من يعبث بالمدرسة ؟
يونس جنوحي
قضى الأساتذة المتعاقدون، نهاية الأسبوع، ليلة بيضاء أمام البرلمان بدل أن يناموا في الغرف التي يكتريها أغلبهم في المناطق النائية غالبا لكي يدرّسوا أبناء الفقراء.
أغلب الذين يدرسون أبناءهم في مدارس البعثة أو المدارس الخاصة التي تبيع الخدمات التعليمية وتنافس شركات الطيران، يدلون، أيضا، بدلوهم في النقاش. من حقهم، كمغاربة طبعا، أن يحسوا بأنهم ينتمون للنقاش العمومي، لكن ليس من حقهم فقط أن يطلقوا الأحكام أو يسائلوا جهة على حساب الأخرى.
الأمر شبيه بالنقاش المُبطن أو الملغوم الذي أطلقه بعض السياسيين بخصوص مجانية التعليم وأيضا تعريب المواد العلمية..، إذ إن أبناءهم يدرسون أصلا خارج المغرب، وبالتالي فإن دفاعهم عن التعريب تحركه أهداف سياسية محضة يحكمها منطق صناديق الاقتراع وليس الصالح العام ومستقبل البلد.
المشكل أن الطبقات الشعبية، رغم القدرة الشرائية المتدنية، يتجهون بأبنائهم نحو المدارس الخاصة رغم أن جودة التعليم بها لا تمكن مقارنتها مع جودة التعليم في المدرسة العمومية. لماذا؟
الدليل أن أغلب الأطر الذين يشتغلون في المدارس الخاصة في المغرب ليسوا في الحقيقة سوى رجال ونساء التعليم الذين لم ينجحوا بعدُ في الالتحاق بالمدرسة العمومية. وحتى نوضح الأمور أكثر، بدون لغة خشب، يجب أن نعترف بأنهم، أيضا، فشلوا في اجتياز المباريات المهنية. أي أنهم ليسوا مؤهلين ولا مُكونين أكاديميا لتدريس أبناء المغاربة، وبالتالي تتعاقد معهم المدارس الخاصة، خصوصا منها التي يقصدها أبناء الشعب العاديون. وهذا في حد ذاته عبث وسوريالية مغرقة في السوداوية.
مشكلة المدرسة المغربية تبدأ من الشارع. يجب على الشعب أن ينتصر لمجانية التعليم كحق مشروع يجب أن تطوره الحكومات وتعيد إليه الاعتبار. فالأرقام والنتائج تقول إن المدرسة العمومية، رغم كل المعيقات، لا تزال قادرة على تأهيل تلاميذ وطلبة ينجحون في الالتحاق بمدارس خارج المغرب ويتفوقون دوليا. كل الأدمغة التي تهاجر اليوم إلى كندا وأمريكا للدارسة أو العمل في كبريات المعاهد والمؤسسات العلمية، ليست في الحقيقة إلا خريجة للمدرسة العمومية وتدين لها بكثير من الأفضال. في الوقت الذي يصدق فيه الكادحون المغاربة موجة الإساءة للمدرسة العمومية، ويهربون بأبنائهم نحو المدارس الخاصة.
في السابق كان من العار أن يتجه الآباء بأبنائهم نحو التعليم الخاص، وجيلنا، على الأقل، كان يسخر من تلاميذ المدارس الخصوصية لأنهم يكونون في الغالب غير مؤهلين للنجاح، وبالتالي يقوم آباؤهم بشراء نجاحهم من خلال إرسالهم إلى مدرسة خاصة لكي يحصلوا على الشهادة.
اليوم انقلبت الأمور وأصبح الفقراء على رأس قائمة المناصرين للمدارس الخاصة، بدعوى عدم جدوى المدرسة العمومية، رغم أننا لم نسمع نهائيا عن أي تلاميذ متفوقين من القطاع الخاص، ولازلنا نسمع عن نجاحات المدرسة العمومية في المناطق النائية والمدن الصغيرة الهادئة التي لا يزال الأستاذ والمدرسة عموما يحظيان ببعض الاحترام والتقدير.
المشكل بدأ عندما شرع الناس في تقزيم الدور التربوي للمدرسة وأصبحوا ينظرون للأستاذ بالمنطق المادي الذي يجعله في مقارنة مع مروجي المخدرات رغم أن المقارنة لا تستقيم.
لا توجد إرادة سياسية لدى الأحزاب لحل مشكل التعليم في المغرب وإنقاذ سمعة المدرسة العمومية وإعادة الاعتبار إلى الأطر الذين اشتغلوا لعقود في صمت وساهموا في تخريج مئات الآلاف من الكفاءات في كل التخصصات.
فالجبن السياسي هو وحده الذي يمكن أن يفسر مناظر التدخلات العنيفة في حق الشبان المتعاقدين الذين كان حريا بالدولة أن تطور سياسة احترازية من أجلهم لحل مشكل البطالة، بدل إرسالهم إلى الأقسام بطريقة ارتجالية تؤزم التعليم بدل إنقاذه. والنتيجة تعلمونها جميعا. نحن في ذيل ترتيب الدول من حيث جودة التعليم، وتتفوق علينا مدارس قطاع غزة التي تفتح أبوابها عندما لا يكون هناك قصف فقط!