شوف تشوف

الرأي

من يكرم الشهيد الجزائري

نبيل نايلي
«قانون تجريم الاستعمار سيكون قانونا ذا قيمة معنوية مساوية للدستور نفسه». وزير المجاهدين الجزائري، الطيب زيتوني.
احتفالات هذه السنة بعيد الاستقلال كانت بطعم خاص، إذ «تميزت باسترجاع رفات مجموعة من شهداء المقاومة الشعبية الأبطال، الذين تصدوا لبدايات الاحتلال الفرنسي الغاشم في الفترة ما بين 1838 و1865».
أخيرا التأم «شمل – جميع- الشهداء فوق الأرض، التي ضحوا من أجلها بأعز ما يملكون». فمنذ 26 يوليوز 1876، قامت فرنسا بقطع رؤوس عدد من المقاومين، أبرزهم الشيخ بوزيان القلعي والحاج موسى، ليتم بعدها عرض رؤوسهم في إحدى الثكنات، ثم في أسواق مدينة بسكرة لمدة 3 أيام، لتكون، حسب تعبير المحتل يومها، «عبرة لمن يتجرأ على مقاومة فرنسا!».
بعض من تجرأ يومها نذكر المرحوم محمد الأمجد بن عبد المالك، المكنى بالشريف بوبغلة والذي استشهد سنة 1854، والشهداء مختار بن قويدر التيطراوي، وعيسى الحمادي ويحيى بن سعيد ومحمد بن علال بن مبارك، مساعد الأمير عبد القادر وغيرهم كثيرون…
حفل الاستقلال الــ58 شمل زف الخبر المنتظر الذي تعهد به تبون، بعد وصوله إلى الحكم ذات 19 دجنبر: «بعد ساعات ستحط بمطار هواري بومدين الدولي طائرة عسكرية قادمة من فرنسا، وعلى متنها رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ورفاقهم من جل ربوع الوطن!»، عملية تأخرت لعدة سنوات. وإن ظلت منظمات المجتمع المدني والنشطين بحقوق الإنسان والسلطات الجزائرية يجددون الطلب ويتهمون باريس «بتعطيل عملية نقل الجماجم»، في حين كانت باريس تتحجج بأن «الأمر يتطلب فقط إجراءات قانونية معقدة لضمان إخراجها من متحف باريس».
وكان أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد أشهر من الكشف عن وجود تلك الجماجم، «استعداد سلطات بلاده لسن قانون يسمح بتسليم تلك الجماجم، التي تطالب السلطات الجزائرية بنقلها لدفنها».
نعم كان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، محقا وهو يقول: «أبى العدو المتوحش إلا أن يقطع آنذاك رؤوسهم عن أجسامهم الطاهرة نكاية في الثوار، ثم قطع بها البحر حتى لا تكون قبورهم رمزا للمقاومة»، إذ «مضى على حرمانهم من حقهم الطبيعي والإنساني في الدفن، أكثر من 170 سنة، ويتقدمهم الشريف بوبغلة والشيخ أحمد بوزيان، زعيم انتفاضة – واحة- الزعاطشة بالجنوب الجزائري وإخوانهم.. وبينهم جمجمة شاب مقاوم لا يتعدى عمره 18 سنة!».
فرنسا «المتحضرة جدا» قطعت الرؤوس وعلقتها، ثم أودعتها المتاحف 140 عاما، لحرمان ذوي الشهداء من دفن يليق وتكريم مستحق، تأبى حتى الاعتراف فالاعتذار، ما دام «يتعذر» طلب التعويضات!
وعسى رئيس تونس الذي يحدثنا عن مجرد «حماية»، أن يطلع على بعض هذه الصفحات، ليدرك ماذا كانت فرنسا الاستعمارية تفعل بالمقاومين! هل يعلم جنابه أن البنتاغون حرص على أن يشاهد قادة الجند المزمع إرسالهم إلى العراق فيلم «معركة الجزائر»، ليستلهموا منه ما استلهم الجنرال بيترويس!
هل يُداوي ملف «الإعادة» هذا جراح ماض لم تلتئم؟ وهل يشفع لفرنسا إعادتها جماجم من كانوا يوشون متحفها؟ أيجب هذا الصنيع الماضي الاستعماري الفرنسي ويعفي المحتل من الاعتذار والتعويض؟ أم وجب الاكتفاء فقط بدعوة باريس إلى «طي صفحة الماضي، والتوجه نحو المستقبل؟».
ماذا عما تتحدث عنه وسائل إعلام فرنسية منذ 2016، أي الـ«18 ألف جمجمة» – والتي منها 500 فقط تم التعرف على هويات أصحابها- «محفوظة» اقرأ مصادرة- في متحف «الإنسان» بباريس! وبين هذه الجماجم يوجد بين 31 إلى 37 جمجمة تعود لقادة من المقاومة الجزائرية – قبل اندلاع ثورة نونبر 1954-، قتلتهم قوات الاستعمار الفرنسي ثم قطعت رؤوسهم، منتصف القرن الـ19؟
هل يعجل ملف «الإعادة» بطي ملفات أخرى لها علاقة بالأرشيف الوطني المُصادر هو الآخر؟ وبأرشيف الثورة؟ وبالمبعدين قسرا وبأولئك الذين وُظفوا كــ«فئران تجارب» للمشروع النووي الفرنسي؟
ماذا عن مصير بقية الرفات الـــ13، – حيث يبلغ إجمالي الجماجم 37-، أم أن الإجراءات لم تشملهم؟
ماذا عن مقترح تجريم الاستعمار الفرنسي بالجزائر؟ أليس القانون المجرم للاستعمار، هو الإطار العام المنظم لكل الملفات الأخرى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى