارنييه في حال طرح الثقة به.
وقالت زعيمة أقصى اليمين مارين لوبن: «سننتظر سماع خطاب بارنييه بشأن السياسة العامة» أمام البرلمان قبل تحديد موقف التجمع بشأن منحه الثقة أم لا.
وبدوره قال رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا إنه سيتم الحكم على بارنييه «بناء على الأدلة» عندما يخاطب البرلمان.
ورحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بتكليف بارنييه بتشكيل الحكومة الفرنسية. وقالت، في منشور على «إكس»، «أهنئكم. أعلم أن ميشال بارنييه يضع مصلحة أوروبا وفرنسا في قلب اهتماماته، كما تظهر خبرته الطويلة. أتمنى له كل النجاح في مهمته الجديدة».
كما هنّأ المستشار الألماني أولاف شولتس بارنييه على تعيينه، متمنيا له «النجاح في مهامه المقبلة».
مظاهرات رافضة
خرج آلاف الفرنسيين للتظاهر في العاصمة باريس وعدد من المدن الأخرى، السبت، بعد دعوة أحزاب اليسار للاحتجاج على قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعيين اليميني ميشيل بارنييه على رأس الحكومة، رغم فوز «الجبهة الشعبية الجديدة» (اليسارية) في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وتجمّع الآلاف في ساحة «لاباستي» بوسط باريس، حيث رفعوا شعارات ضد ماكرون، معربين عن رفضهم لما اعتبروه «انقلاباً سياسياً» من قبل الرئيس الفرنسي، بعد تعيين بارنييه.
وقدّرت رئيسة كتلة حزب «فرنسا الأبية» في البرلمان ماتيلد بانو، أن 160 ألف شخص خرجوا للتظاهر في باريس، و300 ألف في كامل البلاد، في «مسيرة العزل»، إذ يستهدف حزبها إطلاق إجراءات في البرلمان من أجل عزل ماكرون بعد رفضه تعيين رئيس للحكومة من الكتلة التي حققت المركز الأول في الانتخابات الأخيرة.
وخاطب رئيس حزب «فرنسا الأبية» جون لوك ميلانشون المتظاهرين في ساحة لاباستي، قائلاً: «ماكرون، لا يوجد شيء فوق الشعب ذو سيادة»، معتبراً أن تعيين بارنييه «إجراء غير دستوري»، و«تحد للرغبة الشعبية».
وقال بارنييه، مساء الجمعة الماضي، خلال أولى مقابلاته في منصبه الجديد، إن حكومته، التي تفتقر إلى أغلبية واضحة، ستضم سياسيين محافظين وأعضاء من معسكر ماكرون، وإنه يأمل في ضم بعض المنتمين إلى تيار اليسار.
ويواجه السياسي المحافظ مهمة شاقة لمحاولة دفع الإصلاحات وإقرار موازنة البلاد لعام 2025، في وقت تتعرض فرنسا للضغوط من المفوضية الأوروبية وأسواق السندات لخفض عجز الموازنة.
ويتهم اليساريون، بقيادة حزب «فرنسا الأبية»، ماكرون بإنكار الديمقراطية وسرقة الانتخابات بعد رفضه اختيار مرشح تحالف «الجبهة الشعبية الجديدة»، الذي فاز في انتخابات يوليوز.
تجاهل لنتائج الانتخابات
نشرت مؤسسة «إيلاب» لاستطلاعات الرأي، الجمعة، أظهر أن 74 بالمائة من الفرنسيين يعتقدون أن ماكرون تجاهل نتائج الانتخابات، بينما يعتقد 55 بالمائة منهم أنه سرقها.
ودعا زعماء أحزاب تيار اليسار ونقابات وهيئات طلابية إلى تنظيم احتجاجات حاشدة السبت، قبل اتخاذ تحركات جديدة، بما في ذلك إضرابات محتملة في الأول من أكتوبر، ردا على تعيين بارنييه، الذي حل «حزب الجمهوريين» الذي ينتمي إليه خامساً في البرلمان بأقل من 50 مقعداً.
ويواصل بارنييه مشاورات تشكيل الحكومة، السبت، وهي مهمة صعبة نظراً لمواجهته تصويتاً محتملاً بحجب الثقة. ومن المقرر كذلك مناقشة مسودة عاجلة لموازنة 2025 في البرلمان في مطلع أكتوبر. ويمتلك الأغلبية تحالف «الجبهة الشعبية الجديدة» وحزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، وربما يتمكن كلاهما من الإطاحة برئيس الوزراء عن طريق تصويت بحجب الثقة إذا قررا التعاون.
وقدم حزب «التجمع الوطني» موافقته الضمنية على بارنييه، مشيراً إلى وجود عدد من الشروط لكي لا يدعم إجراء تصويت بحجب الثقة، وهو ما يجعل الحزب المسؤول الفعلي عن تشكيل حكومة جديدة.
وقال جوردان بارديلا، زعيم الحزب لشبكة «بي.إف.إم»، السبت: «إنه رئيس وزراء تحت الملاحظة»، وأضاف: «لا يمكن فعل شيء من دوننا».